دور التأريخ وتأثيره في ثقافة المجتمع

محمود الربيعي

الحوادث والجماعات والأفراد والزعامات

يعتبر التأريخ أحد أهم المؤثرات في ثقافات المجتمعات في العالم، فميراثه كان ولايزال مؤثراً بكل إيجابياته وسلبياته في حياتها لكننا لانُحمّل هذا التأريخ عبئ كل ذلك فالأمر متعلق بمن خطه وبمن سَطَّرَه، فالتأريخ كما نراه يتشكل بعناصره المتنازعة ولعل الصراع القائم بينها هو الذي أضفى على الحياة حركتها وترجم سِجلّها، وعلى هذا الأساس نشأت الحضارات والدول والمدن والمجتمعات التي تركت آثارها في أوقات مهمة من الزمن نشأت فيها أفكار ونظريات وأكتُشِفَت فيها الآلة وكان للدين والمعتقد أثر كبير في نماء أو تخلف الدول والشعوب والأنظمة.

تحديد هوية التأريخ

للتأريخ تأثيره في طبيعة المجتمع البشري كونه يغذي الإنسان بفيوض الماضي، وإننا إذ نهتم بالتأريخ كمؤثر فإننا نسعى الى أن يتحرك هذا التأريخ بالإتجاه الذي يخدم فيه المجتمع ويطور الإنسان ويحسن آلياته، لذلك ينبغي النظر الى التأريخ من خلال تطور المراحل التأريخية التي بدأت ببداية حياة الإنسان على الأرض وحقيقة بداية الخليقة وعبادة الآله الواحد، أو عن العقائد التي تتحدث عن نظرية تعدد الآلهة، ومن ناحية ثانية لابد لنا من النظر الى طبيعة تطور العلوم والإختراعات ومنها إختراع الآلة من جهة، والمعارف والإكتشافات المتعلقة ببداية عصر الكتابة ووضع القوانين من جهة أخرى وماترتب على ذلك من تطور فَتَحَ الباب على مختلف مناهج العلوم والآداب والفنون والهندسة والعمران التي هيئت عناصر التطور الثقافي العام للمجتمع في مختلف بقاع العالم.

المؤثرات التأريخية

ونرى في بحث المؤثرات التأريخية طريقاً لتقريب التصور في طبيعة فعل هذه المؤثرات وسنبين بعضها في كلامنا عن الموروثات التأريخية.

الموروثات التأريخية

وهو تعبير عن تراكم الخبرات المجتمعية والتشريعية، والإشعاعات والإبداعات العلمية والعمرانية والفنية في مختلف جوانبها، والتي وصلت إلينا عن طريق ما أرخه المؤرخون من خزائن الكتب النفيسة المودعة في مكتبات ومتاحف العالم والتي نقلت لنا صورة عن طبيعة الأنظمة وطبائع الملوك والحكام في مختلف مراحل التأريخ المتعاقبة، ونقلت لنا الحوادث والوقائع المهمة المتعلقة بالتاريخ الديني الذي يختص بِسِيَر الأنبياء والرسل وسِيَر خصومهم، وسِيَر العظماء من المفكرين والعباقرة والأدباء والرؤساء.

وعليه فإن الموروثات التأريخية هي:-

أولاً: - الخبرات المجتمعية والتشريعية والإشعاعات والإبداعات العلمية والعمرانية والفنية.

ثانياً: - الحوادث والوقائع المهمة.

ثالثاً: - التاريخ الديني الذي يختص بحياة وسِيَر الأنبياء والرسل وسِيَر خصومهم.

رابعاً: - سِيَر العظماء من المفكرين والعباقرة والأدباء والفنانين والرؤساء.

بعض مراحل التأريخ المهمة: يمكن تحديد حركة التأريخ وفق المراحل التالية:

أولاً: مرحلة الحضارات القديمة: ومنها حضارة سومر وبابل وأكد وآمور وآشور، وحضارة وادي السند وشبه القارة الهندية، والحضارة الإفريقية ومنها حضارة مصر القديمة، والحضارة اليمنية كحضارة سبأ، والفارسية كعيلام، والشام كالفينيقية والآرامية، والكنعانية في فلسطين، وحضارة الصين القديمة، والحضارة الاغريقية اليونانية والحضارة الرومانية، والحضارة الكورية، وبقية الحضارات القديمة والحديثة.

ملاحظة: أضفنا بعض المسميات المتعلقة بالحضارات من موسوعة الويكيبيديا.

ثانياً: مرحلة نشوء المجتمعات الدينية: كنشوء المجتمعات اليهودية والمسيحية والإسلامية والصابئية والمجوس والتحديات التي واجهت كل منها والحاجة الى التعايش فيما بين هذه المجتمعات.

ثالثاً: مراحل نشوء الصراعات الدينية والمذهبية بين معتنقي الأديان: والتي ظهرت كصراعات بين أهل الأديان من جهة، ومذهبية داخل أهل الدين الواحد.

رابعاً: مرحلة ولادة الحضارة الغربية أو الأوروبية: - والتي ظهرت على شكل نظريات إقتصادية كالنظريات الرأسمالية والإشتراكية والشيوعية، وقد يكون لهذه النظريات دوافع دينية، أو عنصرية تتعلق بالدم واللون والعرق، أو إقتصادية تظهر على أشكالٍ من الصراع أو التنازع على المال والثروة والسلطة وعادة ماتؤدي مثل هذه الصراعات الى نشوء حروب وإستعمار كما حدث أثناء الحروب العالمية الاولى والثانية.

التحريف والتغيير في مسالة تدوين التأريخ

لقد تعرض التأريخ الى التحريف والتغيير في مسألة عرض الحق والباطل وكيفية تطابقه مع الحقائق والوقائع على الأرض لذلك اقتضت الحاجة الى إعادة كتابته من جديد وفق رؤية إنسانية متحضرة.

الحاجة الى إعادة كتابة التأريخ

إن على المجتمع الدولي وبخصوص مسألة تدوين التأريخ فإن عليه الإعتماد على مفهومي الصدق والكذب والفصل بينهما في عرض الحق والباطل فهي الطريقة الأمثل لتخليص التأريخ مما علق به من الأردان إذ تقتضي هذه العملية التوفيق بين الحقائق وبين مايطفو على السطح في أي مرحلة من مراحل التأريخ الآنفة الذكر.

الإستثمار الأمثل للموروثات التأريخية

إن حركة التأريخ عبر القرون تدفع الى قراءته بشكل علمي ومنطقي عقلاني يدفع بالمؤرخين إلى إستثمار كل ميراثه الثمين وإستخراج طاقاته الكامنة التي تهيئ فرص كافية لإستثمار كوامنه المثمرة التي تحتاجها الشعوب للتحرر من قيود العبودية ولأجل نيل حريتها في عملية بحثها عن الحقائق وإستقراءها للحوادث والوصول الى الحقائق التأريخية.

تشخيص المحطات السيئة في تأريخ البشرية

إن قراءة التأريخ وإستقراء معالمه بلاشك سيدفع الى إكتشاف جملة من الحقائق المتعلقة بتشخيص أنماط ونماذج الظالمين والمستبدين والجبابرة والطغاة الذين الحقوا بالبشرية الدمار والفساد.

الموروث التأريخي والإختيارات الصائبة

لقد وضعت النخب الصالحة عبر مراحل التأريخ نماذج جيدة من القوانين الصالحة التي تحفظ الإنسان وترعى حقوقه، وكان من أهم الإستثمارات التشريعية وضع التشريعات التي تعزز أمن الإنسان وإستقراره، لذلك فإن طريق البحث في عمق التأريخ يهدي الى معرفة الحق وكره الباطل وبالتالي يقود المجتمع الى التطور ويمهد لحياة أفضل.

إتجاهات البوصلة التأريخية في عالم البحث التأريخي

إن دراسة التأريخ دراسة معمقة ستشير حتماً الى الإتجاه الصحيح لبوصلة الحقيقة التي تدفعنا الى إختيار العقيدة الصالحة التي فيها سلامة الإنسان وسعادته، فمن مجموعة الحوادث والأحداث التي سجلتها مجموعة الأفراد والجماعات التي قادتها الزعامات وحملتها الأجيال وهدتنا الى هويتنا الإنسانية عبر المراحل التأريخية التي مرت بها المجتمعات الإنسانية ستخدمنا على الرغم مماحملته تلك الأجيال من آلام ومتاعب حصدتها بسبب الشر الذي إتخذته الجماعات المتطرفة وبسبب النزعات الضالة والنزاعات الفارغة الفاقدة للمشاعر الإنسانية المستقيمة.

خاتمة

إن تأريخ البشرية في المرحلة الحاضرة يمر بمرحلة إنعطاف كبير تتزاحم فيه القوى والثقافات وتتحرك فيه الجماعات لبناء حضارة جديدة يسودها التعايش السلمي ويكون فيها الإنسان منسلخاً عن حالات التعصب والإلغاء من أجل أن تجتمع الحضارات القديمة والحديثة في بودقة الإنصهار لتشكل منظومة الدولة العالمية الواحدة التي يهنأ فيها الجميع.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/نيسان/2012 - 13/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م