تعذيب المتهمين بين سادية المحقق وصمت القاضي

رياض هاني بهار

يعد التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة والحاطة بالكرامة من أشد إنتهاكات حقوق الإنسان ضراوة، حيث يمارس عادة ضد أناس موقوفين أو سجناء يقعون تحت قبضة السلطة تماما،ً لا حول لهم ولا قوة حيال رجال أمن أو سجانين يسيطرون عليهم تماماً في المواقف والسجون بكل مالهم من إعداد وقوة وسلاح وحواجز تحول دون إفلات الضحايا، سواء كان ذلك بغرض العقاب او من أجل التشفي والانتقام، أو لحملهم على الادلاء " إعترافات" عن جرائم لم يرتكبوها أم إرتكبها غيرهم، أيا كانت العلاقة بينهم.

لذا إهتم المجتمع الدولي بإتخاذ جميع السبل لمنع تلك الأساليب حفاظاً على صحة الموقوفين البدنية والنفسية والعقلية، ان تعذيب الانسان جريمة يعاقب عليها القانون، ويقصد بالتعذيب كل عمل أو امتناع ينتج عنه معاناة أو الم شديد، جسدياً كان أو عقليا، يرتكبه أحد الموظفين العموميين أو المسؤولين الرسميين من اجل اجبار شخص على الاعتراف أو الحصول منه على معلومات أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه هو او شخص آخر، او بقصد تخويفه أو تخويف أشخاص آخرين، أو ارغامه أو ارغام أشخاص أخرين على شيء ما، أو لأي سبب آخر (المادة الثانية من مشروع اتفاقية منع التعذيب – 1990.

فالتعذيب معناه إيلام من خصائص الحيوان المفترس ذي النزعة الغضبية والسبعية كما يعبر عنه علم النفس القديم أنه لا يأكل جنسه، بل لا يقتله كقاعدة عامة، اللهم إلا إذا ضاقت به السبل لتفادي هذه المواجهة والتي لم يكن له منها بد، هذه الشيطنة والحيونة تبرز لدى إنسان عصرنا على مستويات متعددة، ابتداء من الفرد كوتر ومرورا به شفعا وزوجا، ثم أسرة ثم جماعة، وأخيرا شعوبا ودولة والمتهم قد يضطر حينه إلى التصريح بأقوال واعترافات بأفعال قد يكون ارتكبها فعلا أم لم يرتكبها.

ان الاضرار للنفس بسبب الرعب والصدمة والإحباط الذي يصاب به المعذب حينما يكتشف أن بني جنسه يفتكون بجسمه وكرامته أقصى من فتك الحيوان بأخيه رغم دعواهم التشبث بالقوانين والمواثيق الدولية وما إلى ذلك من الشعارات، إن هذا الإجراء لا يمت إلى العدالة بصلة فالإيلام بهذه الصورة فيه إضرار بالنفس والجسد والحقيقة معا، تجمع حقيقة الإنسانية وحقيقة الواقع المبحوث عنه في ظل التعذيب، أن للتحقيقات أصول ينبغي عدم تجاوزها أولاً، كما أن للإنسان في أي مكان وزمان وحتى لوكان في ظل بلد محتل قيمة انسانية لايمكن تجاوزها، اذ لايجوز التذرع بأية ظروف استثنائية سواء منها في حالة الحرب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو حالة الطواريء كمبرر للتعذيب.

فالتعذيب يرتبط ارتباطا وثيقاً بالمتهم والجريمة والتحقيق الذي غايته اكتشاف فاعل الجريمة الحقيقي وجمع الأدلة على ارتكابه الجرم وتقديمه للمحاكمة. وللتحقيق أصول لا تعدو كونها إجراءات قانونية تخول المحقق جمع الأدلة وتحديد هوية الفاعل. وقد وضعت تلك الإجراءات القانونية لضمان سلامة التحقيق من جهة ولضمان سلامة المتهم من جهة ثانية، إلا أن الأخطار تحيق بكليهما من جراء حصول بعض الممارسات الشاذة، والتي ترمي إلى اختصار الطريق القانونية بأن ينصب التحقيق بكل قوته على شخص المتهم لاستخلاص الإقرار منه، وكأن الإقرار هو الغاية من التحقيق، وكأنه كافٍ بحد ذاته لتأييد الاتهام ولإدانة المتهم!

ولكن إذا أمعنا النظر في طبيعة الإقرار وجدنا أنه لا يشكل سوى دليل من بين الأدلة الكثيرة التي يجب أن يؤيد بها الادعاء. وقد وضع العلم الحديث الوسائل الفنية الكافية التي تمكن من اقتفاء آثار المجرمين وجمع الأدلة بحقهم دون المساس بسلامتهم وتعذيبهم لجبرهم على الإقرار، فكم من إقرار كاذب أضاع آثار المجرم الحقيقي وقاد القضاء إلى أخطاء قانونية وإلى الحكم على الأبرياء؛ إذ إن الذين يرغبون في أن يكونوا شهداء، نادراً ما يعترفون أو يكشفون عن أي شيء من مكنوناتهم بالإكراه، وعلى العكس من ذلك، كان آخرون قد عُرف عنهم أنهم يعترفون بأي جريمة ويقدمون أي معلومات عندما يخضعون للتعذيب.

 ولذلك فعلى القاضي الجنائي ألا يقابل اعتراف المتهم بالترحاب والقبول، بل عليه أن يقابله بغاية من الحيطة والحذر والاحتراس، فالاعتراف بالجرم يورد صاحبه موارد الهلكة، وليس من طبائع البشر وغرائز الإنسان السوي أن يُقبل على موارد الهلاك طائعاً مختاراً، كما أن المتهم نادراً ما يعترف بوازع من الندم أو تأنيب الضمير. فالإقرار ليس كل شيء، وإن الأهمية التي تعطى اليوم للإقرار من قبل البعض ليست سوى من آثار ذلك الماضي القاتم حيث كان الإقرار يشكل الطريق المثلى لإثبات التهمة، لاشك أن هذا تضليل للعدالة؛ ذلك أن إقامة العدالة يعني تحقيق دليل الاتهام بالقدر نفسه الذي يتم به تحقيق دفاع المتهم، كما أنه تحقيق للتوازن بين خضوع الجميع للقانون، فإذا أصبح الإنسان متهماً فإن ذلك غير كافٍ للحط من كرامته وإيذائه بغية إدانته واعتبار ذلك وسيلة لإقامة العدالة بين أفراد المجتمع.

ولقد قيل بحق، إن الإجراءات الجنائية في دولة ما هي الصورة الدقيقة للحريات في هذا البلد، وعليه فإن تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف بجرم نسب إليه، يعتبر هدماً لجانب كبير من جوانب الشرعية الإجرائية، فضلاً عن كونه فعلاً مؤثماً في المواثيق الدولية، وجريمة معاقباً عليها في سائر التشريعات الوطنية على أنها جناية مشددة العقوبة. ولاتسقط بالتقادم ويمتد الإختصاص بنظرها للقضاء الدولي إن استغلقت السبل القانونية المحلية على ضحية التعذيب.

الاتفاقيات والصكوك الدولية التي تحرم التعذيب:

1. فالإعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول من العام 1948 حدد في المادة الخامسة انه لايجوز اخضاع احد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاأنسانية أو الحاطة بالكرامة.

2. أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1975 الاعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من التعذيب والمعاملة اللا إنسانية والحاطة بالكرامة والمهينة.

3. في 1984 أصدرت الجمعية العامة " إتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية والمهينة تلزم الإتفاقية الدول الأطراف بإتخاذ الإجراءات التشريعية والقضائية والإدارية اللازمة لمنع أنواع التعذيب كافة، حتى في الظروف الاستثنائية، وتحظر التذرع بالأوامر الصادرة من الرؤساء كمبرر للتعذيب، وتعاقب الجهة الآمرة والمتسترة على ممارسات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. كما تلزم الإتفاقية الدولة معاقبة المسؤولين عن التعذيب أو تسليمهم إلى دول مختصة بمحاكمتهم. على صعيد القانون الجنائي الدولي تعتبر جريمـة التعذيب من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم. كما لا يعتد بأي أقوال أدلى بها تحت التعذيب، ويستحق الأشخاص الذين يتعرضون للتعذيب التعويض المناسب مادياً وطبياً وأدبياً عما لاقوه من قسوة.

4. كما تجيز المادة (21) من الإتفاقية لأي دولة أن تعلن، في أي وقت، أنها تعترف بإختصاص اللجنة في أن تستلم بلاغات تدعى ان دولة أخرى لا تفي بإلتزاماتها بموجب الإتفاقية، وان تنظر في تلك البلاغات، شريطة ان تكون الدولة الطرف قد قبلت بذات الصلاحيات حيالها هي نفسها.

القوانين الوطنية ومدى مؤائمتها مع المعايير الدولية:

فيما يخص البنية التشريعية والقانونية في العراق يحرم القانون التعذيب والمعاملة اللاإنسانية ويمنع اعتماد التعذيب كإحدى الوسائل للحصول على أقوال أو اعترافات يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب أو الضرب أو التهديد بذلك أو بوسائل أخرى غير مشروعة، ويحدد دور كل من القاضي والمحقق في الإجراءات الجنائية، كما يجيز للموقوف حق مقابلة طبيب مختص لمعاينته في مكان التوقيف، وحق الاتصال بعائلته أو بمحام يختاره أو بأحد معارفه، ويصون حقه بالتزام الصمت وعدم الإدلاء بأية أقوال سوى أمام المحقق وقاضي التحقيق.

1. عام 2010 انضم العراق الى اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، فالنص الدستوري الذي يحظر التعذيب في الدستور العراقي الحالي لعام 2005 يوجب على المشرع العراقي اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة. لتفعيل هذا النص، ومن ضمن هذه الاجراءات تأييد احترام العراق لاتفاقية مناهضة التعذيب اعلاه وتعديل النص القانوني الذي يجيز التعذيب او على الاقل يسمح بوقوعه او افلات مرتكبه من العقاب مما يودي بالتالي الى شرخ في الشعور بالعدالة الجنائية وتطبيقها.

2.، ان قانون العقوبات العراقي النافذ ومدى موائمته لتلك المعايير الدولية فقد وجد بأن هناك من اوجه الالتقاء و الاختلاف مع هذه المعايير.. فعلى الرغم من اوجه الالتقاء العديدة بين المشرع الوطني والمعايير الدولية لحقوق الانسان في مسألة النص على بعض المبادئ الأساسية للقانون ومبدا الشرعية ومبدا شخصية العقوبة ونظام العقوبات الإجرائية والتدابير الاحترازية الا ان هذا لايعد كافياً، اذ ان هناك العديد من العيوب والمثالب التي لازالت تعترض بعض القوانين الامر الذي يتطلب اجراء تدخل تشريعي يضع النص القانون المطلوب او الغاء نص يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الانسان ان اجراء تعديل في النصوص المخالفة.

3. النص صراحة في قانون العقوبات العراقي النافذ على اعتماد المبادئ الأساسية (السبعة) التي استخلصتها لجنه القانون الدولي عام 1950 من الاحكام التي اصدرتها محمكة نورمبرغ، بموجب1 لسنة 1947.

4. خلاصه القول:

1. هناك خلل تشريعي اولهما بتعديل نص المادة 333 من قانون العقوبات العراقي النافذ لتصبح(يعاقب بالسجن او الحبس كل موظف او مكلف بخدمه عامه امر بتعذيب متهم او شاهد لحمله على الاعتراف بجريمه او الادلاء باقوال او معلومات بشأنها او كتمان امر من الامور لأي سبب كان وتحت اي ظرف)

2. حث الحكومة والبرلمان للانضمام للاتفاقيات الدولية. ومن ضمنها (المصادقة) على اتفاقيات حقوق الانسان لانها تمثل معيارا دوليا لضمان حقوق الانسان.

3. ـإخضاع الأشخاص الذين يتولون التحقيقات الأولية لدورات متخصصة حول واجباتهم خلال الإجراءات الجنائية من ذوي المؤهلات العلمية ووضعهم فعلياً تحت سلطة القضاء.

4. رفض مجلس القضاء الاعلى لأي جهة تحقيق عدا الجهات المخولة بالقانون واحاله من ثبت تورطه بجرائم التعذيب والتسليط الاعلامي على الجهات التي تخترق القانون للحد من استهتارها بحقوق الانسان كما تلزم الإتفاقية الدولة معاقبة المسؤولين عن التعذيب أو تسليمهم إلى دول مختصة بمحاكمتهم. على صعيد القانون الجنائي الدولي تعتبر جريمـة التعذيب من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/حزيران/2012 - 4/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م