حديث في الصحافة العراقية

رفعت الواسطي

بدأت رحلتي الصحفية عام 1992 في مدينة دهوك بعد اصدار قرار مجلس الامن الدولي بجعل المحافظات العراقية الثلاث أربيل، السليمانية ودهوك مناطق آمنة وهو الامر الذي هيأ الاجواء المحلية لإدارة المنطقة الكردية ادارة ذاتية بعد ان خرجت عن سلطة نظام صدام حسين آنذاك.

التجربة لم تكن سهلة حيث لاعهد لي بمزاولة مهنة الصحافة من خلال الاعلام المرئي وبالتحديد في قناة الشعب التابعة آنذاك لحزب الشعب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الشهيد سامي عبد الرحمن. الكادر الإداري للقناة كادر متمرس على مزاولة اللغة الأدبية الرائعة في القصيدة او القصة القصيرة من خلال الأساتذة والأحبة محسن قوجان، كريم بياني، سعيد ديرشي، فهمي بالاي وبهجت هروري بالاضافة الى الكادر الشبابي من مصورين ومذيعين.

 قبل أن نشرع في عملنا واذاعة البيانات والبلاغات العسكرية ذات الطابع الحماسي ضد جرائم نظام صدام حسين، كنا قد دخلنا في دورة اعداد من قبل المخرج المسرحي الزميل العزيز فهمي سلمان من حيث الخطابة وكيفية التعامل مع الكاميرا ومن خلالها مع المشاهد وتلك الدورة كانت بالتنسيق مع القناة الرابعة للتلفزيون الهولندي.

متعة العمل الصحفي في المناطق الآمنة حيث الأجواء الديمقراطية في ممارسة النقد السياسي الهادف بلا رقيب أمني أو مخابراتي كما هو نظام صدام البائد جعلت منا نطور أنفسنا في تحرير الاخبار واعداد البرامج التلفزيونية والاذاعية ومن ثم التفنن حسب اجتهاداتنا في كيفية ايصال المعلومة الهادفة الى المتلقي وكان ذلك ذروة النشاط الاعلامي خلال العام 1993 عام تأسيس صحيفة المؤتمر الناطقة باسم المؤتمر الوطني العراقي الموحد.

في ذلك العام انتقلت الى مصيف صلاح الدين حيث أكبر تجمع اعلامي معارض لنظام صدام حسين، أكثر من ثلاث فنادق تواجدت فيها مكاتب هيئة الارسال العراقية من صحيفة واذاعة ومحطة تلفزيونية. كان لي ومن خلال مهنة الصحافة شرف تحرير أول تقرير خبري خاص بمخيم رفحاء والأرطاوية حيث وقعت مواجهات دموية بين اللاجئين العراقيين في هاذين المخيمين مع السلطات العسكرية السعودية وكان من نتائجها وقوع قتلى وجرحى.

كنا مؤمنين حقا برسالتنا الاعلامية في مواجهة الاعلام الصدامي رغم مخاطر التصفيات الجسدية التي طالت زملائنا الصحفيين ومنهم الشهيد شاهين الأمير رسام الكاريكاتير في صحيفة المؤتمر. عشنا تجارب المعارضة العراقية من خلال مؤتمراتها وأهم الشخصيات التي هي اليوم جزء مهم من العملية السياسية ابتداءا من رئيس الجمهورية جلال الطالباني، مرورا بالسيد محمد بحر العلوم ومسعود البرزاني والدكتور احمد الجلبي والدكتور أياد محمد علاوي أما على مستوى الاعلام فكان محمد محمد علي ومحمد عبد الجبار والشهيد عقيل الطائي. وقسم منها تلاشت او رحلت عن عالم الدنيا ومنهم الشهيد والمفكر الأب الحبيب عز الدين سليم، شخصيات اخرى اختفت من المسرح السياسي من حيث المواقع القيادية او المؤسساتية في الدولة العراقية بعد سقوط نظام صدام وهو من أهم الأهداف التي كنا ننشد اليها بعد فضح جرائمه وأكاذيبه الى الرأي العام. عشنا مراحل صعبة من مراحل الاقتتال الأخوي الكردي-الكردي بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني.

تجسدت في تلك المرحلة صلابة ومواقف شخصية الدكتور احمد الجلبي رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر آنذاك من خلال دور الوساطة بين الفصيلين المتناحرين حتى في أوقات الليل كان موكب الدكتور الجلبي يتفقد جبهات القتال للوقوف على وقف اطلاق النار وتأمين اطلاق سرح الاسرى بين الجانبين. بالاضافة الى شخصيات قيادية و اعلامية واكاديمية ساهمت في اطفاء نار القتال الاخوي ومنهم اللواء الركن المرحوم حسن النقيب والدكتور كنعان مكية ونزار حيدر.

في ذكرى تاريخ الصحافة العراقية لابد لنا أن نذكر تلك المراحل المهمة من تاريخ الاعلاميين الذين قارعوا النظام الدكتاتوري بحناجرهم وأقلامهم واذا كان لابد من ذكر بعض الاسماء فاني أذكر للأمانة التاريخية الزميلين عامر كاظم من مدينة البصرة الذي عمل معنا محررا في تلفزيون هيئة الارسال العراقية والزميل محمد البغدادي الذي كان يشدوا بحنجرته وهو يقرأ على مسامع المشاهدين والمستمعين أخبار المعارضة ويفضح جرائم نظام صدام البائد. ترى اليوم أين هي تلك الاسماء وهل منحتهم القيادات في مؤسسات الدولة بعضا من التكريم والعرفان لهم؟.

ما نراه يدعوا للأسف لكننا ندرك أن مهنة الصحافة هي واجب لمن يعي حقيقة واهمية الصحافة. أكتب حديثا في الصحافة العراقية من حيث عرفت معنى كلمة حرية التعبير عن الرأي ومعنى ان تكتب عن لسان وضمير الأمة، على نقيض ما هو راسخ في ذهن من احتفلوا هذه الأيام بذكرى تأسيس الصحافة العراقية وللاسف فان تأسيس الصحافة العراقية مرتبط بمرحلة الاحتلال العثماني للعراق أي أن صحيفة الزوراء ولدت من رحم الاحتلال وليس من رحم مقاومة الاحتلال العثماني فصحيفة الزوراء هي الصحيفة الرسمية الناطقة بلسان الفرمان العالي وبلسان والي بغداد مدحت باشا آنذاك.

 لذلك كتبت حديثي الصحفي في مثل هذه المناسبة عن أهم مراحل تاريخ العراق الذي عشناه وناضلنا فيه وقد تحققت كثير من الأهداف التي كنا نكتب عنها في أدبيات الاعلام العراقي المعارض ومن أهمها عراق فدرالي برلماني تعددي يحترم حقوق الانسان. أي أن ماتحقق بعد العام 2003 هو من بصمات المؤتمر الوطني العراقي الموحد الذي كنا نعمل في مؤسساته الاعلامية بل حتى ميثاق الشرف الذي تبناه السيد مقتدى الصدر قبل عدة أشهر ووقعت عليه الكتل والشخصيات السياسية هو من بنات أفكار وأنشطة اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني عام 1994 من خلال ماعرف آنذاك بميثاق الشرف بين التكوينات السياسية والاجتماعية العراقية.

يفترض ان تدون تلك المرحلة المهمة من تاريخ المعارضة العراقية بسلبياتها وايجابياتها. تحية اكبار واحترام لكل الزملاء والاساتذة والاحبة ممن عملت معهم في ذكرى عيد الصحافة العراقية، وطوبى لكل الشهداء ممن استشهدوا دفاعا عن قيم مهنة الصحافة ورسالتنا الوطنية النبيلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/تموز/2012 - 12/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م