المعلم وتغير منظومة القيم الاجتماعية

بين الامس واليوم

عبد الكريم ابراهيم

لم تحظ طبقة اجتماعية خلال عمر الحضارة الانسانية من الرعاية والاهتمام المعنوي مثلما حظيت به الهيئات التعلمية، فقد عاشت فترات ازدهار ذهبية نتيجة دعم بعض الجهات الحاكمة لها والعمل على تحسين مستواها على مختلف الصعد.

بعد هذه المرحلة التي تعد عصرا ذهبيا بكل المقاييس جاءت مرحلة النكوص والردة بكل اشكالها ولعل انهيار منظومة القيم الاجتماعية الساندة لها من اهم الاسباب في زيادة حدة التدهور هذا الدي بلغ اوج شدته في زمن النظام السابق حينما عاش المعلم والمدرس ضنك العيش ما حدا به الى امتهان حرف اثرت في نظرة الآخرين له ولاسيما التلاميذ والطلبة الذين وجدوا في مثل هذه الاوضاع فرصة مناسبة لكسر حاجز الاحترام والخوف الابوي الذي كان يؤطر العلاقة ما بين طرفي المعادلة التعليمية ليتحول الوضع الى للامبالاة وعدم الاحترام وفي الكثير من الاحيان الانتقاص من شخص – يحترق لينير طريق الآخرين.

انهيار منظومة القيم الاجتماعية وبالخصوص في المدينة مع المحافظ عليها بدرجات متفاوتة في الريف، اوجد طبقة رافضة لمبدأ السلطة التربوية التي تمثلها المدرسة وتحاول متى وجدت سبيلا لذلك القفز على الاعراف والتقاليد الاجتماعية وتسير المجتمع وفق نظام قيمي جديد وشاذ، أساسه السلطة المادية لاسيما بعد ان عاشت بعض الطبقات الاجتماعية المتعلمة في بحبوبة من العيش فضلا عن الصعود السريع وغير المتوازن للبعض اوجد خللا لدى بعض العقول في تقبل هذا الصعود السريع، لان الجرعات المعطاة لهذه الطبقات كانت تفوق حجم استيعابها لم تستطع معها تقبل الوضع بهذه الكيفية، لذا عمدت الى ايجاد قوانين خاص بها توفر لها حق التمتع بما حصلت عليه من امتيازات مادية واجتماعية ومعنوية، ماحدا بها الى التمرد على منظومة القيم الاجتماعية القديمة لأنها - حسب رأي هذه الطبقة – من الماضي المرير الذي يجب ان تطوى صفحاته الى الابد، ولعل هذا الشعور الغرائزي ناجم عن عقدة النقص التي يشعر بها البعض، وربما يدخل عامل الانتقام والحسد الاجتماعي من الوضع السابق الذي كانت تتمتع الهيئات التدريسية بقداسة وهالة اجتماعية مرموقة وربما تكون عقدة الأمية التي تعاني منها بعض الطبقات الاجتماعية ساهمت في تعزيز هذا التوجه.

ان منظومة القيم الاجتماعية الداعمة والناقمة على سلك التعليم تنطلق من رواسب قديمة – جديدة جعلت كل جهة تقف في وضع معين، تطرح فيه وجهة نظرها سلبا او ايجابا ولكن كيف تكسب المعركة الاجتماعية لفئة معينة؟

ربما تحتاج الآراء السلبية السائدة الآن الى سنوات طويلة كي تمحو من الذاكرة والعمل الدؤوب على قلب الصورة الى وضعها الطبيعي واعادة التوازن المفقود بين الطبقات الاجتماعية، فضلا على تغيير الصورة النمطية عن المعلم والمدرس سواء كانت صورة الملاك السماوي الذي نزل من السماء او صورة المتسول الذي يفتش جيوب طلبته بحثا عن حفنة من الدنانير.

التغيير يحتاج الى زراعة منظومة جديدة اساسها القانون الذي على الجميع احترامه مع السعي على رفع المستوى المادي والمعنوي للهيئات التعليمية وردم الهوة ما بين الطبقات الاجتماعية فضلا عن العمل لتوظيف المنابر الدينية والوسائل الاعلامية في سبيل تحقيق هذه الغاية، والاهم من كل هذا ان تقف الاسرة – العشيرة العراقية على قبول الصورة الجديدة بدون مبالغة او نقصان لأن المبالغة قد تربك المقابل وتدخله في متاهات التطرف لأي جهة معينة.

للمناهج الدراسية هي الاخرى دور بصفتها اداة من ادوات التغيير الايجابي في حال وضعت لتعزيز مفهوم المواطنة واحترام القانون ما ينعكس على المدرسة التي تجد نفسها امام هذا الوضع ملزمة بضرورة ضخ مفاهيم القانون والدولة والاحترام المتبادل في نفوس الطلبة والتلاميذ.



 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23/نيسان/2012 - 1/جمادى الآخر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م