لماذا يغلق المسؤول أبواب مكتبه؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لا يصح مطلقا، أن يغلق المسؤول باب مكتبه الوظيفي على نفسه (أيا كانت درجة وظيفته في الدولة)، بل كلما ارتفع مركزه الوظيفي وازدادت مسؤولياته، كلما توجّب عليه أن يقترب أكثر من الناس ويفتح لهم باب مكتبه، وأبواب قلبه وإنسانيته أيضا، فالقانون المجرد وحده، لايفي بالغرض ما لم يدعمه دافع إنساني واخلاقي، يُسهم الى حد بعيد في تجسير العلاقة المتينة بين المواطن والمسؤول.

من المؤسف حقا أن ما يحدث الآن في الشبكة الوظيفية بالعراق، غير ما تحدثنا عنه في أعلاه، فمعظم الموظفين يتعامل مع الناس وفق سياسة غلق الابواب وسد خطوط التواصل، ويبقي منافذ خاصة وقليلة تسمح لبعض الناس بالوصول إليه، بطرق لا تمت للقانون، ولا للروح الوطنية والانسانية، ولا للاخلاق بصلة، حيث تكون الواسطة أو الرشا او الهدايا او الفوائد المادية وعقد الصفقات المشبوهة، هي الطريق الأقصر الى مكتب الموظف المسؤول، والمشكلة أن هذه الظاهرة تتعاظم كلما ارتفعت درجة المسؤول الوظيفية، فالوزير الفلاني يغلق ابوابه ويضع حوله مجموعة من الافراد أو البطانة، وهم من يقوم في التحكم بغلق او فتح الابواب التي توصل الناس الى الوزير، وينطبق هذا مع المدير العام الفلاني، ومع الرئيس الفلاني، ومع الموظف ذي المكانة الوظيفية المهمة والحساسة.

وهكذا يكون المواطن في حيرة من أمره، فهو الخاسر الوحيد في هذه العلاقة المأزومة والمزمنة، بسبب تفشي المنهج الاداري االبيروقراطي المميت، في السابق كانت معاملة المواطن تمر بخطوات محسوبة قد تستغرق نهارا أو اثنين او ثلاثة (وكان المواطن يتذمر من هذه الاجراءات ويعدها خيانة لشرف الخدمة المدنية)، وكان التأخير يتراوح بين البطء وسرعة الانجاز حسب نوع المعاملة، أما اليوم وكما يتحدث لنا المواطنون، فإن أبسط وأصغر معاملة تبقى تدور بين غرف ومكاتب الموظفين أياما وأسابيع، إن لم تمتد المسافة الزمنية الى شهور متتالية من المراجعات المنهكة؟ وعندما يبحث المواطن عن باب الموظف المسؤول يجده مغلقا، لكن تبقى هناك منافذ تحدثنا عنها سابقا، تصل به الى المسؤول نفسه، من خلال الرشا والواسطة والهدايا، حيث تغيب الانسانية والوطنية والضمير والاخلاق دفعة واحدة، ليجد المواطن نفسه أمام موظف مسؤول خال من الرحمة والاخلاق الوظيفية والوطنية أيضا.

المطلوب فتح قنوات اتصال مباشرة بين المواطن والمسؤول، ولا يجوز أن يتوارى الموظف مهما كان مركزه خلف هالة من التعتيم والغموض والتهرّب، ويجب أن تصدر قرارات تشريعية تجبر الموظفين على مواجهة المواطنين بشفافية عالية، كأن يُصدر مكتب أمانة رئاسة الوزراء، أو الجهات التشريعية المعنية، تعليمات واضحة وحازمة ايضا بشأن تنظيم مراجعات المواطنين، على أن تتم مقاضاة الموظف المخالف فورا، وفقا للقرارات التي تنظم عملية التقارب والتلاقي المباشر بين الموظف والمسؤول، من اجل كشف الاخطاء الادارية والخدمية للمسؤول لكي يبادر وفقا لصلاحياته بمعالجة الامور.

وهذا ما تذهب إليه الانظمة الديمقراطية التي لا تلتقي بالادارة البيروقراطية، ولا تسمح لها بالتواجد في انظمة العمل الوظيفية والخدمية والانتاجية، وحينما يسود المنهج البيروقراطي على حساب التواصل المباشر بين المواطن والمسؤول، فإن الامر ينطوي على نفس دكتاتوري مميت، إذ يقتنع به الدكتاتور (كبيرا او صغيرا)، ويعتقد بأنه يفيد الجميع من وجهة اعتقاده الشخصية، لأن (معظم الطغاة والمستبدين مقتنعين بصدق أن اوامرهم تعود بالفائدة على سيادة الشعب، حيث حكومتهم من اجل الشعب) كما يؤكد ذلك احد الكتاب.. ويرفض الادعاءات التي تحاول أن تزاوج أو تقارب بين الإدارة البيروقراطية من جهة والديمقراطية من جهة أخرى، ويؤكد أن بعضهم (اعتادوا على النظر في الحكم الديمقراطي باعتباره أفضل نظام للحكم والإدارة، البيروقراطية واحدا من اعظم الشرور). وهنا يتساءل الكاتب نفسه (كيف يمكن لهذين الأمرين ان يجتمعا معا، واحده جيدة -الديمقراطية - والأخرى سيئة - البيروقراطية؟).

لذا مطلوب أن تُفتح منافذ مباشرة ومناظرات متبادلة عبر وسائل الاعلام المختلفة، بين المواطن والمسؤول، لكي تنتظم العلاقة بينهما، في اطار منهجي عملي، يخفف العبء عن المواطن، ويقلل الى حد كبير من عزلة المسؤول او تهربه من اداء واجبه الوظيفي الوطني الاخلاقي الانساني في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 17/حزيران/2012 - 26/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م