هل حقاً سفراءنا ودبلوماسيونا يخدموننا؟

رامي الغف

أعتقد أن جميع السفارات والقناصل الدبلوماسية في عالمنا العربي بشكل عام وفي وطننا بشكل خاص، هذا إن لم أكن مخطئا، تتفق على إن مصلحة المواطن والوطن، لابد وأن تكون فوق كل مصلحة وهذا من بديهيات وأهداف الأنظمة الداخلية لكل سفارات العالم، ولكن ما يثير إهتمامي هو إن الكثير من سفراءنا ودبلوماسيينا ومسؤولي وأعضاء وكوادر هذه السفارات وبالذات ممن أصبحوا مسؤولين في سفاراتنا المبجلة، لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ولو على حساب المواطن بل وعلى حساب الوطن..! فالملاحظ من خلال تصريحات السفراء الذين يتبوؤون منصب السفير أو القنصل ينادون بأن مصلحة المواطن هي ما يهمهم وكلٌ طبعا حسب نوعية التصريح الذي يدلي من خلاله بدلوه.

فالسفراء يدلون بتصريحاتهم عبر وسائل الإعلام العربية وغير العربية المختلفة ومن خلال مكاتبهم الفخمة المكيفة التي تبرزهم وكأنهم يتكلمون بإسم الوطن والمواطن الفلسطيني كله، وخصوصا من الذين يضعون علم وطننا الغالي(فلسطين)خلفهم، ويجلسون خلف مكاتب فخمة وغالية الثمن، وهؤلاء هم أكثر المصرحين كذبا، فما يتقاضوه من رواتب ومخصصات وإمتيازات جعلتهم يعيشون حياة يفتقر إليها الملايين من أبناء شعبنا الفلسطيني، بل إن ما يتقاضوه من حجم تلك الإمتيازات يمكن لها أن تطعم الآلاف من الفقراء والمعدمين والمقهورين والمسحوقين من الناس البسطاء الذين لا هم لهم إلا قضاء يومهم بشره وخيره.

سبحان الله الولي الرزاق، الذي يهب إناسا مالا وجاها وغناء، ويهب إناسا فقرا وبؤسا وشقاء، أما الصغار من المسؤولين والموظفين الإنتهازيين والمتزلفين والمنافقين والأفاقين في اي سفارة من سفاراتنا فهم إذا ما تكلموا عن النزاهة والشفافية والأخلاق فإنك تقف مذهولا عند حجم ما يطلقوه من حكم وثوابت وشعارات ولكن الحقيقة غير ذلك بتاتا.

إن الكثير من أعضاء سفاراتنا إما رجال أعمال أو مسؤولي شركات إستثمارية أو حتى نوادي ومؤسسات مالية، وبكلمات أخرى مجموع غالبية السفراء يشكلون معظم أعضاء السلك المالي الإقتصادي في الدول التي يخدمون بها، وعدد ليس قليلاً منهم يسيرون أمورهم وفقاً لمبدأ إخدمني أخدمك. والمتابع لحركة مصالح أعضاء هذه السفارات يستطيع أن يستشف العلاقة المصلحية بين فئة السفراء والقناصل والدبلوماسيون.

فبين فترة وأخرى تنقل الوسائل الإعلامية العربية وغير العربية بعض أخبار سفراءنا ودبلوماسيينا الذين يمثلونا في الدول الصديقة والشقيقة والتي تجعل مواطننا الفلسطيني يغوص في تفكيره وتأملاته، ويخرج بسؤال يصعب إجابته بسهولة، ألا وهو هل سفراءنا وقناصلنا ودبلوماسيونا الأشاوس الذين يقطنون في فنادق خمسة نجوم وفي شقق ضخمة وفلل فاخرة على الطراز الأول خرجوا من رحم شعبنا وينتمون إليه ويعانون معاناتهم ويعيشون أحزان وطنهم وهمومه وشجونه؟ وهل فعلاً يريدون مصلحة وفلاح شعبهم ووطنهم العليا؟؟؟

واقع الحياة الدبلوماسية يعطي إجابات تناقض ما يصرح به السفراء والقناصل والدبلوماسيون الفلسطينيين في كل مكان.

 قبل عدة شهور إجتمعت القيادة الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن في مدينة رام الله بوجود وزير خارجيتنا بكافة السفراء والقناصل والدبلوماسيون المنتدبون على الدول العربية والأمريكية والأوروبية لخدمة شعبنا وجالياتنا الفلسطينية في هذه البلدان، وتحدث الرئيس بما يملي عليه ضميرة مؤكدا على إبراز قضيتنا الفلسطينية في كافة المحافل الدوليه والعربية، إضافة إلى خدمة أبناء شعبنا النازحين واللاجئين والقاطنين في هذه الدول، وإنتهى الإجتماع على أكمل وجه وعاد سفرائنا ودبلوماسيونا إلى أماكن عملهم وسكناهم.

بعض سفرائنا ودبلوماسيينا في بعض الدول العربية والأوروبية والامريكية يقود سيارات مصفحة يتناهز سعر الواحدة ألاف الدولارات إضافة إلى حصولهم على رواتب حماية بمئات الآلاف من الدولارات شهريا، وتكلفة السيارات المصفحة وهذه الزيادة التي يحصل عليها سفرائنا ودبلوماسيونا الأشاوس تساوي حوالي 50 مليون دولار من ميزانية السلطة سنويا، فتكاليف بهذا المستوى يحصل بها أعضاء سفاراتنا من أجل زيادة رفاهيتهم وأموالهم، لأن أغلب أموال الحماية تذهب إلى جيوب سفرائنا وتملأ كروشهم المنتفخة، علما من الصعب بل المستحيل أن تجد إجتماع واحد لسفارة فلسطينية واحدة هذه بدون غيابات أو حتى إذا حصل أصلا، وفي أغلب الأحيان يؤجل إقرار القرارات بسبب غياب السفير أو من ينوبه.

الإختبار الأول: سئل أحد الحكماء يوما، ما هو الفرق بين من يتلفظ بالحب ويردد الشعارات دون التطبيق ومن يعيش الحب ويعمل ما يقول من خير؟ قال الحكيم سوف ترون الآن ودعاهم إلى وليمة وجلس إلى المائدة وأجلسهم بعده وبدأ بالذين لم تتجاوز كلمة المحبة شفاههم ولم ينزلوها بعد إلى قلوبهم، ثم أحضر الحساء وسكبه لهم، وأحضر لكل واحد منهم ملعقة بطول متر واشترط عليهم أن يحتسوه بهذه الملعقة العجيبة، حاولوا جاهدين لكنهم لم يفلحوا، فكل واحد منهم لم يقدر أن يوصل الحساء إلى فمه دون أن يسكبه على الأرض وقاموا من المائدة جائعين.

قال الحكيم والآن انظروا ودعا الذين يحملون الحب داخل قلوبهم إلى نفس المائدة وقدم إليهم نفس الملاعق الطويلة فأخذ كل واحد منهم ملعقته وملأها بالحساء ثم مدها إلى جاره الذي بجانبه وبذلك شبعوا جميعهم ثم حمدوا الله.

وقف الحكيم وقال للذين سألوه حكمته والتي عايشوها عن قرب من يفكر على مائدة الحياة أن يشبع نفسه فقط فسيبقى جائعا، ومن يفكر أن يشبع أخاه سيشبع الإثنان معا فمن يعطي هو الرابح دوما لا من يأخذ وجزاء الله للعبد يكون من جنس عمله.

لقد كان من الأجدر لأعضاء سفاراتنا في هذه البلدان أن يأنبوا أنفسهم بسبب تقاعسهم عن أداء واجبهم إتجاه شعبهم وقيادتهم التي وضعت الثقة بهم وهم لم يخدموا لا قضيتهم ولا ابناء شعبهم هناك، فهل المتقاعس في أداء واجبه يكرموه بهذه المبالغ الطائلة من أموال الشعب الذي هو في أشد الحاجة لها لما يمتلك بين فئاته عوائل لا تمتلك أسقف تؤويها من برد الشتاء أو تدفع عنها حر الصيف وتفترش الميادين وتلتحف السماء من قلة ما في اليد، بل هناك عوائل تنام فارغة البطون وملابسها التي ترتديها لم تبدلها من عشرات الأيام لأنها لا تمتلك غيرها، وأعضاء سفرائنا ودبلوماسينا يسبحون بالنعيم والرفاه!!! فهل توجد نقطة وصل أو إلتقاء ما بين صورة شعوبنا الفلسطيني وسفرائنا الأشاوس؟؟

هذه ومضة، فالمعلوم أن الكثير من الحكومات في العالم تصرف مبالغ لسفراتها لأنها مطلوبة منها أولا وأخيرا أنشأت لخدمة مواطنيها والدفاع عن حقوقهم وقضاياهم، وبإعتبار إن هذا من واجب الدولة، وفي بعض سفاراتنا المبجلة نجد أن المواطن لم يحظى لا بالخدمات والبرامج وبالإغاثة ولا بفرص عمل ولا بإحقاق الحقوق وأتعس شريحة هم فئات الطلاب الذين يتعلمون بالدول الشقيقة والصديقة!! فأين سيذهب هذا الطالب؟ فقد حرمتموه حقوقه ومنعتموه من أن يجد لنفسه فرصة عمل أو حتى تحقيق أماله وأحلامه التي تغرب من أجلها.

ومن مظاهر الفساد الإداري الأخرى، إن إدارات العديد من السفارات تفتقر لطابع العمل الجماعي، وترتبط بإسمها وطريقة عملها بشخص السفير أو القنصل، فكثير من السفارات تعرف باسم سفيرها سفارة فلان أكثر مما تعرف باسمائها المسجلة لدى وزارة الخارجية.

ومن مظاهر الفساد الإداري في بعض سفاراتنا غياب مبدأ الشفافية في العمل، وخير دليل على ذلك ان المواطن لا يستطيع الإطلاع على أعمال وخدمات هذه السفارات في شقيها المالي والاداري، وعملية التوظيف لا تخضع لأسس مهنية، وغالباً ما تتم وفقاً لأسس عشائرية أو سياسية، بعيداً عن الخبرة والمؤهل العلمي.

كما لا تخضع تقاريرها لرقابة الهيئات العامة الفلسطينية، بل تخضع فقط لمشاهدة ومصادقة الوزارة.

ولو توجه طالب أو مواطن ما إلى إحدى هذه السفارات للحصول على خدمة مالية أو إدارية، لوجد أن باب السفارة موصدا أمامه، لان مبدأ الشفافية مغيب في هذه السفارة، وبالتالي لا مجال للمساءلة أو المحاسبة أو الرقابة إلا بناء على طلب السفير والوزير والوزارة.

إذا على وزير خارجيتنا ووزارة الخارجية الفلسطينية أن تنتبه جيدا إلى ما يقوم به من ينتمي إليها من المسؤولين والنفعيين والمفسدين من السفراء والقناصل والدبلوماسيين، ويقفوا بوجههم، لأن ما يقوم به هؤلاء السفراء والدبلوماسيون الجشعون إنما يعكسون صورة سلبية عن هذه السفارة أو تلك والتي تعتبر كما قلنا سلفا مصلحة المواطن والوطن الفلسطيني الغالي فوق كل إعتبار مما يحتم عليهم أن يثبتون لشعبنا إن من يجعل مصلحته الشخصية فوق مصلحة المواطن والوطن لا ينتمي إليهما.

* ناشط ومفوض سياسي فلسطيني

كاتب وباحث صحفي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/آذار/2012 - 16/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م