الفساد ظاهرة تنخر الاقتصادي العالمي

 

شبكة النبأ: تعتبر مشكلة الفساد اهم واخطر المشاكل في حياة الدول وصور واشكال الفساد متنوعة ومتعددة ومنها الفساد الحكومي او كما يعرف بإساءة استخدام السلطة الذي ينتهجه بعض رجال الدولة بحكم مناصبهم السلطوية وتتنوع صور الفساد الحكومي وتختلف وتشمل تقاضي الرشا والاختلاس والمحسوبية والابتزاز واستغلال المنصب ...الخ من التسميات الاخرى التي تسهم بهدر المال العام وتعيق مسيرة التقدم التنموي، وتسعى الكثير من الدول للحد من تفاقم أفة الفساد وبشتى الطرق والاساليب, فقد قالت دراسة نشرتها شركة محاماة ان المبلغين عن الاحتيال حققوا أكثر من 532 مليون دولار عام 2011 من خلال الدعاوى القانونية التي تزعم الاحتيال على الحكومة الامريكية وهو رقم غير مسبوق لحجم التعويضات من هذا النوع. وقالت شركة جيبسون ودون وكراتشر ان الاطراف الخاصة التي تقوم بالتقاضي نيابة عن الحكومة جمعت 140 مليون دولار اكثر مما جمعت العام الماضي حتى على الرغم من ان عقوبات وزارة العدل الخاصة بالاحتيال المدني ظلت ثابتة لم تتغير. واستعادت وزارة العدل نحو 3.02 مليار دولار العام الماضي من خلال دعاوى في اطار قانون المطالبات الزائفة - وهو ثالث اكبر مبلغ يسترد وهو اقل قليلا من مبلغ 3.09 مليار دولار الذي تمت استعادته عام 2010. لكن بالنسبة للمبلغين الذين ساهموا في استعادة هذه المبالغ كان عام 2011 ايضا عاما افضل. وقال اندرو تولوملو الذي يساهم في ادارة مكتب جيبسون ودون في واشنطن وساهم في صياغة الدراسة "العائد من الاحكام جذاب جدا... عندما تنظر الى 540 مليون دولار تذهب اساسا الى المدعين سيكون ذلك مصدر جذب للمزيد والمزيد من الاهتمام." بحسب رويترز.

في سياق متصل استقال رئيس واحدة من اكبر وكالات مكافحة الفساد في جنوب افريقيا وهو يعتبر لدى كثيرين حليفا للرئيس جاكوب زوما بعد فترة قصيرة من تعيينه في منصبه في احدث حلقة في سلسلة من الاستقالات لمسؤولين كبار. واتهم معارضون زوما بالتدخل في استقلال القضاء بتعيينه ويلم هيث مستشاره القانوني السابق رئيسا لوحدة التحقيق الخاصة. وقال وزير العدل جيف راديبي لاذاعة توك راديو 702 ان هيث وهو قاض سابق قدم استقالته بعد تحقيق اجري في تصريحات ادلى بها الى صحيفة عن الرئيس السابق ثابو مبيكي. وكان هيث قد قال في مقابلة مع الصحيفة ان مبيكي يقف وراء اتهامات الاغتصاب والفساد الموجهة الى زوما. وقال مكتب مبيكي ان تصريحات هيث غير صحيحة وكيدية. وبرئت ساحة زوما من تهم الاغتصاب والاحتيال في عام 2009 بعد معركة قضائية كان هيث خلالها مستشاره القانوني. ومهد ذلك لصعود زوما الى منصب الرئيس.

قضايا الفساد

على صعيد متصل اعتبر قاض فرنسي الرئيس السابق جاك شيراك مذنبا في محاكمة بشأن فساد سياسي تمثل اول ادانة لرئيس دولة منذ المارشال فيليب بيتان الذي تعاون مع النازيين عام 1945 . وفي غياب شيراك البالغ من العمر 79 عاما والذي ظل في السلطة من 1995 حتى 2007 اعتبره القاضي مذنبا بتهمة اساءة استغلال الاموال العامة. وأصدر القاضي حكما بالسجن عامين مع ايقاف التنفيذ على شيراك الذي يعاني من مشكلات في الجهاز العصبي طبقا لما يقوله الاطباء. وقال محامون سعوا لادانة شيراك ان هذا الحكم على شيراك يمثل تذكرة للطبقة الحاكمة في فرنسا بأن الساسة لا يمكنهم اساءة استغلال مناصبهم دون عقاب. وقدم شيراك للمحاكمة بتهمة تحويل اموال عامة الى وظائف وهمية لاعوان سياسيين حين كان رئيسا لبلدية باريس بين عامي 1977 و 1995 وهي الفترة التي شكل فيها حزبا ديجوليا جديدا ينتمي ليمين الوسط اطلق من خلاله مسعاه الناجح لتولي الرئاسة. وكان شيراك أعفي من حضور اغلب اجراءات المحاكمة على اساس ضعف ذاكرته. ومن الناحية النظرية كان يمكن الحكم عليه بالسجن عشر سنوات وهي أقصى عقوبة عن التهم الموجهة اليه. وقال جورج كيمان محامي شيراك للصحفيين انه سيتحدث الى موكله قبل أن يقرر ما اذا كان سيستأنف الحكم. وأضاف كيمان "ربما يبدو الحكم قاسيا لكن تجدر الاشارة الى أن المحكمة تصرفت بقدر كبير من الاعتدال وأبرزت السمات الشخصية للرئيس شيراك ومدى قدم الاحداث محل المحاكمة والدور الذي قام به في تنظيم عملية تمويل الاحزاب السياسية." بحسب رويترز.

وقال جيروم كارسنتي وهو محام من رابطة لمكافحة الفساد وكان يسعى لادانة شيراك ان الحكم الذي صدر "تاريخي ويدعو للاعتبار". وصرح للصحفيين امام المحكمة "شهدنا رسالة قوية توجه اليوم.. لم يعد بامكان الساسة فعل ما يحلو لهم عندما يتولون مسؤولية الادارة العامة." واستفاد شيراك من حصانة من المحاكمة حين كان رئيسا للدولة ولم يكن من الواضح لفترة أعقبت انتهاء ولايته ما اذا كان سيمثل امام المحكمة. كما أدين سبعة من بين تسعة كانوا يحاكمون مع شيراك منهم جان ديجول حفيد الزعيم شارل ديجول ومارك بلونديل وهو زعيم نقابي سابق.

من جهة اخرى اتهم وزير العمل الفرنسي السابق ايريك فيرت القريب من الرئيس نيكولا ساركوزي باستغلال النفوذ في قضية تجمع بين المحسوبية والتمويل السياسي غير الشرعي. واستجوب فيرت من قبل ثلاثة قضاء يتولون التحقيق في الملفات المرتبطة بوريثة شركة منتجات التجميل لوريال ليليان بيتانكور التي تحتل المرتبة الثالثة بين اثرياء فرنسا. واعلنت نيابة ان فيرت "اتهم باستغلال النفوذ من اجل شخص آخر". وهذه جنحة قريبة من الفساد يفترض ان المتهم استخدم سلطته للحصول على صلاحيات عامة او امتياز او قرار لمصلحة شخص آخر. وفي هذه المرحلة، لم يقر القضاة سوى بجزء من الشكوك المحيطة بفيرت. لكنهم قاموا باستجوابه حول وقائف كان يمكن ان تؤدي الى اتهامات "باستغلال السلطة لمصحلته الخاصة" وخصوصا من اجل "تمويل غير شرعي لحزب سياسي او لحملة انتخابية"، حسب بيان النيابة العامة. وفيرت (56 عاما) وزير العمل السابق ومسؤول الخزانة في حزب الاغلبية الاتحاد من اجل حركة شعبية وفي الحملة الاخيرة لساركوزي، متهم بانه تلقى اموالا من ليليان بيتانكور. ونفى فيرت باستمرار ارتكابه اي مخالفة.

لكن كلير تيبو المحاسبة السابقة لعائلة بيتانكور اكدت مرات عدة للشرطة والقضاء انه طلب منها في بداية 2007 سحب 150 الف يورو لتسليمها الى ايريك فيرت. وقالت في نهاية المطاف انها سلمت خمسين الف يورو نقدا الى باتريس دي ميستر رجل الثقة السابق لليليان بيتانكور، الذي المح بدوره ان المبلغ سيسلم في اليوم التالي الى فيرت لتمويل حملة نيكولا ساركوزي. ويخضع التمويل السياسي في فرنسا لقواعد صارمة منذ التسعينات. ويمكن تقديم هبات الى شخصيات لكن بحدود صارمة جدا. ولم تذكر نيابة بوردو الوقائع المحددة التي اتهم بها فيرت لكن يبدو انها تنطبق على الظروف التي احاطت بتوظيف زوجته في الشركة التي تدير ثروة بيتانكور. ويريد المحققون معرفة ما اذا كانت هناك علاقة بين توظيف ومنح باتريس دي ميستر وسام جوقة الشرف، اعلى وسام فرنسي في 2008. ودي ميستر كان ايضا مدير هذه الشركة المكلفة ادارة مصالح بيتانكور. وقد منح الوسام بعد تدخل من فيرت. بحسب فرنس برس.

وفي هذه القضية المتشعبة الني نجمت عن خلاف عائلي بين ليليان بيتانكور وابنتها، يشتبه بان عدة اشخاص استغلوا ضعف السيدة الثرية لانتزاع اموال منها. وينطبق ذلك على المصور فرنسوا ماري بانييه المتهم بصنع ثروة من هداياها وهباتها. وقد وجه اليه القضاة في بوردو اتهامات رسميا في كانون الاول/ديسمبر الماضي. وافادت فحوص اجريت في حزيران/يونيو الماضي ان السيدة المكسنة بدأت تعاني منذ سنوات من ما يعتبره الاطباء "خرفا مختلطا" و"مرض الزهايمر في مرحلة حادة الى حاد ما".

الى جانب ذلك طلبت النيابة الايطالية بسجن لرئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني خمس سنوات والمتهم برشوة شاهد في قضية ميلز بحسب وسائل الاعلام. وقال المدعي العام فابيو دي باسكوالي "اننا واثقون من ان المتهم مذنب". وفي هذه القضية يتهم برلوسكوني بدفع مبلغ 600 الف دولار لمحاميه البريطاني السابق ديفيد ميلز ليقدم شهادة كاذبة لصالحه في عدة قضايا تعود الى تسعينات القرن الماضي. وقدم القاضي دي باسكوالي قرارا صدر عن محكمة التمييز، اعلى هيئة قضائية ايطالية، في شباط/فبراير 2010 كدليل على ذنب برلوسكوني.

وقبل عامين قررت هذه المحكمة بان تهمة الفساد الموجهة الى ميلز الذي كان يحاكم في قضية اخرى، متقادمة والغت حكما بالسجن اربع سنوات ونصف السنة الذي صدر بحق المحامي البريطاني في البداية. لكن اعلى هيئة قضائية انتقدت في حيثياتها "حالة فساد خطيرة جدا" مؤكدة ضمنا بان برلسوكوني قام برشوة ميلز.

من جهة اخرى قالت وكالة لمكافحة الفساد ان مسؤولا تنفيذيا كبيرا في دويتشه بنك في هونج كونج متهم بقبول رشوة مقابل اعطاء مشورة عن معاملات في ادوات المشتقات. وقالت اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد ان ما سين تشي (37 عاما) المدير المنتدب في دويتشه بنك يزعم انه قبل رشا قيمتها 24.8 مليون دولار مقابل اعطاء مشورة بشأن تداول ضمانات المشتقات. ويزعم ان أربعة مستثمرين في الاسهم وهم ها بوت يي (60 عاما) وها شينغ مينغ (32 عاما) وها شينغ تشي (29 عاما) وها ساو مي (39 عاما) دفعوا هذه الرشا لما في الفترة بين 16 من يناير كانون الثاني 2007 و7 من مايو ايار 2008. وقالت اللجنة المستقلة لمكافحة الفساد ان المتهمين الخمسة الذين اعتقلوا في ابريل نيسان العام الماضي في عملية اطلق عليها اسم "قفزة" افرج عنهم بكفالة. وأضافت أن دويتشه بنك عرض تقديم المساعدة الكاملة للوكالة خلال التحقيق.

رشاوى سياسية

من جانب اخر ذكرت وثيقة محكمة امريكية ان عصابات مخدرات مكسيكية دفعت رشاوى تبلغ 4.5 مليون دولار لشراء حماية ومصالح سياسية في ولاية تاموليباس الشمالية وهي اتهامات حساسية تأتي خلال فترة الاستعداد لانتخابات الرئاسة . وذكرت وثائق من المحكمة الجزئية الامريكية في سان انطونيو بولاية تكساس الامريكية ان قضية غسيل الاموال في تكساس تتهم انطونيو بينا بتحويل اموال من عصابة زيتا المخيفة الى مسؤولين مكسيكيين محليين. وتذكر شهادة ادلى بها عميل سري في مكتب مكافحة المخدرات بالولايات المتحدة اسم الحاكم السابق توماس يارنجتون المنتمي للحزب الثوري التأسيسي بتوجيه العلاقة الشخصية مع زعماء زيتا. وقالت الوثائق ان مصدرا سريا بمكتب مكافحة المخدرات "وصف انطونيو بينا بانه قناة بين الساسة المكسيكيين ولاسيما توماس يارنجتون وعضوي زيتا ميجيل تريفينو وهيربيرتو لازكانو." وتريفينو ولازكانو هما زعيما العصابة التي تشتهر بقطع الرؤوس والخطف في شتى انحاء المكسيك.

وتولى يارنجتون منصب حاكم ولاية تاموليباس من عام 1999 حتى عام 2005 ويجري معه تحقيق منفصل في المكسيك الى جانب حاكمين سابقين للولاية. وقال الحزب الثوري التأسيسي ان التحقيق تحركه دوافع سياسية قبل انتخابات الرئاسة التي تجري في يوليو تموز. واكد مكتب المدعي العام الاتحادي التحقيق ولكنه امتنع عن اعطاء تفصيلات اخرى. وذكرت وسائل الاعلام المكسيكية ان السلطات تبحث عن ادلة على ارتباط ساسة بعمليات غسيل اموال. وتأتي هذه الاتهامات قبل بدء موسم حملة الرئاسة التي تشهد تنافسا قويا حيث يسعى الحزب الثوري التأسيسي الذي حكم المكسيك 70 عاما للعودة الى السلطة بعد 12 عاما قضاها على الهامش .

في مواجهة الفساد

من جهته اعلن الرئيس الكوبي راوول كاسترو البدء بحملة واسعة ضد الفساد الذي يمثل "احد ابرز اعداء الثورة" الكوبية، وذلك في ختام مؤتمر لتجديد الحزب الشيوعي الكوبي الذي دعاه الى دعم اصلاحاته الاقتصادية. وأكد راوول كاسترو "اننا سنتصرف بلا رحمة مع ظاهرة الفساد"، وهو الذي يندد منذ شهور عدة بما يعتبره "اكبر خطر" على الاقتصاد الكوبي. واضاف كاسترو ، الفساد يلحق ضررا اكبر من برنامج التخريب والتدخل الذي يكلف الملايين وتشنه الولايات المتحدة خارج البلاد وداخلها".واشار الرئيس الكوبي الى ان الحزب الشيوعي، الذي يملك سلطة كبيرة في البلاد، هو الذي "سيقود العملية" ضد الفساد حتى لو كان ذلك "لا يعني انه سيحل مكان الجهود التي تتولاها المؤسسات". واعتبر ان المعركة ضد الفساد "هي معركة كل مواطن ومواطنة، اكان عضوا في الحزب ام لا، يحب ويحترم بلده". وتتحدث الصحافة الكوبية بشكل متقطع عن بعض حالات من الفساد تطال مسؤولين سياسيين او اقتصاديين.

الى جانب ذلك بدأ الناشط الهندي المناهض للفساد انا هازاري اضرابا عن الطعام لمدة ثلاثة أيام في مدينة مومباي المركز المالي للهند احتجاجا على مشروع قانون ضد الفساد يصفه بأنه "بلا أنياب" بدأ البرلمان مناقشته. ويسعى هازاري الى حشد الدعم الشعبي لإقرار قانون أكثر صرامة لمكافحة الفساد. وربط هازاري (74 عاما) حالة الاحباط بين الطبقة المتوسطة في الهند ثالث أكبر اقتصاد في اسيا وبين قضايا الكسب غير المشروع وفضائح فساد بعدة مليارات من الدولارات تتكشف كل يوم وأجبر الحكومة على الموافقة على وضع مسودة قانون لمكافحة الفساد واقراره قبل نهاية العام الحالي. وبدأ البرلمان الهندي مناقشة مشروع قانون لوكبال الذي اقترح للمرة الاولى عام 1968 لاختيار محقق قوي في الشكاوى ضد الفساد. بحسب رويترز.

ومن المقرر اجراء تصويت على المشروع في وقت لاحق لكن هازاري غير راضوقال مع بدء اضرابه عن الطعام "الحكومة تخدع الناس" وأضاف أن مشروع القانون الذي تؤيده الحكومة لن يقضي على الفساد وقال "يوما ما سيلقن الناس الحكومة درسا." وكرر هازاري تهديدا بشن حملة ضد حزب المؤتمر والاعتصام أمام منازل زعمائه ما لم يمنح المحقق في شكاوى الفساد سلطة مراقبة قوات الشرطة الاتحادية. ورسمت احتجاجات هازاري الاجندة السياسية للهند عام 2011 حيث لفتت الانتباه الى الفساد الحكومي وأضعفت رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ الذي يحرص على تهدئة الجدل حول الفساد سريعا حتى يركز على سلسلة من الانتخابات في الولايات واصلاح اقتصادي في العام الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آذار/2012 - 10/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م