حاجة الدول العظمى الى إصلاح أفكارها ومناهجها

محمود الربيعي

المقدمة الموضوعية

تمتلك القوى العظمى دوراً مهماً في التأثير على المجتمعات التي يتألف منها العالم لكن هذا التأثير قد يختلف تقييمه بحسب الظروف المكانية والزمانية، فقد يبدو للبعض جيداً وفق مكتسبات ومصالح الأفراد والمجتمع المرتبط بهما، وقد يبدو سيئاً بالنسبة لآخرين.. والتقييم قد يكون منصفاً أو معتدلاً داخل مجتمعات الدول العظمى عندما يستحسن مجتمعها هذا التأثير لما يجد فيه من إحترام لحقوقه المدنية ضمن حدود القانون وهو مايجعل المواطن مرتاحاً ومطمئناً، لكن الأمر يختلف في مجتمعات أخرى خصوصاً تلك التي تملك موارد طبيعية وطاقة إذ هي ترى أن الدول العظمى تستنزفها وترمي لها الفضلات، وتحد من تصرفها لما تملك كما تفعل الدول العظمى مع نفسها مما يجعل تلك الدول أكثر قلقاً وإضطراباً، فالمفروض بالدول العظمى أن تكون أكثر حكمة في تصرفها وسلوكها مع الدول الضعيفة خصوصاً تلك التي تمتلك الموارد الطبيعية للطاقة والمعادن..

فإسلوب نشر الصراعات والفوضى والإضطرابات لايجدي نفعاً وأن عامل الحكمة هو الأفضل، وإن على الدول العظمى إعطاء حريات أكبر للدول الضعيفة للتحكم في مواردها وينبغي عليها أن تسمح لها بالتطور الكامل كما تفعل داخل منظومتها وهو ماسيوفر مجالاً أوسع لها لتبادل المنافع ولاتخشى من سلوك هذا الطريق، فكلما إقتربت الشعوب والدول من بعضها وتنامت الثقة فيما بينها زاد الإطمئنان وتوفرت لها المزيد من فرص الحصول على الموارد.

مفهوم الدولة العظمى

نقصد بالدولة العظمى تلك الدولة التي تتمتع بقدرات علمية ومنهجية وصناعية وثقافية عالية الجودة ولها القدرة في السيطرة والتحكم أكثر مما تتمتع به الدول الضعيفة فهي تمتلك جيوش ومعسكرات وطاقات عسكرية فاعلة ومستوى إقتصادي متين قادر على أن يحقق لها العدالة العامة، وقد يصدق ذلك على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وقد تدخل دول أخرى محسوبة على هذه الدولة أو تلك بما لها من وحدة إقتصادية وثقافية تلحقها بها كبلجيكا والنمسا والسويد والنرويج والدينمارك وغيرها من الدول بينما تبقى دول أخرى خارج هذه الوحدة لاتتمتع بما تتمتع به دول الإتحاد الاوروبي أو دول الإتحادات الأخرى.

 إمكانية إلتقاء المصالح والتعاون بين الدول العظمى والدول النامية

إن التقدم العلمي والصناعي للدول العظمى أسهم في تعزيز العلاقات الدولية خصوصاً فيما يتعلق بالمنافع المتبادلة فقد وفرت الدول العظمى مختلف الصناعات كوسائط النقل البري والبحري والجوي ومختلف وسائل الإتصال الإلكتروني كما وفرت الكثير من الأجهزة والمعدات المتعلقة بشؤون الحياة، فهي تستفيد من المردودات المالية وتنفع الآخرين ببيع منتجاتها وهو أمر جيد لكن الغالب على العقل العام في الدول الضعيفة أنها ترى في الدول العظمى إستغلالاً عاماً فيما تأخذ وتعطي في الوقت الذي لاتمنحها إلا مايتعلق بمصالحها، وتعتبر الدول الضعيفة أن محصلة العلاقة المتبادلة بينها وبين الدول العظمى التي لها حضور في ساحتها غير منصفة، بينما يرى البعض الآخر بحسب نظره أن الدول الضعيفة هي دول كسولة وخاملة لاترتفع الى ماتطمح له!

النظرية الثقافية والإجتماعية للدول العظمى بحاجة إلى إعادة النظر

تتخذ الدول العظمى نظريات ثقافية مستمدة عادة من تراثها وتاريخها وحضارتها فتكون ذات طابع مدني له أفكاره ونظرياته متخذاً طريقاً ومنهجاً يتلائم مع بيئتها وطريقة تفكيرها وحياتها وبما ينسجم مع مكونات مجتمعها، لكن الدول العظمى عادة ماتندفع الى إستخدام وسائل لاتتلائم والحق الخاص للدول الضعيفة وبنتيجة ضعف مواردها فإنها تلجأ الى طرق غير مقبولة تتقاطع مع ماتفعله مع مواطنيها داخل دولها فتلجأ إلى خلق المشاكل والفتن للحصول على إحتياجاتها وبالنتيجة فإننا نرى أن عليها أن تعيد النظر في طريقة تفكيرها وتعاملها مع الدول الضعيفة ذات الموارد، وعليها أن تعمل على رفع درجة الثقة، كما إن عليها أن تبتعد عن الطرق غير المنصفة في علاقاتها الدولية بما يعزز من حالة الإستقرار في العالم ويساعد على التعايش السلمي الآمن.

مساوئ منهج وسلوك الدول العظمى تجاه الدول غير التابعة لمنظومتها

تسلك الدول العظمى أحياناً طرقاً لاتتلائم والحالة الإنسانية، كما يمكن إعتبارها غير لائقة كإتباع طريق الإفساد أو التدخل الخارجي وسنبين ذلك وفق النقاط التالية:

أولاً: سلوك طريق الإفساد: قد تلجأ الدول العظمى الى إفساد الحكام والشعوب والتدخل في مناهج التربية والتعليم وإستخدام التكنولوجيا الحديثة في تلك العملية، كما تشجع على ثقافات لاتتلائم مع بيئة الدول الضعيفة كنشر ظواهر الجريمة وتشجع على نشر ثقافة الرشوة والإختلاس والجاسوسية والخيانة والكذب وتساعد على نشر وسائل الإلهاء المختلفة.

ثانياً: التدخل الخارجي: ويمكن أن نعبر عن ذلك بطموح الدول العظمى للحصول على الموارد الطبيعية كموارد الطاقة عن طريق التنافس وتنازع النفوذ.

الباب الأول: الإفساد

يعتبر الإفساد أسهل طريق يمكن أن تعتمده الدول العظمى لإضعاف بقية الدول وطريقها الى ذلك إشغالها عن توجهاتها التنموية في عمليتي التطوير والنماء ويتم لها ذلك بنشر الفساد في صفوف إداراتها ومجتمعاتها.

أ: إفساد الحكام: ويتم ذلك بإخضاع حكام الدول لها خصوصاً تلك الدول التي ليس لها نصيب من القوة أو السيطرة إما لعدم كفائتها أو لخلل في نزاهتها.

ب: إفساد الشعوب: وأما إفساد الشعوب فليس بأسهل من نزول القوى العظمى بكل ماتملك من طاقات إعلامية وإقتصادية وأمنية وتجارية ومصالح ووسائل تأثير ذات قوة تفعل فعلها في صفوف الشعوب الغافلة أو المستضعفة.

ج: إفساد مناهج التربية والتعليم: كما تلعب مناهج التربية والتعليم دوراً لايقل عن بقية العوامل التي تعتمدها الدول العظمى لإضعاف الشعوب والهيمنة على العقل العام لها وطريقها الى ذلك فرض ثقافتها وإضعاف الثقافة الوطنية.

د: إستخدام التكنولوجيا الحديثة في الإفساد: كإستخدام وسائل التواصل الإعلامية المؤثرة من الفضائيات وشبكات الإنترنيت العالمية حيث تلجأ القوى العظمى الى التأثير على قطاعات شعبية واسعة وتعمل على تحريكها وفق ثقافة معينة يمكن أن تلعب دوراً في التحكم بمصائر الأنظمة والشعوب.

ه: التشجيع على ثقافة الجريمة: إستطاعت الدول العظمى خلق جماعات مسلحة متطرفة إستغلت سذاجتها وأشعلت في نفوسها نداءات متطرفة تحت عناوين الجهاد ضد خصومها، كما لعبت دوراً في توسعها وإنتشارها في مختلف الدول ذات الطبيعة المذهبية أو العنصرية المزدوجة واستغلت كل من تلك العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في إشعال الصراعات الجانبية.

كما إستغلت الدول العظمى حالات الفوضى المختلقة التي يمكن أن تشيع الفقر والفساد كالسرقات وتفكيك القيم الأخلاقية والأسرية داخل المجتمع.

و: التشجيع على ثقافة الرشوة والإختلاس والجاسوسية والخيانة والكذب: وهي ثقافة لها تأثير مباشر على عمل جهاز الدولة الإداري والسياسي، كما تسعى الدول العظمى الى هدم القيم المتعلقة بمقومات الشخصية الإجتماعية كنشر الخيانة والكذب.

ز: نشر وسائل الإلهاء المختلفة: كالتشجيع على القمار، والغناء والرقص الماجنين، ونشر

الصحف والمجلات المثيرة وإستغلال وسائل الإتصال الحديثة كشبكة الانترنيت والأقراص والأفلام المفسدة المتصلة بانواع الجرائم الجنائية الكبرى كالجرائم الجنسية والقتل والسرقة.

الباب الثاني: التدخل الخارجي

وأسبابه طموح الدول العظمى للحصول على الموارد المختلفة من الطاقة والمعادن والموارد البشرية وحفظ الأمن العام لها ويقودنا ذلك الى توضيح:

أ: احتياجاتها من الطاقة: بالعمل على استمرار تدفق النفط والحرص على تجنب الصدمة الاقتصادية العالمية التي قد تؤدي الى الحروب في مختلف مناطق العالم.

ب: المنافسة وتنازع النفوذ: وتظهر هذه المنافسة بين الدول العظمى المختلفة لإسعاف أنظمة منعزلة أو ضعيفة أو دعم دول شمولية في مختلف مناطق العالم.

خاتمة: الحاجة الى إنعاش العلاقات الدولية بين الدول العظمى وغير العظمى

إن على الدول العظمى أن تسعى لتغيير سياساتها الستراتيجية العامة وتكتيكاتها لتحسِّن من أدائها كدول عظمى ولايتم ذلك إلا بزيادة جسور الثقة مع الدول الضعيفة ذات الموارد الضخمة ويمكن أن يتم ذلك بإعطائها دوراً أكبر مما هو عليه في منهجها الإستهلاكي وإن عليها أن تتعامل معها كحليفة إقتصادية دون أن تتدخل في إختيار ثقافتها وحقها في التصرف بمواردها وعليها أن تساعدها على الشعور بالإطمئنان.. كما إن عليها أن تغيير من فكرها الإستعماري الذي يأخذ ويفرض ولايسمح بالنماء والتطور، وتستطيع الدول العظمى أن تغير مناهجها لتجعل الدول الضعيفة دول صناعية منتجة تصنع، وتشتري وتبيع وتتطلب هذه العملية جملة من الأمور منها:

أولاً: تقليص أو إلغاء الدول العظمى لدورها الإستعماري بشكل شفاف.

ثانياً: فتح صفحة جديدة لبناء جسور الثقة المتبادلة المبنية على حسن النوايا وفق ثقافة متوازنة لاتتقاطع مع عناصر مكونات كل أمة من الأمم بحيث لاتكون هناك ثقافة مفروضة بل ثقافة منفتحة تبقي جسور المودة والتعاون وتساعد على تبادل المنافع، وتسعى لوحدة الحقوق الإنسانية.

ثالثاً: عدم إتباع طريق الإفساد ونشر الفساد، وإحترام المكونات التي تتحكم في ثقافة الأمم وخصوصياتها.

رابعاً: لابأس على الدول العظمى أن تلقح ثقافتها بما تكتسبه من الشعوب والدول من حضارة ومدنية وثقافة جيدة فهذا يطور الوحدة الإنسانية، وعليها ترك الغرور، كما ينبغي عليها أن تفصل بين تطورها العلمي والصناعي وبين حاضرتها الثقافية والإجتماعية وعليها أن تعيد النظر في طريقة تنشئة أجيالها بلا غرور فلرب ثقافة إجتماعية في دولة غير عظمى هي أرقى مما عليه عند دولة عظمى.

خامسا: متى تخلت الدول العظمى عن إلحاق المجتمعات قسرياً بثقافتها الدينية أو العنصرية وتسامحت فإنها ستجد تقبلاً أكبر مما تتصور في مجال المحبة والمودة والتصالح وتبادل المنافع.

نداء

نأمل لهذه النظرات أن تجد لها موقعاً في ضمائر الأحرار في العالم وأن يكون لها صدى في نفوس الإنسانيين ليحل الأمن والسلام والعدل في جميع أرجاء المعمورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آذار/2012 - 7/جمادى الأولى/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2012م