الازمة الاقتصادية في أوروبا... مجتمعات يائسة وحكومات عاجزة

عبد الامير رويح

 

شبكة النبأ: لاتزال الازمة الاقتصادية التي تعاني منها العديد من دول العديد من دول العالم مصدر قلق مهم للكثير من الحكومات خصوصا بعد ان تعددت اشكال الضغط التي تنوعت مع تنوع اجراءات تلك الحكومات.

تلك الضغوط اتسمت في الفترة الاخيرة بطابع العنف وايذاء النفس كتعبير للرفض، ويرى بعض المتخصصين ان اقدام على مثل هكذا اعمال هو دليل واضح على حجم المعاناة التي خلفتها تلك الازمة الخانقة واسهمت بتنامي حالة اليأس.

فقد قتل متقاعد يوناني يعاني ضائقة مالية نفسه رميا بالرصاص خارج مبنى البرلمان في أثينا قائلا انه يرفض البحث عن الطعام في القمامة ليمس وترا حساسا لدى عامة اليونانيين الذين يشعرون بوطأة الازمة الاقتصادية في البلاد. وسرعان ما اثار انتحار الصيدلي المتقاعد البالغ من العمر 77 عاما مشاعر تعاطف فياضة في بلد فيه عاطل عن العمل بين كل خمسة اشخاص واثار ايضا شعورا بالإذلال الوطني في ظل جولات متتالية من خفض الرواتب ومعاشات التقاعد. وبعد ساعات فقط من وفاة الرجل اقيم ضريح تحيط به الشموع والزهور ورسائل مكتوبة بخط اليد تدين الازمة في ساحة سينتاجما بوسط أثينا حيث وقعت عملية الانتحار. وتجمع المارة لتأبين الميت.

وضعت رسالة على شجرة تقول "كفى" بينما تساءلت رسالة اخرى "من الضحية التالية؟" وسار بضع مئات من المحتجين الساخطين الذين نظموا احتجاجات واسعة في عام 2011 ضد تدابير التقشف التي فرضها المقرضون الاجانب في مقابل الحصول على قروض انقاذ الى ساحة سينتاجما. و تجمع الحشد حول موقع الانتحار وزاد العدد الى بضعة الاف وهتف البعض "لم يكن هذا انتحارا - كان قتلا ارتكبته الدولة."

وكانت هناك لحظات توتر قصيرة بالقرب من مبنى البرلمان عندما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على مجموعة من نحو 12 محتجا كانوا يقذفون قنابل حارقة صوبهم. والقيت حجارة أيضا على أحد الفنادق الفخمة في الساحة.

واثارت حالات الانتحار احتجاجا شعبيا في الماضي. وأثار بائع خضر تونسي بداية ما يسمى باحتجاجات "الربيع العربي" عندما اشعل النار في نفسه في ديسمبر كانون الاول عام 2010. وفي أثينا قال شهود ان الرجل ظهر في الساحة المزدحمة خلال ساعة الذروة الصباحية ووجه مسدسا الى رأسه وضغط على الزناد بعدما صاح "علي ديون لا أستطيع أن أتحمل هذا بعد الان." وقال احد المارة للتلفزيون اليوناني ان الرجل قال "أنا لا أريد أن أترك ديوني لأولادي." وقالت الشرطة ان رسالة انتحار وجدت في جيبه القت باللوم على السياسيين والمتاعب المالية التي دفعته للانتحار.

وقالت الرسالة ان الحكومة "سحقت أي أمل في البقاء على قيد الحياة ولا يمكنني الحصول على أي عدالة. لا أستطيع أن أجد أي شكل اخر من أشكال الكفاح ماعدا نهاية كريمة قبل أن ابدأ البحث عن الطعام من القمامة." وسرعان ما اخذت المأساة بعدا سياسيا اذ القت الاحزاب الصغيرة المناهضة للإنقاذ والتي تستعد للانتخابات باللوم على الاحزاب الاكبر وعلى تدابير التقشف التي يحددها الشركاء الاوروبيون وصندوق النقد الدولي.

وقال زعيم اليمين المتطرف جورج كاراتزافريس للبرلمان "عندما يبدأ الناس في الانتحار في ساحة سينتاجما فهذه هي القشة الاخيرة التي قصمت ظهر التماسك الاجتماعي." وقال زعيم المعارضة اليوناني المحافظ انطونيس ساماراس الذي يتصدر حزبه الديمقراطية الجديدة استطلاعات الرأي انه "دُمر" بينما قال الزعيم الاشتراكي ايفانجيلوس فينيزيلوس ان الحدث كان "مروعا بحيث يجعل أي تعليق غير لائق سياسيا ورخيصا."

ودعا رئيس الوزراء اليوناني لوكاس باباديموس اليونانيين الى مساعدة المواطنين الذين يعانون المحنة. وتعصف باليونان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية وفرضت تدابير التقشف لإخراج البلاد من فوضى مالية تدفعها للركود للسنة الخامسة. واظهرت أحدث البيانات أن نسبة الانتحار قفزت 18 بالمئة في عام 2010 مقارنة بالعام السابق حيث دفع ارتفاع معدلات البطالة وزيادة الضرائب وتقليص الاجور اليونانيين الى اليأس. وفي العام الماضي قفز عدد حالات الانتحار في أثينا وحدها ما يزيد على 25 بالمئة عن العام الماضي.

في السياق ذاته قالت الشرطة إن امرأة ايطالية عمرها 78 عاما لقيت مصرعها عندما قفزت من شرفة الطابق الرابع بعد خفض معاشها. وقال أولادها للشرطة المحلية في جيلا بجنوب صقلية ان السلطات خفضت في الآونة الاخيرة معاشها الشهري الى 600 يورو من 800 يورو واستبد بها القلق بشأن عدم القدرة على تغطية نفقاتها. وترد تقارير بانتظام عن محاولات انتحار مرتبطة بالمشاكل الاقتصادية في ايطاليا التي تعاني ركودا اقتصاديا وارتفاعا في معدلات البطالة وتدابير تقشفية صارمة على نحو متزايد.

وفي وقت سابق أضرم رجلان يواجهان متاعب مالية النار في نفسهما في شمال ايطاليا في حادثين منفصلين. ونجا الاثنان لكن احدهما اصيب بحروق شديدة. وذكرت الصحف أن صانع اطارات صور شنق نفسه على مشارف روما بسبب ما قال في رسالة انتحار انها "مشاكل اقتصادية طاحنة." وتسعى الحكومة لانعاش النمو الاقتصادي في حين تواصل أيضا الالتزام بخطة تقشف بعدما تجنبت بصعوبة أزمة على نمط أزمة الديون اليونانية في نهاية العام الماضي. من جهة اخرى انتحر رجل ايطالي باطلاق النار على نفسه بسبب افلاس شركته بعد موجة حوادث انتحار في ايطاليا لأسباب اقتصادية ألقى سياسي معارض بمسؤوليتها على اصلاحات رئيس الوزراء ماريو مونتي.

وقالت الشرطة ان الرجل (59 عاما) الذي يملك شركة للتشييد في روما ترك رسالة يعتذر فيها لعائلته ويوضح أن شركته انهارت. وانتقد السياسي المعارض انطونيو دي بيترو زعيم حزب ايطاليا القيم برنامج الحكومة للإصلاح في البرلمان وقال ان مونتي يتحمل المسؤولية عن انتحار الناس الذين لا يستطيعون تحمل الاعباء المالية. ورفض مونتي في مؤتمر صحفي الرد على تصريحات دي بيترو الذي كان من أشد منتقدي رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني. وتواجه ايطاليا ركودا اقتصاديا وبطالة مرتفعة واجراءات تقشف قاسية. وتحاول الحكومة تنشيط النمو مع الالتزام بخطة لخفض الانفاق وزيادة الضرائب واصلاح معاشات التقاعد والتي اقرت العام الماضي لتفادي أزمة على غرار أزمة الديون اليونانية.

اضراب من نوع اخر

من جهة اخرى بدأت فتيات الليل في مدريد إضرابًا مفتوحًا ضد كبار موظفي البنوك مطالبين المصارف بقديم تسهيلات مالية وفتح مجال القروض أمام العائلات والشركات المتعثرة في إسبانيا. وقالت فتيات المرافقة اللواتي يقدمن خدماتهن للأثرياء فقط: إنهن "لن يرفعن إضرابهن حتى يحقق موظفو البنوك مسؤوليتهم تجاه مجتمعهم". وعادة ما تتقاضى فتيات المرافقة نحو 300 يورو في الساعة، وهو ما يساعدهن على تحديد هوية زبائنهن، رغم أنهن كشفن أن موظفي البنوك يحاولون التحايل عليهن عبر الادّعاء بأنهم مهندسون.

وقالت إحدى الفتيات لصحيفة "دايلي ميل" إنه من الصعب خادعنا لأن المهندسين لا يستطيعون دفع أجرتهن؛ كونها عالية جدا وموجهة لفئة محددة من المجتمع الإسباني. وقالت فتاة تدعى آنا إن الإضراب بدأ قبل ايام قليلة ، مشيرة إلى ثقتها بأن الموظفين "لن يتمكنوا من الصمود أكثر من ذلك". ويأتي الإضراب بعدما حاولت إحدى الفتيات -وتدعى لوشيا- الضغط على زبون لها يعمل في إحدى المصارف بتقديم قرض لها وهددته بمقاطعته جنسيًّا. ومن المتوقع أن يلي إضرابَ العاهرات إضراب عام للاعتراض على معدلات البطالة العالية والتغييرات في قانون العمل التي تسهل للشركات تسريح العمال. وقال متحدث باسم أكبر وكالة رفاهية تقدم خدمات جنسية في مدريد: "نحن الوحيدون الذين نقدر على الضغط على قطاع المصارف".

بدل ايجار

الى جانب ذلك اقدمت السلطات اليونانية التي تعاني ازمة مالية خانقة الى عرض عناصر شرطتها للإيجار بسعر ثلاثين يورو في الساعة اما الدوريات السيارة فبعشرة يورو اضافية. وقالت وزارة حماية المواطن المكلفة الاجهزة الامنية في البلاد ان هذا الامر سيساعد في "تغطية كلفة استخدام عتاد الشرطة وبنيتها التحتية والسماح بتحديثهما". وقالت الوزارة ان خدمات الشرطة كهذه التي يتم اللجوء اليها "في حالات استثنائية" مثل مرافقة معدات خطرة او اعمال فنية "كانت تقدم مجانا" في السابق.

اما الان فدوريات الزوارق تكلف 200 يورو في الساعة والمروحيات 1500 يورو على ما ذكرت صحيفة "بروتو ثيما". واوضحت الوزارة انها ستقبل بعمليات الايجار هذه ان كانت لا تؤثر على قدرة القوى الامنية العملانية. ويزيد دين اليونان العام عن 350 مليار يورو.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 14/نيسان/2012 - 23/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م