البيان الدستوري المكمل، دلالات وتداعيات!

د. عادل محمد عايش الأسطل

لعل ما تشهده الساحة المصرية من المفارقات والتناقضات السياسية والقضائية، في أعقاب إصدار المجلس العسكري المصري البيان الدستوري المكمل وبالتزامن مع حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب، حيث كانت المفارقات والتناقضات سبباً كافياً لأن يكون هناك تباينات وانقسامات أخرى تُضاف إلى جملة التباينات والانقسامات الصحيّة والحادة أيضاً على المستويين القيادي والشعبي المصريين.

فبعدما كانت حققت ثورة 25 يناير/كانون ثاني انجازات مهمة وذات شأن باتجاه التحول الديمقراطي، الذي كان يُؤمل أن ينعكس إيجاباً على مكونات الدولة المصرية، كانت تخرج بين الفينة والأخرى ممارسات معينة، من شأنها أن تحبط هذه الانجازات أو تحد منها، أو تنسخها في بعض الحالات، ومنها البيان الدستوري المكمل، الذي كان له الأثر الأكبر في إحداث الكثير من الاضطراب والبلبلة ليس على المستوى الشعبي - الأقل علماً- بمحتوياته فقط، بل على مستوى القضاة على اختلافهم وقضاة الفقه الدستوري ذاتهم بشكلٍ خاص، حيث رأينا ومنذ صدور القرار تلك التباينات فيما بينهم بوضوح تام ولا يحتاج إلى تبيان، وهو ما انعكس على الشارع المصري بعمومه، وبالتالي جعل حالة من اليأس تغزو كثيرين، ومن هم في الميدان على نحوٍ خاص.

وبرغم أن الثورة المصرية كانت مرت – بعفويتها منذ البداية - بأطوار عديدة, ومراحل مختلفة، لكنها كانت رسمت طريقاً واحداً تهدف من خلاله إلى التخلص من الماضي بحذافيره والانتقال إلى المستقبل بغية النهوض بمصر إلى الأفضل، بعد عقودٍ عجاف، تضاءلت خلالها كمية دورها إقليمياً ودولياً، وافتقدت إلى قدرتها في الكيفية التي بالإمكان أن تدير بها علاقاتها على قدرٍ من المكانة السمعة والهيبة، التي كانت تمتعت بها خلال فترة سابقة من الزمن.  

ولا شك فإن  القراءة الأولية للإعلان الدستوري المكمل، الذي اعتبرته العديد من القوى السياسية انقلاباً على الشرعية، فيما اعتبرته قوىً أخرى مطلباً شرعياً وضرورياً وفي هذه المرحلة وهذا التوقيت بالذات، فهو وإن كان صحيحاً وضرورياً، لكن هناك جملة من الأمور ما تجعله مثار جدلٍ ومحل شك، هو أن النخبة العسكرية التي شاءت وحرصت على إصدار القانون المكمل، من دون سابق إنذار، والإصرار عليه، بزعم أن ما أقدم عليه هو في الباب الأول يقع ضمن صلاحياته كمؤسسة تشريعية عند عدم وجود هيئة تشريعية، ومن ناحيةٍ أخرى، فإنه يقول بأن البيان المكمل تم إقراره لفترة محدودة بهدف ضغط المرحلة وتجاوز تداعيانها.

لكن اللافت للنظر وإن كان من المفترض صحة أن ينوب في التشريع، في غياب الهيئة التشريعية المنتخبة أو الشرعية، فإن ذلك لا يعني أن يقوم المجلس بالانتقاص من سلطات رئيس الجمهورية – أياً كان – أو تجريده منها، وكأنه بصلاحيات في نظام برلماني، بحيث لا تتعدى صلاحياته في حضور المراسم والطقوس التشريفية وقبض راتبه من المصرف. كم أن مسألة عذر الضرورة، فإنه كما تقول الأغلبية من الأطياف المصرية، بأن ليس هناك ضرورة لذلك، وإن كانت هناك ضرورة بهدف درء مشكلات قد تحدث، فقد حدثت المشكلات بالفعل جراء صدور البيان، وهذه من الأخطاء الصعبة التي توجب خلق المشكلات الأصعب لتجنب الوقوع في المشكلات الأسهل. 

كما أن البيان المكمل نص في بعض  فقراته ما هو بعيد عن الضرورة الملحة، كأن يختص المجلس العسكري بالتشكيلات القائمة وبتقريره كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة سواء فيما يتعلق بتعيين قادتها أو بصلاحية تحديد مدة خدمتهم وأمور أخرى.

ومن ناحيةٍ ثانية، وما يؤكد على أن البيان الدستوري المكمل، هو للمستقبل وليس لفترة زمنية محدودة هو، بيانه بالنص، الذي يقول على سبيل المثال، بأنه يجوز لرئيس الجمهورية في حالة حدوث اضطرابات داخل البلاد تستوجب تدخل القوات المسلحة وبعد (موافقة) المجلس الأعلى للقوات المسلحة، إصدار قرار باشتراك القوات المسلحة في حفظ مهام الأمن وحماية المنشآت الحيوية بالدولة. بما يعني أنه ليس بمقدور رئيس الجمهورية، الحق في اتخاذ أي إجراءٍ مناسب إلاّ بالرجوع إلى المجلس العسكري وأخذ موافقته وهذا لا يرتبط بمدةٍ معينة، بل يفهم من سياقه بأنه يغطي المستقبل أيضاً.

وهذا ما اعتبره الكثيرين لدى الدوائر السياسية والقضائية بأنه ليس انقلاباً دستورياً على السلطة فحسب، بل يعكس رغبة المجلس العسكري في الاستمرار في الحكم، ويجعل من الرئيس المنتخب دون وزن وبلا أهمية، وهذا الإجراء في حد ذاته لا علاقة له بالثورة، ولا بالمبادئ التي فُهم حينها من كافة الأطياف المصرية والعربية أيضاً، أن الجيش قام على أساسها بحماية تلك الثورة منذ البداية.

وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر من المجلس العسكري أن يقوم بتهدئة الأجواء وتهيئتها إلى العبور الآمن من هذه المرحلة - المفصلية - الحرجة، قام بإصدار بيانٍ مقتضب، أكد خلاله مضيّه فيما اختطّه لنفسه في البيان التكميلي والحرص عليه، بما يعني عدم نيّته في إلغائه أو التراجع عنه، فيما اعتبره الكثيرين من الساسة بأنه عبارة عن كشف للنوايا الحقيقية، التي طالما كان يغطي عليها المجلس العسكري طوال فترة الثورة بتصريحاته الناعمة ووعوده المدروسة نحو تسليم السلطة والعودة إلى ثغور الوطن.

صحيح أن من سنن الحياة التنازع على السلطة، ومعلوم أن الطريق إليها قد يكون بوسائل رسمية ووسائل أخرى غير شرعية، والتي تفرض بداهةً تراجعات عميقة ومشكلات مؤلمة، في الدول التي تقبل بها بعمومها، حيث لا عيش ولا حرية ولا عدالة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 24/حزيران/2012 - 3/شعبان/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م