مؤتمر وطني ونهاية الازمات

د. يوسف السعيدي

حين نسمع بأن هناك مؤتمر لبحث الأزمة".. او الازمات حيث يقفز( النبأ الصاعق ) بين المكاتب... تتلقاه صناديق البريد الإلكترونية والتقليدية.. ترن له الهواتف النقالة والثابتة.. وتعلنه وسائل الإعلام للعامة من الشعب المظلوم... فيتلقف الشيفرة أشخاص معينون.. معنيون... وحدهم دون سواهم...

 ينشغل الرأي العام... وتتجند الأجهزة بكامل تشكيلاتها، يتشنج الإعلام.. ويبهت... ينفرد الصمت تقديسا للموقف ورهبة منه... في الوقت عينه... وترتحل بعض الكروش تعلوها ربطات العنق وتحل في مكان ما تبحث وتناقش وتعمل على حل كل مشاكل الأمة؛ من إيجار المنزل وتسعيرة كيس الطحين التجاري.. وقنينة زيت الطبخ.. وصفيحة البنزين... إلى البطالة ورواتب المتقاعدين.. وعمالة الأطفال، إلى الحدود والتوطين والإستراتيجيات الدفاعية.. والمواطنة الحقة وغير الحقه والعلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة.

واهم ما في المؤتمر دائما هو الظهور الإعلامي من كافة الأطراف... لكن تلك التي تريد أن تظهر فحسب.... وتتوزع الأدوار سهوا او عمدا بين منظمين وممولين ومشاركين على حد سواء.. فكل طرف منهم يعرف تماما ما يريد من هذا الظهور.... ولا أحد سيخرج خاسرا في نهاية المطاف.... أما الخاسر الأساسي فبعيد دائما عنهم... لا يظهر على طاولات غدائهم أبدا ولا يهتمون به (إلا بالكلام الحماسي الخالي من المضمون) من قبل بعض اصحاب البطون الممتلئة.... فهذا المواطن الخاسر لا يليق بنجوم المكان الخمسة والستة والسبعة ولا يأتون به إليها، وإذا أتوا به فعليه أن يظهر بمظهر لائق لا "يسدّ نفوسهم" عن الأكل الذي قد يكون أمامهم أو قد يعطى لهم في جيوبهم وحساباتهم المصرفية... كي يأكلوا ما شاءوا و"على ذوقهم" في رحلة العودة، وعليه كذلك ألاّ يقلق ويعكر صفو مائهم وخضرتهم والوجوه الحسنة أمامهم.... كلام واستراحات ومشروبات ساخنة... وكلام مجددا واستراحات ومشروبات باردة وحلويات.. وكلام بعدها... وغداء.. وختام... أو امتداد لأيام متتالية تفتح أمام المشاركين غرف الفنادق و"بوفياتها" وتجهيزاتها المتكاملة مادية وبشرية.....

غالبا ما تنجز الغرف المغلقة وحدها كل شيء. ربما تكون في فنادق أو في قصر أو في شقة مزعومة في الضاحية الجنوبية لبيروت فحسب.. او حتى داخل احدى المحافظات.. التي سمعت بخبر( المؤتمر)... المهم أن كل ما هو مفتوح للإعلام هو مادة تسلية في الغالب لا تقدم ولا تؤخر بشيء. يستغلها اعلاميون جدد او معتقين.. لملء جرائدهم بالكلام، وشاشاتهم وإذاعاتهم بالمساحات الصوتية والمرئية....

من رأس الهرم إلى أدناه.. من أكبر القضايا إلى أصغرها.. بمختلف اللغات التي أعدت لها آلات ترجمة فورية.. وكذلك بتنوع مصادر التمويل والشراكة وتباينها بين وطني.. وأوروبي واسكندينافي.. وبريطاني وأميركي... ديمقرطي أميركي اوجمهوري أميركي.. او الاثنان معا.. وعربي مجاور او بعيد وعديد من العربي الذي يترقب النتائج... ويبقى الوضع دوما على ما هو عليه. تنصب الموائد وتفتح الدفاتر وتتعالى الأصوات.. أكل ونقاش وشرب وخطط وتحليلات تلفزيونية ومقابلات بدون نتيجة....

خلف كل تلك الفوضى والبهرجة والزخارف الكاذبة.. شخص واحد أو شخصان او ثلاثة على الاكثر يجلسون معا... ، وربما أكثر من مجرد جلوس حيث يقول أحدهما كلمة واحدة... ويجيب الآخر بكلمة أخرى.... عندها ينشأ "الإتفاق" و"المعاهدة"، والتسوية"، و"الميثاق" و"السمن على العسل" و"الكنافة بالقشطة".. فتزف المعاهدات إلى الإعلام بهمة الآكلين وفصاحتهم اللسانية والكرشية يزفها بدوره إلى جماهير الإنتظار الطويل... جماهير الشعب المظلوم... التي ملت الانتظار.. وهي تنتظر حل الازمات... كلها او بعض منها... لا احد يدري... ولو الى حين.. انتظر... اننا منتظرون..

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/حزيران/2012 - 21/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م