المصلحة الوطنية والمصلحة الحزبية

د. يوسف السعيدي

كل حزب او حركة سياسية هي نسق من المبادئ المتفاعلة مع بعضها، والمكملة لبعضها، وغير المتناقضة مع بعضها...

وتشمل المبادئ، اول ما تشمل، تحليلاً للواقع ومعطياته، وتصوراً لما ينبغي ان يكون عليه، ثم طريقة او اسلوب الانتقال مما هو كائن الى ما ينبغي ان يكون، ولان الاحزاب لا تلتقي في رؤيتها للواقع ولا في تصورها للمستقبل ولا في اساليب العمل لذلك فهي احزاب وليس حزبا واحداً، كل يدعو لمبادئه، ولكل اسلوبه في القول والعمل.

لكن هناك اموراً وطنية او قومية ذات اهمية بالغة يجب ان يكون لكل حزب موقفه المعلن منها، والناس او الجماهير هنا هي الحكم ولها وحدها حق الخيار، وهي التي تمنح ثقتها لهذا الطرف او ذاك...

ثم ان هناك في مواجهة كل عمل سياسي اولويات تندرج تباعا وفق اهميتها من منظور الحزب، فقد يكون ما هو اولوي عند حزب ما ثانويا عند غيره...

وعندما يتعلق الامر بالمصالح العليا للبلاد فلا بد لكل حزب من موقف (مع او ضد) او اي الحلول افضل، واي من طرق المواجهة اجدى.

وبعد الاحتلال، صارت في بلادنا مئات الاحزاب، واتخذت شتى التسميات.

فكل من توسم في نفسه الزعامة اسس حزبا...

وكل من اراد الوجاهة اسس حزبا...

وكل من اراد الكسب المادي (النقود) اسس حزبا.

وكل من اراد منصبا يأتيه بالمغانم اسس حزبا...

وكل من تعصب لطائفة او عنصر اسس حزبا...

وكل من يبحث عن الشهرة والاهمية الاجتماعية اسس حزبا...

وكل من لديه مالاً اراد استثماره بمشروع مجد ذي ربح وفير ومضمون اسس حزبا...

وكل من كانت وظيفته خدمة دولة اجنبية اسس حزبا...

وكل من اراد البحث عن اسم يليق بعصابة للسرقة والنهب والسلب اسس حزبا...

وكل من اراد ثأراً من عدو له اسس حزبا...

واخيراً، حتى الذي يبحث عن رضا حماته، ومباهاة زوجته في مجالس النساء اسس حزبا...

لهذه الاسباب ولغيرها تعددت الاحزاب والحصاد واحد...

فلم ترد كثير من هذه الاحزاب عن الشعب غائلة الحرمان، ولم تحقق للمواطن امنا، ولم تحفظ للوطن وحدة، ولم تمنع من التدخل في شؤونه أحداً، بل صارت معابر للتدخل...

وبالطبع فهي لم توحد صفاً لانها في اساس وجودها تقوم على الانقسام..

لم تكن لهذه الاحزاب مبادئ واضحة.... تلك حقيقة...

ولم يكن لأي منها برنامج عمل تلك حقيقة اخرى.

ولم تدافع عن مصالح الشعب وتطرح همومه ولو من باب الدعاية الكاذبة وتلك حقيقة ثالثة...

والحقيقة الاهم انها لم تقل رأيا حول كل امر خطير جرى ويجري في البلاد لانها تعتبر الرأي بمسائل كهذه من (النوافل)...

لقد غرقت البلاد في بحر من الدم وصارت جثث المواطنين طعاما للكلاب والقطط السائبة وظل البعض صامتا...

صار المواطن يخطف من داره، وتؤخذ الفدية من اسرته، ثم يقتل ولم يحرك احد ساكنا...

مئات الالوف من الناس هجروا من بيوتهم وافترشوا الارض والتحفوا السماء، واعتبرت الاحزاب ذلك من طبيعة الاشياء.

كثير من العراقيين غادروا البلاد ولم يجدوا كلمة مواساة من اي حزب.

ملايين الارامل، ملايين الايتام يجوبون الشوارع بحثا عن بقية زاد في كيس للنفايات... وبعض الاحزاب تعيش الافراح والليالي الملاح....

- البطاقة التموينية تسرق معظم محتوياتها ولا يبقى فيها الا سقط الطعام ولا احد يتكلم.

- الفساد يعم كل مرفق ولا احد يستنكر، او يكشف، او يحاسب، او يدعو للحساب.

خلافات، واتهامات، وسباب، وتضارب بالايدي، وحتى اعتقال واغتيالات بين الاحزاب...، تتلوها ولائم وقبل حارة..وكأن الواحد منهم لا يقبل نائبا ملتح بل يقبل كلوديا كاردينالي او كاترين دينوف...

والان نأتي الى الاهم في ذلك كله... فنجد ان (الاخوة – الاعداء) من بعض الزعامات الكردية يأكلون مع الاكلين ويحتضنون زملاءهم مع المحتضنين ومع ذلك فانهم ماضون في كل ساعة في طريق اقامة (الدولة الكردية)...

لم يشر احد حتى الى نقطة بسيطة وهي ان لكل دولة دستور واحد يمثل الاسس التي تقوم عليها الدولة، واستناداً اليه تشرع القوانين... أما دولة ذات دساتير فتلك، وايم الله، بدعة، وكل بدعة ضلالة... وعلينا ان نسجل فيها براءة اختراع لبعض هذه الاحزاب....

لن نطيل:

حسبنا الاشارة الى ان خوف التقسيم قد يبدأ... وان الآتي امر وادهى فهناك جهات اخرى تريد الاستئثار ببعض ما في العراق و (بالفخذ من الذبيحة) خصوصاً ونعني به نفط الجنوب...ونفط كركوك...

اما جمهورية العراق فسوف تمتد من سامراء الى الفلوجة بمحاذاة الثرثار يحدث كل هذا وكثير من هذه الاحزاب تلتزم الصمت.....

قولوا رايكم بصراحة مع او ضد ليعرف الشعب حقيقتكم... فالساكت عن الحق شيطان اخرس... ولا نشك ان معظمكم شياطين... خرس عن الحق ذوو السنة طوال عند الباطل، او عندما يتعلق الامر بالتوافه وصغائر الامور..

فاذا لم يكن للحزب، اي حزب، رأي في مصلحة البلاد فلماذا هو حزب؟

ان العراق مهدد ببقائه كدولة وعلى كل حزب، وعلى كل مواطن، ان يصرخ بالرفض، وان يقاوم حفاظاً على وجوده وعلى وطنه موحدا... اما اولئك الذين يقفون على التل فمصيرهم مصير من مهد وسهل ولن ينجو من حساب الشعب... وسيكون مصيرهم مصير المشركين في معركة (الاحزاب) التي قادها رسول الله عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم.....اللهم انا لا نسالك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.... وحسبنا الله ونعم الوكيل...

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/حزيران/2012 - 13/رجب/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م