القزامة العاطفية والامية الجنسية يولدان الشخص السادي

علي اسماعيل الجاف

ورد في قاموس مصطلحات علم النفس لمكدونالد لادل ان السادية (Sadism) هي الحالة التي تكون فيها اللذة الجنسية مرتبطة ارتباطا وثيقيا ومباشرا بالدافع نحو اصابة الشخص الذي يمارس معه السادي نشاطه الجنسي، بالجراح، التعذيب او القتل.

فالشخص السادي، يصيب بالآلام من يمارس معهن من نساء، او معهم من صبية، او ينهال عليهم بالتجريح والتعذيب في سبيل قضاء وطره، او اشباع رغباته الجنسية. فثمة اذن عدوان يصدر من جانب السادي ضد انسان ما، ينتج عنه الم جسمي. والشخص السادي في عدوانه الجنسي على انثى او ذكر، انما يكون قد اصاب مشاعرها، واحط من كرامتها، واستلبهما الاعتزاز بشخصيتيهما، ولا شك ان الايذاء المعنوي لا يقل ضراوة عن الايذاء الجسدي.

فالشخص السادي جنسيا، يكون بعدوانيته الجنسية، سواء بهتك العرض ام بالاغتصاب، قد حطم ايمان المجني عليها او المجني عليه، بقيمة العفة والطهارة، ويجعل منهما مجرد اداة لاشباع نهمه الجنسي، وفي الوقت نفسه يكون قد عمل على انهيار القيم الروحية والاخلاقية التي كانت من اهم المحاور التي كان يدور حولها سلوكهما، ويعتزان بها قبل الاعتداء عليهما.

فالعدوان الجنسي الذي يقترفه الشخص السادي، يعتبر مصادرة لحرية المعتدي عليه، فالهجوم على الشخص الذي يهتك عرضه او يغتصب، لا يعني ان يشارك الشخص السادي في مشاعره، او انه يوافقه على فعلته، بل ان يأباها ويرفضها تماما. ومعنى هذا ان الشخص السادي يحيل المعتدي عليه الى عبد مسلوب الحرية تماما، وقد حرمه من اعز ما يملكه، اعني الشرف. فلا فرق بين من يستلب جسم شخص ما للاستمتاع به جنسيا، وبين لص يغتصب اغلى ما لدى غيره من ممتلكات، بل ان الشرف والعفة اهم واثمن من شيء في العالم في نظر الشرفاء المعتدين بكرامتهم، والمحافظين على غرة انفسهم.

فالشرف الذي يسلبه الشخص السادي، لا يمكن التعويض عنه حتى بكنوز العالم كلها. فمن يسرق الجواهر او الممتلكات ويضبط، يمكن رد ما سرقه الى اصحابه، ولكن السادي الذي يغض بكارة مراهقة او شابة، او يمارس الجنس عنوة مع سيدة، او الذي يعتدي جنسيا على صبي، لا يتسنى رد ما نهمه الى اصحابه، وذلك لان المعنويات والمقدسات لا ترد اذا ما تحطمت، حتى ولو ضبط من قام بتحطيمها... وحتى اذا ما وقعت اقصى العقوبات على السادي، فلا يمكن ان تعوض المعتدي عليه عما فقده من قوام شخصيته وصلبها وجوهرها.

اولا": الالتذاذ بتحطيط شخصية المعتدي عليها او المعتدي عليه: فالشخص السادي يجد متعة كبيرة في تحطيم شرف وكرامة وعفة من يعتدي عليهن من اناث او من ذكور. فهو يعلم علم اليقين انه باعتداءاته الجنسية. سواء يهتك العرض ام بالاغتصاب يكون قد افقد المعتدي عليه ثقته في نفسه، واعتزازه بكرامته، بل انه يستطيع بعد اول اعتداء يصيبه به، ان يجعل منه عبدا جنسيا له، يستخدمه في اي وقت يشاء، وبالطريقة التي يتخيلها. فبعد ذلك العدوان الاول، تتزايل قدرة المعتدي عليه على التعفف وعصيان رغبة المعتدى السادي جنسيا، وقد ضاعت عفته، وتحطمت كرامته وعزته.

ثانيا": احتلال مكان القوة والسيطرة الجنسية: فالشخص السادي في اقدامه على هتك العرض او على الاغتصاب، انما يكون شاعرا بانه في موقع القوة، بينما يكون المعتدي عليها او المعتدى عليه في موقع الضعف والاذلال. وغالبا ما يكون هذا الشعور ناجما عن عقدة الضعف عند الشخص السادي. فهو يحس في لا شعوره بانه غير قوي جنسيا، فيندفع لابطال هذا العامل اللاشعوري، وذلك بان يقدم على هتك العرض والاغتصاب.

ثالثا": بداية الشخص السادي: الشخص السادي لا يكون شخصية متطورة تطورا حضاريا، بل يكون في مرتبة البدائيين، الذين كانوا يواكبون بين الجنس وبين العنف. فهم كانوا يسبون النساء والصبية، ويمارسون الجنس معهم عنوة، بل انهم كانوا يواكبون بين الممارسة الجنسية وبين قتل ضحاياهم الجنسية، واكل لحمهم. فالشهوة الجنسية كانت متواكبة مع التجريح والعض وقضم اللحم، بل التهام الضحية الجنسية ذاتها. والواقع ان السادية التي تتبدى اليوم في سلوك بعض الاشخاص، تعتبر من بقايا السلوك البدائي السابق للحضارة.

رابعا": القزامة العاطفية: ولا شك ان الشخص السادي يكون قزما في عواطفه. فهو لا يستطيع ان يسمو بمشاعره عن المستوى الشهواني، الى المستوى العاطفي المتصف بالرقة و العذوبة. انه لا يستطيع ان ينظر الى المرأة الا باعتبارها جسدا يشتهيه، ولكنه لا يستطيع ان يقيم معها علاقة انسان بإنسان، مساو له في العقل والعاطفة والارادة، ولا يستطيع ان يتبادل المشاعر الوجدانية معها، بل يعتبرها فريسة لابد من الانقضاض عليها والتهامها جنسيا، دون او يأخذ في اعتباره ما تحس به، او ما تعتنقه من مبادئ دينية واخلاقية، وما نشأت عليه من تربية، وما تعتز به من قيم اخلاقية: المهم لديه هو استخدام تلك الاداة الجنسية التي يصادفها، دون تمييز بين واحدة واخرى من بنات حواء، بل انه قد ينتحى الى الجنس نفسه، فينقض على الصبية، ويجعل من الواحد منهم الهدف الجنسي الذي يستخدمه لاطفاء لهيب شهوته المشتعلة في قوامه الجنسي.

خامسا": الامية الجنسية: فالشخص السادي لا يكون متمتعا بالاستنارة الجنسية. فهو شخص خطير جنسيا، اذ انه لم يجد من يوجه دفة نشاطه الجنسي الوجهة الحضارية السليمة. واغلب الساديين قد نشأوا في اسر محافظة ومنغلقة على نفسها. فالاسرة التي تربى فيها السادي، تعتقد ان التربية الانغلاقية، التي تبعد اولادها عن معاشرة جميع الاولاد الاخرين ذكورا كانوا او اناثا، ولكن الحيلولة دون اقامة علاقات اجتماعية بين الاولاد وبين اترابهم وجيرانهم، وحرمانهم منها، ولا يعني انهم سوف ينشئون تنشئة صالحة. صحيح انهم قد يتلبسون بالقشور الاخلاقية الشكلية، التي تريد الاسرة تشربهم بها، ولكنهم لا يتفهمون الحياة، ولا يتسنى لهم احراز القدرة على تبادل المشاعر والافكار مع بنات حواء، كما لا يتسنى لهم التعاون معهن في اداء اي عمل مشترك. وبذا فان شخصياتهم تكون بمثابة تربة صالحة للسادية، وذلك لان اسرهم تكون قد بغضتهم في الجنس اللطيف، حتى لا يتورطون في اقامة علاقات جنسية معهن. فتكون النتيجة هي الكراهية لهن من جهة، وعشقهن من بعيد من جهة اخرى. وتكون ثمرة هذا الموقف المتناقض بين الكراهية والحب، هي تلك السادية التي تعتمل وتترعرع في قلوبهم اكثر فأكثر، حتى تتفجر في هيئة سلوك جنسي عدواني، يتمثل في هتك الاعراض او الاغتصاب.

الديناميات النفسية المعتملة في قوام الشخص السادي، فنجد انها تتمثل في دينامية القوة، وهذه الدينامية النفسية، هي في الواقع عكس دينامية الضعف التي تعتمل ايضا في قوام الشخص السادي. وبتعبير اخر فان هناك ديناميتين متعارضتين ومتنافستين في شخصية السادي. فهو يحارب احساسه اللاشعوري بانه ضعيف جنسيا، بما يوهم به نفسه بانه متمتع بالقوة الجنسية. فعلماء النفس بمدارستهم لشخصيات المعتدين جنسيا بهتك العرض او بالاغتصاب، قد وجدوا انهم ليسوا اقوياء جنسيا، بل ان الواحد منهم سريع القذف، كما انه يعجز عن احراز اعجاب الجنس الناعم، بل ويكون شخصية منفرة، وغير جذاب جنسيا، وغير لبق في التعامل مع النساء، ولا يستطيع ان يستقر على حالة حب واحدة، بل يكون متنقلا من واحدة الى اخرى، ولا يكاد يرتبط باي انسانة برباط متين، او ان يشترك معها في حديث او مناقشة، بل انه في الغالب يكون مبديا الاحتقار للنساء جميعا، بل انه قد يتظاهر امام معارفه، بانه لا ينجذب الى اي منهن، ولا يهفو الى الزواج في المستقبل باي حال من الاحوال، ويكرس حياته لزوجة طوال العمر.

ودينامية الخجل وعدم الثقة بالنفس والشخص السادي يجمع بين التهور والجبن، ثم انه يجمع فيما بين الاندفاع والقسوة في هجومه الجنسي وبين الخجل الشديد. فهو في مواقفه الاجتماعية تجده يتصبب عرقا اذا كلمته سيدة، او اذا وجهت اليه سؤالا او استفسارا. انه كاللص الذي ينهب الاموال البشرية، ولكنه في الوقت نفسه يكون مرتعدا وخائفا من الوقوع في قبضة الشرطة والقانون. فالسادي شخص جبان وعديم الثقة في نفسه، ولا يقترف جرائمه الجنسية الا في غفلة من المحيطين به، بل انه عندما يقدم على هتك العرض او الاغتصاب، فانه لا يكاد ينظر في عيني من يهتك عرضها او يغتصبها، بل يتركز كل همة في جسدها، بل وفي جزء معين من جسدها، وهو ما يسميه علماء النفس بالفتيش (Fetish)، اي ان ما يثيره جنسيا، لا يكون الشخص ككل، بل يثيره جزء معين من جسمه فحسب.

وبالحقيقة ان دينامية التنقل فان الشخص السادي دائم التنقل من فريسة جنسية الى فريسة جنسية اخرى. وكل فريسة من فرائسه الجنسية تشكل في نظره لحظة استمتاع سرعان ما تنقضي، فيأخذ في البحث عن فريسة اخرى جديدة. ولذا فانه لا يصلح للزواج، وحتى اذا اضطرته الظروف او الحت عليه اسرته بان يتزوج، فانه ينفر من زوجته بعد اتصاله بها في ليلة الدخلة، بل انه حتى في تلك الليلة، قد يهجرها بعد ان يقضي وطره منها، ويأخذ في البحث عن فريسة جنسية اخرى، لان من سمات الشخص السادي التنقل المستمر من وجبة جنسية الى وجبة جنسية اخرى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/آيار/2012 - 27/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م