تخريب الجسور بين ايران والدول العربية لصالح من؟

خليل الفائزي

خبر اعدام 18 ايرانياً في السعودية اتهموا بتهريب والمتاجرة بالمخدرات اثار موجة عارمة من السخط لدى الحكومة الإيرانية فيما دعا البرلمان الايراني لقطع العلاقات مع السعودية وطرد سفيرها فوراً من طهران، وحتى ان بعض نواب البرلمان الايراني وصفوا اعدام المتهمين بالمتاجرة بالمخدرات بانه اعلان حرب شاملة من جانب السعودية على ايران!.

 الحقيقة ان اعدام هؤلاء تم قبل عدة اشهر وان السعودية اخفت هذا الخبر وتقول السفارة الإيرانية في الرياض انها لم تستلم حتى الان اجساد الايرانيين الذين ربما قطعت رؤوسهم، ولكن يا ترى لماذا اثار النظام الايراني ضجة كبرى بهذا الشأن؟ وهل يستحق تجار المخدرات مهما كانت هويتهم كل هذا الدفاع ولماذا لا تبث الرياض ان هؤلاء كانوا حقاً من تجار المخدرات وان إعدامهم كان حقاً من حقوق السعودية او اي دولة اخرى تبادر بإعدام تجار المخدرات الذين يستحقون الاعدام وقطع الرأس اذا كانوا في الواقع تجار مخدرات او ما يطلق عليها تجارة الموت؟.

 كلنا نعلم ان العلاقات بين ايران والسعودية تعرضت في العقود الماضية الى نكسات سياسية كبيرة ولم تتحسن هذه العلاقات الا في عهد الرئيس رفسنجاني الذي مارس سياسة معتدلة بالتعامل مع الدول العربية ويدرك أهمية التعاون والتنسيق مع هذه الدول وان ليس لايران ولا الدول العربية سوى مسير التعاون الإقليمي على الاقل على الصعيد الجماهيري وهذه حقيقة قائمة على أنوف الجميع وحتى ان الرئيس احمدي نجاد الذي يرفع الان شعار العداء لدول مجلس التعاون كان اول رئيس جمهور إيراني سافر الى الرياض وعانق ملك السعودية واشاد بدورها في العالم الإسلامي وانه شارك دون غيره من الرؤساء الإيرانيين في اجتماع مجلس التعاون الذي يرفع اسم الخليج غير الذي تنادي به ايران وتطلق عليه في إعلامها الذي وصف آنذاك إيران والدول العربية الخليجية انهما تمثلان جناحي لطائر العنقاء يحلق في المنطقة والعالم!.

 وقد لا يدرك الكثيرون من ان لايران والسعودية والكثير من الدول العربية الخليجية وبالرغم من تقلص العلاقات السياسية، افضل العلاقات في المجال الاقتصادي والتجاري لا لشيء سوى ان هذه العلاقات تدر على جيوب بعض المسئولين في الطرفين اموالاً طائلة لا تحرقها النار.

 وآخر تقرير اقتصادي يشير الى ان حجم التبادل التجاري بين الرياض وطهران اكثر من مليار دولار في العام الماضي وان ايران والامارات اللتان تقيمان الدنيا وتثيران ضجة اعلامية لا حدود لها بشأن الجزر الثلاث المتنازع عليها بين البلدين لهما افضل العلاقات الاقتصادي وان حجم التبادل الاقتصادي الرسمي بين ايران والإمارات 16 مليار دولار سنوياً الى جانب 20 مليار دولار تهريب سلع بين ايران والإمارات، وجميعنا نعلم من الذين يقومون بهذا التهريب والى اين تذهب هذه المليارات، وجيوب كبار اي من المسئولين في البلدين تمتلئ من عمليات التهريب بالدولارات النجسة والحرام!.

 اما علاقات ايران مع قطر فحدث ولا حرج ونشير هنا فقط الى ملف حقل الغاز المشترك بين البلدين وان الحكومة الايرانية لاتزال تواصل صمتها على حصول دولة قطر اكثر من 120 مليار دولار اكثر من حصة ايران في هذا الحقل ولماذا تلوذ الحكومة الإيرانية بالصمت حيال ذلك وما هو الثمن المدفوع سرا من دولة قطر لبعض المسئولين في طهران.

 ولكن خلافاً لهذه الحقائق والمصالح الفئوية الدفينة بين كبار المسئولين والمنتفعين في ايران والدول العربية، فان إعلام الطرفين وبعض المسئولين والإعلاميين الذين ربما لهم مصالح مادية وشخصية او ان هذه المصالح تعرضت للخطر اوقد يكونوا يسعون لإخفاء حقيقة مصالحهم الفئوية السرية أثاروا مؤخرا ضجة اعلامية وسياسية لتخريب جسور العلاقات بين الطرفين وحتى ان البعض خرج عن الاخلاق الدينية والإنسانية من خلال الشماتة بوفاة ولي عهد السعودية وتوزيع الحلويات احتفالا على المتوفى ( للتذكير: ليس من شيم العرب ولا المسلمين الشماتة بالميت مهما كان) واعلنت طهران انها لن تدعو الرياض للمشاركة في اجتماع دول عدم الانحياز المقرر عقده في ايران بسبب إعدام ما أطلق عليهم بتجار المخدرات، فيما واصل اعلاميون في الطرف الآخر بالإساءة الى كبار المسئولين الإيرانيين واتهامهم بالتدخل في شئون دول عربية والسعي لامتلاك اسلحة دمار شامل.

 قطعاً ان تدهور العلاقات بين ايران ودول خليجية يعود الى مرحلة اجتياح أمريكا للعراق واتهام هذه الدول بدعم حكومة الشيعة في العراق، الى جانب اختلاف الطرفين ونزاعها المستمر على الساحة اللبنانية واخيراً تحالف الدول العربية الخليجية مع الجماعات الداعية لاسقاط نظام الاسد الحليف الأساسي لايران في المنطقة.

 وقد تعمقت الخلافات بين الطرفين حيال اندلاع التطورات في البحرين واتهمت ايران السعودية بانها احتلت البحرين ودخلت بجيشها لقمع انتفاضة الشيعة هناك، وحتى ان بعض نواب البرلمان الإيراني اعلنوا صراحة: اذا كان من حق السعودية احتلال البحرين فان ايران لها الحق اولى من السعودية لاحتلال البحرين وان ايران قادرة على ضم البحرين لها خلال نصف ساعة اذا أرادت، حسب قول سفير ايران السابق في باريس صادق خرازي.

 ومع هذا فان طهران في الواقع غير قادرة قانونياً تقديم شكوى ضد الرياض بسبب إعدامها لـ 18 ايرانياً اتهموا بتجارة المخدرات لسبب بسيط وهوان ايران اعدمت حتى الان مئات من الأفغانيين اتهموا بتجارة المخدرات وان تقديم شكوى من جانب ايران بهذا الشأن سوف يفتح ملف اعدامها للأفغانيين المتهمين بتجارة المخدرات.

 اما بشأن العلاقات بين الطرفين فمن حق اي دولة تعيين مسير وحجم علاقاتها مع اي دولة اخرى ولكن اذا كان اي طرف في هذا السياق يزعم انه يصر على مواقفه فليقدم على قطع كافة العلاقات لاسيما التجارية التي تدر على بعض المسئولين وقادة المافيا الاقتصادية مليارات دولار سنوياً،

 وعليه نقولها صراحة ان ليس من حق دول المنطقة فرض رأيها على شعوب ومواطني الطرفين وان العلاقات العادية بين الجانبين يجب ان تستمر في احلك الظروف خاصة على النطاق الشعبي وان جميع الأزمات يمكن حلها بالتحاور والمفاوضات وننقل هنا وجهة نظر رئيس مجلس مصلحة النظام الايراني الشيخ رفسنجاني الذي قال في حوار له مع فصلية (الدراسات الدولية) الإيرانية: يجب ان تكون لنا علاقات او على الاقل نافذة للحوار مع امريكا والسعودية وسائر الدول الاخرى -بالطبع باستثناء اسرائيل- لكي نحبط مخطط فرض العقوبات على ايران وان لا ندفع السعودية ملأ مكان ايران في منظمة اوبك في حالة مقاطعة شراء النفط الإيراني.

ان على كافة المسئولين في الطرفين الدرك من ان عهد التهديدات العسكرية قد ولى ولا يمكن خدع الجماهير بالشعارات الفارغة وانه لا يمكن القبول بوجود عداء سياسي بين بلدين في حين ان علاقاتهما التجارية والمصالح الفئوية أحلى من السمن على العسل، كما يقال.

 ونحن الاعلاميون بدورنا يمكننا انتقاد سلوك المسئولين او توجيه نصائح لهم ولكن علينا ان نساهم ايضا في إعطاء صورة واضحة وشفافة للرأي العام عن حقيقة سلوك بعض المسئولين السياسيين والإعلاميين الرسميين ولماذا يصرون على مخادعة شعوبهم واستغباء الجماهير لتخريب الجسور بين شعوب المنطقة.

 ان الملفات الكبيرة مثل مواجهة الإرهاب وإنهاء التناحر المذهبي والعداء الطائفي والحيلولة دون وقوع حروب مدمرة في المنطقة تجبرنا جميعاً عدم إثارة الأزمات الهامشية وعدم الغور في ملفات قديمة ومثيرة للشقاق وعلينا على الاقل التظاهر بالتآخي والعمل على إحباط مخططات الأعداء الداعية لإيجاد الفرقة والتشتت بيننا نحن العرب والمسلمون، وان يعلو صوتنا نحن الجماهير على أصوات كافة الحكام والمسئولين والدعوات الناشزة لتخريب العلاقات والمودة والصداقة بين شعوب المنطقة.

* اعلامي وقانوني مقيم في السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 20/حزيران/2012 - 29/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م