لغة الخسائر الجديدة

(البوري) و(العكال) و(القبوط)

عبد الكريم ابراهيم

الحركة الاجتماعية في تطور مستمر لايتوقف بفعل العوامل الخارجية المؤثرة، واللهجة الشعبية ومصطلحاتها هي من اهم مظاهر هذه الاستمرارية، حيث كل يوم تختفي مفردات وتظهر اخرى تابعا لظروف المكان ومناخه العام والخاص، ومصطلحات الوقوع في المحظور اكثرها تأثيرا على الانسان دون غيرها ؛ لانها تحمل في طياتها هول المصيبة بقالب ساخر، لذا شاعت اليوم (البوري) و(القبوط) و(الكللك) التي خرجت من استعمالها الحقيقي الى المجازي لتعبر عن حجم الخسارة التي وقع بها هذا او ذاك الشخص.

لغة سوق العمل هي مفعمة بالرموز والعبارات يعرفها اهل ذلك المجال من النشاط الاقتصادي كما يقول الدكتور محمود عبدالرزاق علوم تربوية ونفسية في الجامعة المستنصرية: اللغة سواء كانت فصيحة او عامية جاءت نتيجة حاجات معينة الهمت الفرد في استخدامها ودلالة عليها، ربما تكون اللغة الفصيحة اكثر استقرارا من اختها الدراجة، لان الاخيرة لها قابلية التغيير وعدم الالتزام بقواعد نحوية معينة، لذا في وكل حقبة زمنية تظهر مفردات وتختفى اخرى.

 ويضيف دكتور عبد الرزاق: اللغة تحكمها البيئة والوسط الذي تنشأ وتتداول فيه، وفي كل مهنة تنتشر مفردات خاص بها، اما مصطلحات (بوري ن عكال، قبوط، كللك) فقد خرجت من معانيها الاصلية الى معنى مجازي جديد يحمل في طياته السخرية الطريفة، ورما تكون نوعا من تخفيف هول المصيبة على صاحبها، او قد تكون جفرة تخص افراد معينين من اجل خداع الناس.

عادت بعض المفردات بعد احتفاء مدة زمنية ولعل للظروف السياسية وراء هذه العودة كما يقول الباحث الاجتماعي وديع سلوان: نسمع ونقرأ في الاخبار اليوم (دولة، معالي، فخامة)، هذه المفردات كانت سائدة في العهد الملكي ثم اختفت بعد ذلك وعادت بعد الان، في حين انتفت مفردات (جلالة، سمو، باشا). ويضيف سلوان: ان هذا التغيير لايشمل فقط المصطلحات السياسية، بل حتى الاجتماعية، فاليوم لايستخدم العراقيون مثلا (رأس العكد، تنكة، لانردري) وعوضت بدل عنها الى رأس الشارع والثلاجة والمجمدة ومكوى البخاري، اما بخصوص مفردات السخرية فقد كانت مصطلحات (سبندي، مقرباز، شلولو، كلاوجي) وغيرها.

سوق البيع والشراء عامرة بالكثير من المفردات ولها القدرة على ابداع الجديد منها كما يقول محمد وهيب صاحب معرض للسيارات في منطقة النهضة: اكثر المصطلحات شيوعا في عالم السيارات هي مفردة (الكللك) وتعني عدم وجود وثائق رسمية للسيارة، فضلا عن (شد ابو النظيف) و(شد الراية) للدلالة على ان السيارة ذات اوراق اصولية وليس فيها عيب يذكر.

(القفاص) ذلك الشخص الذي يستخدم كل انواع الحيل من اجل الايقاع بالآخرين لتأمين لقمة العيش، باحث التراث الشعبي موحان اللامي يرجع هذه المفردة الى اصولها: شاع مفهوم (القفاصة) بعد تسعينيات القرن الماضي ؛لاسباب اقتصادية وفرض الحصار على العراق في ذلك الوقت، دفعت البعض لكسب عيشهم عبر عش الناس والايقاع بهم من خلال عرض سلع ليس ذات قيمة وايهام الاخرين بانها اصلية، كما في بيع اطارات السيارات والبضائع المنزلية والملابس. ويضيف اللامي ان هذه الظاهرة ذات جذور تاريخية تعود الى اواخر العصر العباسي: شاع في نهاية العهد العباسي، مفهوم ادب الكدية كما في مقامات الحريري والهمذاني، كما ظهرت طبقة اجتماعية تعرف ب(الشطار والعيارين)، وعادة تكثر هذه الظواهر في ظل غياب سلطة القانون وضعف الدولة، (ابو زيد السروجي) اول قفاص في التاريخ، وربما سبقه احدهم ولكن التاريخ حفظ لنا اسم هذه الشخصية وكيفية احتيالها على الناس بطرق عديدة.

قد يكون (البوري) اهون من غيره وفق قاعدة بعض الشر اهون من بعض كما تقول سعاد حسن من اهالي بغداد الجديدة: اشترى زوجي سيارة بمبلغ عشرة ملايين دينار من شخص كان يعرفه في السابق، ولم يقم باجراء التحويل الاصولية، مثلا البحث عن صاحبها الاصلي والمنفيست وغيرها، لكن اعتمد على الثقة، عندما حاول بيع السيارة، تفاجأ بان صاحب السيارة قد سافر الى الخارج بصورة نهائية قبل اكثر من ست سنوات ؛لان السيارة كانت مسجلة باسم اخ هذا الرجل، وهذا الامر يسمى (بوري) وهو اخف من لوكان (شليمانه)!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آيار/2012 - 10/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م