قيمر العرب

قد يكون في زاوية النسيان بعد ان تنوعت أشكال أخيه المعلب

عبد الكريم ابراهيم

بعصّابتها وملابسها السوداء مازالت (ام جاسب) تمارس بيع (قيمرالعرب) عند احد افران الصمون في مدينة الصدر حيث اعتادت على هذا العمل منذ سنوات طويلة لدرجة ان اغلب افراد الحي يعرفها وتعرفهم، ورغم انحسار عملية بيع (قمير العرب) عن ذي قبل بسبب منافسة مشتقات الالبان المعلبة وممارسة البيع من قبل اصحاب المحال المنتشرة في معظم مناطق بغداد .

 تقول (ام جاسب) ذات(67) عاما من سكنة منطقة الفضيلية شرق العاصمة " اخرج عادة منذ ساعات الفجر الاولى واجلس قرب هذا الفرن، وينتهي عملي عند الساعة الثامنة صباحا حيث تقل حركة الناس " ..عن اهم المعوقات التي تواجه بيع (قيمر العرب) في الوقت الحالي " بعض الناس يفضلون القيمر المعلب الذي توجد انواع عديدة منه فضلا عن ان اصحاب الدكاكين اصبحوا هم من يتولى بيع القيمر مباشرة " . هذا الامر جعل (ام جاسب) تبيع بضاعتها من القيمر الى مجموعة من اصحاب المحال " اتفقتُ مع عدد من دكاكين المنطقة الى بيعهم صواني القيمر وهم يتكفلون ببيعه الى الناس، ومايبقى اقوم ببيعه بصورة مباشرة ".

هل انتهى عصر (قيمر العرب) ؟ سؤال اجاب عنه محمد سعيد صاحب (سوبر ماركت) في منطقة بغداد الجديدة " بسبب وجود انواع عديدة من مشتقات الالبان المستوردة والمحلية المعلبة وسعرها المعقول جعل الكثيرين يفضلونها على غيرها خصوصا قيمر وجبن العرب ". ويضيف سعيد سببا آخر في هذا العزوف " بعض الناس لديهم تحسس من لبن وجبن وقيمر العرب لعدم مراعاتها الشروط الصحية لاسيما في فصل الصيف حيث يجب ان تحفظ في اماكن مبردة لانها سريعة التلف فضلا عن عامل النظافة غير المتوفر في صناعة مثل هذه المواد " .

نال القيمر وخصوصا (العرب) منه حصته من اهتمام الشعراء قبل معرفة المعلب، حيث تغنوا بحلاوته ورقته ونقلوا هذا التشبيه الى جمال بنات حواء كما يقول الباحث في التراث الشعبي داود الركابي " جردت عادة شعراء العرب ان يشبهوا كل شيء رقيق وشفاف بالمرأة وجمالها، ولعل القيمر هو من اكثر المواد طراوة وحلاوة ماجعله محط اهتمام الشعراء كما في الاشعار الشعبية المتوارثة عن الاجيال السابقة (يا ام العيون السود ماجوز انا، خدج الكيمرانا اتريك منه). ربما تكون الخدود هي اكثر اجزاء المرأة تشبيا بالقيمر " الخدود المتوردة البيضاء لها علاقة تشابه قوية بينها والقيمر، والاخوة في مصر يطلقون على الفتاة الفاتنة الجذابة بـ(القشطة) " وقد يكون قيمر السدة هو الاكثر شيوعا" قيمر السدة في مدينة الحلة الاكثر شهرة وشيوعا في الاغاني والاشعار وربما يعود الى شهرته وسمعته لكونه من النوع الممتاز كما تقول اشعار الشعبية (تهده يا حلو تهده، خدك كيمر السدة) ".

هناك علاقة قوية بين (قيمر العرب) و(السيّاح) و(الكاهي) . الاستاد ناهي مطلك مدرس لغة عربية من مدينة الصدر يقول : اعتدت على اكل قيمر العرب مع السيّاح واحاول في كل مرة الذهاب الى مكان حيث (ام حسين) وهي امرأة بسيطة تذكرنا بطيبة اهلنا الاولين، واستكان شاي سنكيل مع سيّاحه حارة وقطعة قيمر عرب اشعر بها بلذة الطعام وحلاوته ". وايضا توجد ثنائية تربط (صواني قيمر العرب) بـ(الكاهي) والعرسان الجدد حيث جرت عادات العراقية ان يحضر اهل العروس عند اول يوم كمية منه كما تقول ام محمد من اهالي منطقة الشعب وتضيف " هذه العادة ورثناها من اهلنا وهي من اجل ادامة المحبة والتواصل بين العرسان الجدد والغاية ليست الاكل بقدر ماهي الاحترام المتبادل بين العوائل العراقية وزيادة الصلة وقد تكون لحلاوة القيمر والكاهي دليل على بداية حياة حلوة وسعيدة" .

ولعل الانفتاح الاقتصادي وظهور انواع جديدة من مشتقات الالبان جعل (قيمر العرب) ينحسر في زاوية ضيقة رغم وجود طلبات عليه قد تتفاوت من منطقة الاخرى ومن شخص لآخر تبعا لثقافته وحالته الصحية وغيرها من المبررات التي تجعل صديقنا (قيمر العرب) يصارع من اجل اثبات بقائه بعد ان شغل البطون والعقول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 2/تموز/2012 - 11/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م