يوم في حياة بائع (الشعر بنات)

عبد الكريم ابراهيم

المعاصَرة والحداثة ألقت بإنجازاتها على بائع (الشعر بنات)، حيث استعاض عن صوته الجهوري الذي كان يشدّ اطفال الحي وجعلهم يخرجون كأنهم فراشات الربيع تتهافت على الازهار، استعاض هذا الرجل بمكبر الصوت وشريط تسجيل يردد (شعر بنات يا ولد)، وما يجمع ماضي الرجل ويومه الآن هو صناعة مادة (الشعر بنات) والوانها الزاهية، حيث لم تتغير طول هذه المدة وبقيت محافظة على اصالتها.

بائع (الشعر بنات) الجوال محمد سعدون (27 عاماً) من اهالي مدينة الصدر يقول: ما زالت مادة (الشعر بنات) تستهوي الاطفال بألوانها وطعمها الحلو، والذي تغير منها فقط انها كانت في السابق تلف حول عود خشبي، أما اليوم فيتم حفظها في أكياس من النايلون. هذه المهنة تتطلب التجوال في الازقة والشوارع لساعات طويلة وقد يكون مردودها المادي قليلا ولا يتناسب مع الجهد المبذول «عليَ ان اقطع مسافات طويلة بين الاحياء والازقة حاملا على كتفي صندوق الشعر بنات، وفي النهاية ما احصل عليه لا يتجاوز 15 الف دينار، وأحيانا قد يقل الى 10 آالاف دينار»، هذا ما قاله سعدون ويضيف «التجوال على القدمين والمناداة على بضاعتنا هي سمة بائعي الشعربنات، لان الوجود في مكان واحد يعني محدودية الرزق، وعلى البائع ان يقصد مناطق وجود الاطفال كما الحال عند الحدائق العامة ومدن الالعاب الصغيرة، ولاسيما في وقت العصاري».

وبرغم العلاقة التاريخية بين اطفال العراق و(الشعر بنات) فان هناك منافسة قوية من قبل بعض الحلويات المستوردة الجذابة والتي قد تصب في غير صالح هذه الصناعة الشعبية»، هذا ما قاله بائع (الشعر بنات) مجيد حنون (43) عاماً من اهالي مدينة الصدر، وأضاف «اغلب زبائننا من اطفال المناطق الشعبية حيث يزداد الطلب على مادتنا، فضلا عن اننا نقصد التجمعات عند مدن الالعاب والمتنزهات، ولكن هناك منافسة قوية من قبل الحلويات المستوردة ذات الالوان والاشكال الجميلة والجذابة وعلى شكل شخصيات افلام الكارتون، وهي رخيصة بالنسبة للعائلة العراقية».

ما سر تعلقه ببيع (الشعربنات) من دون غيره من الحلويات؟ سؤال اجاب عنه حنون قائلاً «في أيام صغري كنت من الاطفال المولعين بالتهام اكبر كمية من الشعر بنات، وعندما اسمع صوت البائع وهو ينادي في الدربونة ألحُّ على والدتي (رحمها الله) ان تعطيني عشرة فلوس كي اطير بها الى حيث الشعربنات». وعن اختلاف بائع الامس عن اليوم يقول حنون «البائع اليوم اكثر استفادة من الوسائل الحديثة، ولاسيما سماعة الصوت والمسجل، عكس السابق حيث كان يجب على البائع ان يكون صاحب صوت قوي كي يخرق مسامع الاطفال ويخرجهم من بيوتهم بعباراته الجميلة والحانه الرائعة مثل (شعر بنات وين اولي وين ابات، ابات بالدربونه، اخاف تعضني البزونه)...الخ من الاغنية التي يحفظها اغلب بائعي الشعربنات».

ربما تكون صناعة (الشعر بنات) قد حافظت على اصولها القديمة لم تتغير كثيرا عما سبق، ولكن دخول انواع مستوردة مشابهة من الحلويات قد يؤثر عليها كما يقول سعد محمود (60 عاماً) صاحب محل لصناعة (الشعر بنات): «هذه الصناعة بسيطة جدا ولا تحتاج سوى الى ماكنة دوارة اشبه بالغسالة الكهربائية مع السكر وبعض الألوان الغذائية، ولكن دخول بعض الانواع المستوردة قد يجعل هذه الصناعة تنقرض محليا وانا اطالب بحمايتها لا لكونها صناعة مهمة، بل لانها ارتبطت بالموروث الشعبي والمحافظة عليها واحياؤها هي من مسؤوليات بعض الجهات الرسمية العراقية، ولاسيما أمانة بغداد التي سعت مشكورة في بعض المناسبات كيوم بغداد الى الترويج والتعريف عن بعض الصناعات الشعبية والتي انقرض بعضها كما في (بيض اللكلك)، وتعريف الاجيال الجديدة بتراث أجدادهم كألعاب الاطفال الشعبية والمهن التراثية فضلا عن تسليط الضوء عليها اعلامياً بما يخدمها ويجعلها حاضرة في اذهان الذين عاشوها والجيل الجديد الذي لم يعرف عن المهن سوى حكايات الاجداد والاباء واحاديثهم عنها».

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 5/حزيران/2012 - 14/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م