الجامعة ليست حانوتا لبيع المعرفة

علي اسماعيل حمة الجاف

يعتقد الكثيرون بان الجامعة هي المكان التي من خلالها يمكننا كطلبة وباحثين ان نحصل على ما نريد من معرفة تطبيقية فعالة ومثمرة التي من شانها جعل الانسان، كطالب او باحث، يتمكن من تقوية وتمكين قدراته وخبراته الذاتية: العقلية والفكرية.

هذا المفهوم الخاطئ لدى الكثيرين من عامة الناس وهو يتصورون ان الجامعة ستعطيهم وتدرسهم مواضيع ومناهج علمية رصينة ومحكمة بحيث يواجهون الحياة بها، الحياة العملية، لكي يستمكنوا من العيش بسلام وآمان في ظل بلد تشوبه أوضاع استثنائية وغريبة لا يمكن لنا وصفها بمفردات او عبارات فلسفية لان الواقع يتطلب الاحسان مما يولد ضرورة حتمية للمساعدة!

ونلاحظ ان الكثيرين ممن اكمل المراحل الاعدادية، بصعوبة او بسهولة، لا يمتلك مقومات الطالب الناضج الذي يستطيع مجابهة الحركة العلمية السريعة، ومواصلة اغناء عقله بالمفردات الحديثة التي من حيث المضمون العملي صعبة وغير واضحة المعالم فبالتالي نجده مشتت الفكر والهدف الغاية.

 بالتأكيد، نلتقي بزملاء لنا واساتذة لا يعرف الفرق الحقيقي بين مصطلح "الهدف" ومصطلح "الغاية". فالهدف هو رسم خطة او برنامج ما ضمن سقف زمني محدد؛ بينما الغاية تعني رسم خطة او برنامج ما دون ان يكون هنالك زمنا محددا لها. ففي هذه الحالة يدخل الطالب او الباحث وهو لا يعرف معنى المفردات المنهجية (المقررات العلمية) لهذا الفصل او المرحلة او الكورس،... فيدخل في دوامة المحاضرات العلمية، التي هي في الغالب نظرية سردية، تقدم له من قبل الاستاذ او المحاضر وقد مضى عليها مئات السنين وربما مات مؤلفها قبل عشرون عاما!

لا يدرك الطالب ان الجامعة هي مكانا يدرس فيه الاساسيات، كما اطلق عليها عالم طرائق التدريس الانجليزي "السطوح" التي هي في الغالب سطوح شكلية لا مضمونية فيها غايات ولاتحتوي على اهداف يفهما المتلقي الذي يجلي ساعات على مقعده دون ان يفهم لماذا يدرس الطالب المادة او المقرر او المفردة كونه في عالم اسمه "عدم النضوج الفكري والعقلي" او لا يوجد لديه الاستعداد البدني والذهني لان يكون عنصرا كفوء" يعتمد عليه البلد في مجالات تطبيقية وعملية.

 والواقع ان ذلك الطالب لا يمكننا توجيه العتب او اللوم عليه كونه دخل في مشروع غير واضح المعالم والاوجه والجوانب. فنرى الطالب "س" دخل في الجامعة "س" دون ان يعرف ان هدفه الشخصي واستعداده الفكري لا يتوافق مع المناهج والمقررات الفكرية لان مستواه العلمي ضحل، وقد اجبره على اكمال كلية التربية / قسم اللغة الانجليزية فيكون في بئر عميق لا مفر منه... فيواصل دراسته ويبقى ثلاثة سنوات في المرحلة، وبالتالي يصبح مدرسا كفء على الطلبة الضعفاء من امثاله ونتائجه دون المستوى المطلبوب لغياب الرقيب " التفتيش الروتيني والشكلي، في مراحل الاعداد والتاهيل والتمكين فنراه قد اكمل بحث تخرجه من الانترنيت، وطبق في مدرسة نائية لايزورها مشرف علمي ومشرف عملي ولا حتى يكلف باعداد دفتر خطة...

 ونسمع بين حين واخر ان كلية "س" خرجت مئات الالاف من حملة البكلوريوس في اللغة الانجليزية دون اختبارهم عند قبولهم! وتكون النتيجة تدني مستوى الاساتذة في هذا الجانب العملي وبلاشك ان الطالب هو الضحية!

ونرى ان طالبا اخر قد اكمل كلية الطب وهو لا يجيد كتابة البحث العلمي كونه لا يوجد ضمن المفردات او المقررات المنهجية في مراحل الدراسة التي تخوضها ذلك الطالب. وكذا الحال للمهندس الذي لا يستطيع ان يكتب جملة واحدة صحيحة في اللغة الانجليزية والسبب في ذلك عدم وجود مناهج تدرس في الجامعة، وهذا عذر روتيني شكلي نسمعه بين الحين والاخر... فهنالك قضايا عديدة وما عرض مجرد امثلة عامة هدفها بيان المضمون وليس الشكل. يجب ان تكون هنالك وقفة جدية وواضحة من قبل الجهات ذات العلاقة في جعل الكليات والجامعات مكانا رصينا يتزود منه الطالب والباحث المضامين التطبيقية والعملية وليس الاكتفاء بيع اشياء سطحية وترك جيوش من الحاصلين على الشهادات الاولية بدون معرفة وعلم ومهارة وخبرة، وارى ضرورة اعادة النظر في الحاصلين على الشهادات الاولية من خلال استحداث دائرة قياس الكفاءة والخبرة في كل وزارة ودائرة لمعرفة المدخلات التي تم اعطائها من قبل كلياتنا وجامعاتنا ومقارنتها في المخرجات اي المحصلات النهائية وقياس كفاءة الاداء والجودة.

وبخلافه سيكون الموضوع روتينيا وعشوائيا، ويبدأ الطالب والباحث بحساب ايامه حتى يأتي موعد التخرج الذي يليه التعين في ادى المؤسسات الحكومية او غير الحكومية التي بدورها تسعى الى تمكينه وتطويره في مجالات بدائية كاللغة والحاسوب والادارة العامة،...الخ وهي اساسيات وسطوح تعليم الصبي او الطفل في الحضانة والروضة في الدول المتقدمة. ولاندري هل اننا في وقت يسمح لنا ان نتبع سياسة تقييم الكبار وقياس مدى كفائتهم كونهم الان يشغلون مناصب ومواقع حساسة في الجوانب التعليمية والتربوية، ويترك الشاب ضمن جيش العاطلين عن العمل رغم حصوله على شهادة جامعية اولية شكلية.

وللاسف الشديد اننا نبحث على العنوان وليس المضمون فنسأل "س" عن شهادته فيقول خريج جامعة "س" كلية "الطب" فنذهل بهذا العنوان العريض الطويل في حين اننا لا نسعى الى استحداث إعداديات تخصصية في مجال القانون، الهندسة، الطب، التربية...الخ بحيث يكون خيار الطالب من المرحلة المتوسطة وليس من المرحلة الاعدادية التي باتت حلا يائسا الى تمكين وتطوير الموارد البشرية!

ونادرا ما نرى مكتبة عامة في محافظة ما يتوفر فيها مصادر لطلبتنا بحيث يتم تشجيعهم في اوقات الفراغ الى القراءة والمطالعة واغناء العقل والفكر بأحداث المعلومات العلمية التي توصل اليها العالم والباحثين. ففي المؤتمرات التي تقام، وانا باحث مشارك في عدة مؤتمرات ولدي بحوث منشورة وكتب مؤلفة، يكون المشارك هدفه في الغالب الترقية للحصول على مرتبة اعلى دون ان يكون هنالك تفكيرا في بناء الوطن والبلد وتقديم شيئا جديدا يستفاد منه الاخرون كمؤسسات او موارد بشرية او دوائر او وزارت، وحتى التوصيات التي تخرج منها تلك المؤتمرات هي شكلية وغير منطقية اي وصفية وسردية لاتتناسب مع الواقع العراقي وتطلع الانسان الذي بات همه اليومي كسب المال على حساب المعرفة والعلم! فنرى في الهند، وهي دولة فقيرة جدا، يبدأ الطبيب بدراسة التخصص الدقيق وعدم الاكتفاء بالتخصص العام الذي بات شيئا شكليا لديهم.

وفي كل عام يذهب المئات من شبابنا الى بلدان العالم لجلب المعرفة والعلم، في حين ان هنالك طاقات لم تستغل كونها محلية كما يقال عنها. فنرى ضرورة تفعيل الدراسات العلمية وجعل مسالة اكمال الدراسات العليا شيئا ملزما على الكليات، ذات المنزلة الرفيعة، بتوفير الكوادر داخل البلد. فنرى طالب اسمه "س" يتخرج من كلية القانون وهو عربي ولا يجيد استخدام قواعد اللغة العربية نطقا ولفظا وكاتبة" فيجب ان يكون هنالك منهجا في كل مرحلة من مراحل كلية القانون...

اخيرا، نرى ضرورة تطوير وتمكين الموارد البشرية والسعي الى تنفيذ المفاهيم العلمية في الجوانب الاساسية التي بدونه لا يمكن ان نحصل على تنمية بشرية مستدامة فالعالم اليوم يسعى الى تطبيق نظرية "There is no failure, but there is success" وتعني لا يوجد فشل وانما نجاح، وهذا يحتاج الى وقفة جدية واكيدة من ذوي العلاقة لتكون الجامعات مكانا يكتسب في الطالب او الباحث معرفة ومهارة وخبرة وليس موادا وسلعا استهلاكية تنتهي بانتهاء المقرر الدراسي وتصبح في مهب الريح كون الاسلوب والطريقة سردية وصفية وغير تطبيقية.

المقومات الاساسية الثلاثة هي: معرفة مستدامة، تعليم متواصل، وخبرة فعلية، فستكون النتيجة النهائية تنمية بشرية مستمرة. وارى ضرورة ان يفهم الجميع ان المعرفة هي: "Knowledge is longlife study" ولكم منا جزيل الشكر والاحترام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/آيار/2012 - 10/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م