بطلٌ وسفَّاح

توفيق أبو شومر

لماذا لم يكترث الإعلام العربي بظاهرة (شخصية العالم) لعام 2012 جوزيف كوني؟

ولماذا لا يشارك غالبية العرب في جهود العالم الدولية، على الرغم من قدراتهم وإمكاناتهم وثرواتهم؟

ولماذا لا يرى العربُ في مراياهم سوى العرب فقط؟

 فهم يؤسسون إعلامهم مكياجا لوجوههم، ومرايا لقاماتهم، فهم يعتبرون الإعلام الموجه للآخرين فرضَ كفاية ؟

عشرات علامات الاستفهام والأسئلة التي اعتدنا أن نطرحها على أنفسنا وعلى غيرنا، بدون أن يكون لهذه الأسئلة تأثيرات في هذا العالم الافتراضي (العربي)!!

إن قضية السفاح الأوغندي جوزيف كوني، صارتْ قضية عالمية، لا لحجم الجرائم التي اقترفها هذا السفاح في أوغندا فقط، ولكن لأن جيش هذا السفاح هم من الأطفال الأبرياء الحالمين، ومن بذرة الجيل الجديد، جيل المستقبل الواعد أيضا.

كما أن جيش الأطفال الذي يقوده السفاح كوني، تعرَّض لعمليات غسل أدمغة، فتحول الأبناء إلى أعداء لآبائهم، وقتلة أشرارٍ لعائلاتهم، وأصبح هذا السفاح يقود جيشا مكونا من أكثر من ستين ألف طفل أوغندي، تمكَّن من تنويمهم تنويما مِغناطيسيا، وحوَّلهم من زنابقَ وورودٍ، إلى قنابل وبارودٍ!

فنزع براءة الأطفال، واغتصب الفتيات الصغيرات، وصار جيشه الجديد يقتل ويطارد أبناء وطنه فشرد أكثر من مليوني مواطن أوغندي، وقتل مئات الآلاف، ووسع دائرة الإجرام لتطال جنوب السودان والكونغو وحتى قوات حفظ السلام.

 السفاح كوني كما يزعم يريد أن يعيد مملكة داود المسيحانية ويطبق – كما يزعم- الوصايا العشرة الواردة في التوراة، وتمكن من إسدال الستار على مراميه السياسية الهادفة للاستيلاء على حكم أوغندا!

نعم تمكن أحد أبطال الإعلام الإلكتروني الحديث، وهو مخرج الأفلام ( جيسون راسل) من كاليفورنيا من إنتاج فيلم حول هذا السفاح، وعرضه في الصفحات الإلكترونية (يوتيوب) وتمكن هذا الفيلم من استقطاب أكثر من سبعة وثلاثين مليون مشاهد، ليصبح وجه السفاح هو أشهر الوجوه البغيضة في عام 2012 وهذا الفيلم أثبتَ للعالم القدرة الفائقة لهذا النمط الإعلامي الجديد في تجنيد الرأي العام العالمي بسرعة وبسهولة ويسر!

وتمكنت أمريكا وبعض الدول الأوروبية الأخرى من إيفاد قوات خاصة لمطاردة هذا السفاح، بعد أن أصبحت مطاردته جهدا عالميا، وللأسف فإن هذا الجهد مُغيَّب عربيا!

وأشارت بعضُ الأقلام العربية القليلة إلى قصة هذا السفاح، ولم تقم بتحريض العالم العربي الغافي عن مآسي الأطفال، وهي القضية الخطيرة، بل قامت برصد الظلال السياسية لهذه الظاهرة، فعلَّلتْ انتشار القوات الأمريكية والدولية التي تطارد السفاح، واعتبرتها نواة لجيش احتلال جديد، تطمع في ثروات أوغندا وإفريقيا كلها، وفق نظرية المؤامرة، وهي أشهى النظريات في العالم العربي، وأوسعها انتشارا !

قد يرجع سبب إحجام العرب عن المشاركة ونشر جرائم هذا السفاح إلى أن هناك فئةً من العرب أيضا تمارس جريمة استغلال الأطفال على نمط السفاح كوني ولكن بطرقٍ أخرى، فما تزال أحزابٌ عربية تعتمد سياسة تنويم الأطفال تنويما عقليا وفكريا، وتأطيرهم حزبيا وسياسيا، قبل أن يصلوا السن القانوني، أي سن التكليف!

ولا يزال هناك أيضا من أبناء جلدتنا من يستغل غضاضة الطفولة، وحالات الفقر والعوز فيحولون الأطفال إلى جيش حزبي، يجمع المعلومات عن الخصوم، ويؤدي دور (الكومبارس) الحزبي بثمنٍ بخسٍ من النقود أو الغذاء!!

كما أن كثيرا من حكومات العرب ما تزال تعتبر ثرواتها من الأطفال مخزوناتٍ زائدة عن حاجتها، فأطفال الشوارع المنتشرون في كثيرٍ من عواصم العرب، ليسوا سوى نواة لتأسيس عصابات الإجرام والإدمان!

كما أن دولا عربية كثيرة ما تزالُ تفتح أبواب العمل أمام الأطفال الأبرياء، بلا جزاءٍ أو عقاب لمن يشغلونهم، ويستغلون براءة طفولتهم، ويغتالون منهم مستقبلهم، ويحولونهم في النهاية إلى عالاتٍ اجتماعية، وحالاتٍ مرضية!!

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/آيار/2012 - 16/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م