مسلسل (عابد كرمان)

 والرؤية العربية في زمن ربيع الثورات

عبد الكريم ابراهيم

حاولت الدراما المصرية تسويق المسلسلات ذات البعد المخابراتي التجسسي واعطاء فكرة للمتلقي العربي عن مقدرة الاجهزة المصرية في مقارعة مثيلاتها في العالم عبر سلاسة الوصول الى المعلومات المهمة وتجنيد العملاء باختلاف جنسياتهم.

 مسلسل (عابد كرمان) هو امتداد لفكرة البطولة الاسطورية التي زرعها (رأفت الهجان) في العقول منتصف الثمانينيات القرن الماضي، ولعل العودة الى طرق هذه الموضوعات من جديد هو نتيجة حالة الضياع التي تعيشها الاجهزة الامنية وافلاسها الحقيقي في مواجهة منظومة الاعداء المخابراتية، لذا البحث عن متنفس لتعويض كل هذا الحرمان وزرعه في عقلية البعض.

مسلسل (عابد كرمان) الذي جسد بطولته الممثل السوري (تيم الحسن) والذي سبق ان حاول الولوج الى الحياة المصرية عبر الاحداث التاريخية ولاسيما بعد نجاح مسلسل (الملك فاروق). برغم تنويه كاتبه (بشير الديك) ومخرجه (جلال نادر) الى ان المسلسل هو من نسج الخيال العربي، فإن توقيته في مثل هذه الظروف العربية وحالة الهيجان ما هي الا محاولة لتحسين صورة الاجهزة الامنية التي اهتزت بعد 25 يناير ونقل الصراع الداخلي الى الخارج، لان موجة الاعمال التلفزيونية التي تتناول نشاطات المخابرات المصرية وعلاقتها باسرائيل قد خفت بعض الشيء للتوجه نحو موضوعات اخطر لاسيما التطرف والارهاب ومافيات الفساد الحكومي والمخدرات الموضوع الجديد – القديم.

 (عابد كرمان) حسب اعتقادي محاولة لاحياء شخصية (رأفت الهجان) من جديد بعد ان استطاعت ان تكسب الشارع العربي في ظل شعور يراود البعض في الحصول على نصر ولو على الورق ! الاختلاف بين المسلسلين هو قدرة المخابرات في تجنيد بعض الإسرائيليين عكس السابق التي يتم فيها زرع نقاط التجسس من خارج البلاد لضمان ولائها ودقة المعلومات المستسقاة منها.

 المسلسل جاء في وقت تعاني الاعمال الدرامية ذات التوجه الحكومي من العزلة ومقاطعة المشاهد لها حيث انقسم الفنانون الى فريقين بعد ربيع الثورات العربية: الاول مازال يعيش في وهم اسم الحكومة والدفاع عنها ضد اي اقوال وافعال تسيء لها ويعمل على تلميع صورتها في السابق والحالي، اما الفئة الثانية فوجدت نفسها في ان تحاكي نبض الشارع في الوقت بالذات لذا حاول الكاتب الديك والمخرج جلال في البحث عن وجه بعيد عن الفئتين كي يلعب دور البطولة، فكان الاختيار الممثل السوري (تيم الحسن) الذي يحمل الكثير من المواصفات التي تجعل منه كأنه يعيش في اجواء اسرائيل وعرب فلسطين.

(عابد كرمان) لم يلق نفس الاثارة التي خلفها (رأفت الهجان) بل كأنه اعادة احياء تلك الشخصية بطريقة اخرى، ولكن لازمها البرود وقلة الحماس من قبل المتلقي العربي حيث لم تشده احداث المسلسل ولعل ذلك يرجع الى ان شخصية الجاسوس (البطل) التي لم تكن مصرية كما جرت العادة، بل كانت فلسطينية الاصل، لذا غابت عنها هالة الخوارق حولها وتعاملت مع الاحداث كأنها شخصية عادية استطاعت الاجهزة المخابراتية تجنيدها لخدمة قضية معينة، اي ان العملية برمتها بيع وشراء وليست قضية وطنية. في حين اغلب المسلسلات التي عالجت هذا الموضوع افضت على البطل صبغة الوطنية وحب البلد وغيرها من الدوافع التي تجعلها تخاطر بنفسها في سبيل قضية سامية وهي مشاعر يريدها العربي. ربما الذي جعل المسلسل يبتعد في عدم تحقيقه المطلوب منه، لان المتلقي العربي قد اعتاد على شخصية نمطية غرست في ذهنه وهي صورة البطل: المضحي، ابن البلد البار، العبقري، العاطفي، المتحمس لدرجة الادمان وغيرها من الصفات التي كانت غائبة عن (عابد كرمان) والتي كانت تدغدغ نبض الشارع العربي.

الواقعية غير المتوازنة افقدته متعة المشاهدة، حيث غابت صورة احساس بالداخل وضياع صورة الفادي التي عاشها المصري العربي، والامر الثاني سذاجة التعامل مع اعتى مخابرات في العالم وعملية تجنيد الجواسيس، حيث صورت انها سهلة، فضلا عن الربيع العربي لم يستطع المسلسل ان يعيد (رافت الهجان) الى الواجهة مرة اخرى، بل جاء في وقت اصبح العربي تشده القضايا الداخلية اكثر من الخارجية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آذار/2012 - 10/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م