قراءة في كتاب: نزهة الجليس ومنية الاديب الانيس

 

 

 

 

الكتاب: نزهة الجليس ومنية الاديب الانيس

الكاتب: العلامة السيد عباس بن علي نور الدين الحسيني

عدد الصفحات: 623 صفحة من الحجم الكبير

قراءة: محمد طاهر الصفار

 

 

شبكة النبأ: لعل لمؤلف هذا الكتاب الحق في وصفه بقوله:

جميع الكتب يدرك من قراها... ملالا وفتورا وسامة

سوى هذا الكتاب فإن فيه... بدائع لا تملّ الى القيامة

وقد يجد القارئ في هذا القول مبالغة إلا ان من يطلع على هذا الكتاب يجد ان قائله قد أصاب بقوله لما بذله من جهد جهيد وعمل مضني وبحث واستقصاء في سبيل تأليفه، فإضافة الى تدوين ما شاهده المؤلف في أسفاره من امور مهمة تستحق التدوين كانت ستمحى من ذاكرة الزمن لولا انه اتحف بها التاريخ.

فقد أفعم كتابه بنوادر التاريخ في جميع حقبه من تراجم وسير ومواعظ وحكم وقصص لا تخلو جميعها من فائدة، وهذا الكتاب هو (نزهة الجليس ومنية الاديب الانيس)، اما مؤلفه فهو سماحة العلامة السيد عباس بن علي نور الدين الحسيني ويقع الكتاب في (623) صفحة من الحجم الكبير وقد قدّم له العلامة السيد محمد مهدي الخرسان.

وسنقتصر في الحديث عن الكتاب سوى المؤلف فإنه خير شاهد على سمو مؤلفه في عالمي العلم والادب وحضوره فيهما عير الزمان فالكتاب ناطق منه شاهد عليه.

هذه آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا الى الآثار

فالمؤلف قد احاط بأنواع العلوم من تفسير القرآن الى شرح الحديث الشريف الى الفقه والتاريخ والمنطق والرياضيات وغيرها من العلوم فيبدأ كتابه بتفسير البسملة اقتداءاً بالكتاب العزيز وعملاً بقوله (ص): (كل امر ذي جال لا يبدأ فيه بالبسملة او - الحمد لله – فهو اقطع)، والمعنى انه ناقص قليل البركة.

ويتشعب المؤلف في تفسيره البسملة ويستعرض اشتقاقاتها ومعانيها من اقوال المفسرين ثم يثبت الارجح من الاقوال مع استشهاده بمآثر الاقوال ومحاسن الاشعار وكذلك في شرحه لمعنى الصلاة بعد تفسيره البسملة، ثم يثبت بالأدلة العقلية والنقلية على ان أهل البيت (ع)، الذين ورد ذكرهم في الآية الكريمة [إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] هم الائمة المعصومين(ع)، مستعرضاً بذلك احاديث الرسول وما تواتر عنه إضافة الى استشهاداته بالمعاني اللفظية واللغوية، مفنداً اقوال من قال بخلاف ذلك بالأدلة المفحمة.

ويسترسل في كتابه بإيراد كل قصة مفيدة نافعة وموعظة بليغة راشدة ونادرة مثيرة، ففي مجال التفسير انبرى لتفسير مفصّل لآيات متفرقة من الكتاب العزيز ويستوقف القارئ بالتأمل على مدى احاطته في هذا العالم، فمن تفاسيره هذه الآية الشريفة: [وقيل يا أرض ابلعي ماءكِ ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي ]، قوله: قال مخاطباً لهما يا أرض ويا سماء على سبيل الاستعارة للشبه المذكور ثم استعار لغور الماء في الارض البلع الذي هو من اعمال الجارحة في المطعوم للشبه بينهما، وهو الذهاب الى مقر خفي ثم استعار الماء للغذاء تشبيهاً له بالغذاء لتقوي الارض في الانبات كما تقوي الآكل بالطعام، وقوله: ولم يصرح بقائل يا أرض ويا سماء سلوكاً في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية لأن تلك الامور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل وتكوين مكوّن قاهر وان فاعلها واحد لا يشارك في فعله اما من جهة علم المعاني.

فلم يكن المؤلف أقل باعاً من علمه بالمجاز والكناية والاستعارة فقال: وذلك انه اختير (يا) دون اخواتها لكونها اكثر استعمالاً ولدلالتها على بعد المنادي الذي يستدعيه مقامه اظهار العظمة والملكوت وابداء العزة والجبروت وهو تبعيد المنادي المؤذن ولم يقل يا ارضي لزيادة التهاون، إذ الاضافة تستدعي القرب ولم يقل يا ايتها الارض ابلعي لكونها أخصر وللتجانس بينهما وبين اقلعي وقيل اقلعي ولم يقل عين المطر وكذا لم يقل يا أرض ابلعي فبلعت ويا سماء اقلعي فقلعت اختصاراً.

هذه هي عينة من تفاسيره وهي كما يراها القارئ سلسة على ذهنه خالية من التعقيد غاية في الدقة، إضافة الى عميق فائدتها ويقول في آخر تفسيره لهذه الآية ولله در شأن التنزيل إلاّ يتأمل العالم آية من آياته إلاّ أدرك لطائف لا تسع الحصر ولا تظنوا الآية مقصورة على المذكور فلعل المتروك اكثر من المسطور.

 اما في مجال الحديث النبوي الشريف فقد كان علمه وافراً به من خلال إيضاح المراد من الحديث ومدى نفعه في نفس المتلقي فمن ذلك قوله في إيضاح قول الرسول(ص): [العلماء ورثة الانبياء] بمقارنته بقول الرسول(ص): [اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني]، فيقول المؤلف: (أي ابقهما بعد انحلال القوى النفسانية حتى يصير اليها ما بقي بعدهما من مواد تصرفها ويكون لهما فمن لم يبق منه إلاّ العلوم ولم يترك سواها لم يكن من صار اليه متمسكاً بها فقد أخذ حظاً وافراً لشرف المأخوذ منه وفضيلته حيث انه من مآثر خير الناس ومن مواريثه التي تركها لأمته ولا نجاة للأمة إلاّ بها ولا غنى لهم عنها).

وقد استعرض المؤلف احاديث الرسول(ص)التي تدعو الى مكارم الاخلاق وبيّن المراد منها كقوله (ص) [ان أحبكم اليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم اخلاقاً]، وقال المؤلف في تفسير قول تعالى :[يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل] الشعب الطبقة الاولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة، فالشعب تجمع القبائل والقبائل تجمع العمائر والعمائر تجمع البطون والبطون تجمع الافخاذ والافخاذ تجمع الفصائل بيان ذلك خزيمة شعب وكنانة قبيلة وقريش عمارة وقصي بطن وهاشم فخذ والعباس فصيلة.

هذا هو منهجه في التوسع والتفصيل في التفسير بكتاب الله وشرح الحديث الشريف وبيانه وايضاحه وهو كما يلاحظ القارئ دال على باعه الطويل في هذا المجال، حتى ليكاد القارئ يظن انه قد تخصص فيهما دون سواهما من العلوم الاخرى ولكن المؤلف لم يكن بأقل علماً في العلوم المتعددة، ففي مجال التاريخ والسير والتراجم استعرض منها الكثير وأورد نوادر غفلت عنها كتب التاريخ ففي مجال الترجمة فقد ترجم للخطيب احمد بن علّان وفصل رحلته الى بلاد الهند وما عاناه من الاحوال والآلام وذكر طائفة من اشعاره كما ترجم للأديب الشيخ سالم بن احمد الصفدي الشماع والخطيب الشيخ عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن سليم الوزير امام الادب كما ترجم لوالده وجدّه وذكر نبذة عن حياتهما العلمية والادبية وبعض أشعارهما ومؤلفاتهما.

وترجم أيضاً لعمهِ السيد محمد بن علي بن حيدر الذي كان شاعراً مكثراً مجيداً وترجم للأعلام السيد الجليل علي خان بليغ العصر وقصة وفاته في حيدر آباد والشاعر ابراهيم بن محمد سعيد المنوفي وابي الفتح محمد الشهرستاني، صاحب كتاب الملل والنحل وبهاء الدين محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملي الهمداني والفاضل اسماعيل المتوكل على الله بن القاسم امام اليمن وأبي محمد حيدر آغا بن محمد الرومي والشاعر فتح الله النحاس صاحب القصيدة الحائية المشهورة، إضافة الى تراجم المتنبي والمعري والرضي والفراهيدي وابن هاني الاندلسي وغيرهم.

وهي تراجم وافية تغني القارئ عن الكثير من المصادر.أما علم المؤلف بالخطط والبلدان فقد استوفى عن الكثير منها وذكر اسماءها وتاريخها وبناءها وسكانها وحدودها ومناخها واسباب تسميتها والحوادث التي جرت بها واسماء الأعلام الذين دفنوا فيها واسماء ملوكها وذكر البلدان التالية في كتابه:مكة المكرمة، المدينة المنورة، الكوفة، الحيرة، مصر، بغداد، المدائن، سامراء، البصرة، كرمانشاه، اصفهان، هرات، طوس، خراسان، نيسابور، الاسكندرية، بحرالهند، جزائره، فمن وصفه لمدينة الكوفة قوله (الكوفة كانت من المدائن الكبار المشهورة بينها وبين النجف سنة اميال بنيت بعد البصرة بسنتين وبني بها مسجد للمسلمين قيل ان نبي الله ادريس كان يخيط بها الاثواب وقيل انه رفع السماء من مكان هذا المسجد... وبها التنور الذي فار منه الماء عند وقوع الطوفان بقوم نوح وبها الموضع الذي صنع نوح(ع) به السفينة وهذه المدينة على شاطيء الفرات وهي مدينة خصبة كثيرة الفواكه والبساتين ومنها ظهر الخط الكوفي واليها ينسب ابو حنيفة وسفيان الثوري وابو الطيب المتنبي).

اما وصفه لمدينة الحيرة فمما جاء فيه (الحيرة مدينة قديمة بناها النعمان بن امرؤ القيس بن عمرو بن عدي وبنى قصر أسماه الخورنق وزرع قدامه بستاناً وغرس فيه الزهر المسمى بالشقائق فنسب اليه، ثم خرب هذا القصر وبناه رجل من الروم اسمه سنمار).

اما عن ارض مصر فيقول المؤلف (سميت بمصر نسبة الى ابن من ابناء نوح وهي من اطيب الارض تراباً وابعدها خراباً ولا تزال البركة فيها مادام عليها انسان ).

اما عن بغداد فيقول(بغداد من أعظم المدائن وهي قاعدة أرض العراق وتسمى الزوراء وتسمى دار السلام، وفي تسميتها بذلك قولان الاول ان السلام اسم لدجلة والثاني انه يسلّم فيها على الخلفاء وهي بلدة أحدثها المنصور الدواينقي سنة 140هـ ونزلها في سنة 146هـ وأنفق على بنائها أربعة آلاف ألف ألف دينار).

وعن ما بها من الآثار قال(وبنى- أي المنصور – بها قصراً عظيماً وان دوره اثنا عشر ألف قصبة ومقابل المنصور قصر ابنه المهدي وبنى جامعه في وسط المدينة وجعل على كل باب من ابواب المدينة قبة طولها ثمانون ذراعاً وجعل في وسط المسجد قبة خضراء وعلى رأسها تمثال فارس وبيده رمح وقد سقط من على رأس القبة سنة329هـ ).

اما عن خصائص المدينة فقد ذكر المؤلف ان بها ثلاثون ألف مسجداً وخمسة آلاف حمام ). اما عن خراسان فيقول (قاعدة أقليم عراق العجم وهي مدينة وسيمة حصينة عظيمة ذات اسواق عامرة... وعنبها اقسامه تزيد على السبعين).

وعن نيسابور يقول (وكانت مجمع العلماء الاخيار وبها معدن الفيروزج ويجلب منها الى سائر الاقطار ).

وهكذا يتحدث المؤلف لوفيات الكثير من العلماء المؤرخين والادباء والشعراء والاعلام والحكام وقد جعل في كتابه فصولاً منوعة ممتعة وشيقة ومفيدة مثل: فصل في اصحاب النوادر مثل ابن عتيق وأشعب وابو العيناء وابن الجصاص، وفصل في المجانين وفصل في الاشعار الملغزة، وفصل في أصحاب العاهات من الملوك، وفصل في كرماء العرب كحاتم الطائي وعبد الله بن جعفر، وفصل في الكتب الغريبة التي كان يرسلها الملوك والسلاطين، إضافة الى ابواب متعددة كثيرة كأسماء الايام والشهور عند العرب والاسماء المتعددة لكثير من الاشياء كالبستان والفواكه والثمار وما ينفع منها اكله عند السقام والمرض.

كما حفل كتابه بالشعر الرائق وطعّمه بالطرائف وحكايات الطفيليين، إضافة الى البحوث اللغوية والعلمية وكلها لا تخلو من فائدة كما ذكر عجائب الدنيا والصروح التي بناها الملوك وسبب بناءها كالأهرامات وايوان كسرى وتاريخهما، فالكاتب يعد موسوعة متنوعة ليس أدل عليه من اسمه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آذار/2012 - 7/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م