طامات السلفية

هلال فخر الدين

سدنة مدرسة (السقيفة) إغتيال للشرع والغاء للعقل ووأد للحوار وحرق للتراث

 

مما لامشاحة فيه فقد كان انبثاق نور الاسلام رحمة للعالمين حيث اسس لمفاهيم السلام والتسامح والانفتاح والحوار الموضوعي وتكريم بنى ادم وان خير الناس من نفع الناس وان الجعل الإلهي للبشر كافة ان يتعارفوا ويتعاونوا..

في حين اراد سدنة الدين وبإصرار غير ذلك وفعلوا نقيض منهج الرسالة وبلاغ محمد(ص) تماما..

ان المثل العربي يقول خير بين شرين أهونهما صعب يضرب لمن خير بين قهرين من الامور فيختار اهونهما قهرا..! فكيف اذا اغلقت ابواب العقل وعطلت آليات الشرع واسلوب الحوار واستعيض عنها بالتحجر واتباع الهوى وكم الافواه بل واشهار فتاوى التكفير والسيف وحرق المكتبات وتدمير التراث وتفجير....؟! فهنا تكمن الطامة الكبرى بابتلاء الامة بمنافقي سدنة الشرع واحبار التلفيق لطمس حقائق الدين وتشويه شريعة خاتم المرسلين ومنع اعمال العقل واجالة الفكر والتدبر على حساب القيم والقواعد لكسب رضا السلاطين والفوز بلحس قصاع الظالمين حتى فاقوا تحريف احبار بنى اسرائيل فنتيجة لذلك سقطوا في الفتنة وجنوا على الرسالة بمتاهات التزوير وتناقضات التأويل واوقعوا الامة في صراعات...ويقول فيهم الامام محمد عبدة: لبسوا الفراء بالمقلوب لاهم تدثروا به ولا هم اظهروه) وسوف نتناول في كل حلقة موضوع معين ومؤصل من امهات مصادر المدرسة.

افة التعصب المقيت

يلاحظ بوضوح أي متتبع لمنهج سدنة مدرسة السقيفة سواء قديما ام حديثا في اطارها العام لاتخرج عن وأد الفكر وقمع منطق الحوار ومجانبة الشرع بتأويل النصوص تبعا للهوى واطاعة لأصحاب النعم واصطناع منظومة قواعد لعداء الآخر.. وان خرجت عن صحيح الشرع وجوهر المبادئ حيث ادى تشبثهم بالأخذ لهذا المنهج المعوج الى الخروج عن صراط الحق وسبل الدين حتى اصبحت النصوص الواردة في الكتاب او السنة عند جلهم لايعمل بها إن خالفها رئيس المذهب الذي اصبحت اقوله سنة محكمة ومخالفته بدعة منكرة وعدم اتباعه كفرا حتى قالوا أن كتاب الله تنسخه مخالفة أقوال علماء المذهب وقديما قال الامام عبيد الله بن الحسن الكرخي: (الاصل ان كل اية تخالف قول اصحابنا فانها محمولة على النسخ او على الترجيح والاولى على التأويل من جهة التوفيق. الاصل ان كل خبر يجيئ بخلاف قول اصحابنا فانه يحمل على النسخ او يحمل على انه معارض بمثله ثم صار الى دليل اخر او ترجيح فيه بما يحتج به اصحابنا من وجوه الترجيح او يحمل على التوفيق) الدكتور مصطفي سعيد الجن نقلا عن اصول الكرخي ص84 القاهرة 1972.

يكشف النص مدى الارتباط بالدائرة المذهبية والتطرف بالالتزام اقوال علماء المذهب وكانها آيات محكمة حتى وان خالفت النصوص المقدسة وهم يتمحلون ويخضعون الكتاب لموافقة اهوائهم او مايطلبه السلاطين منهم فيحرفون الكلم عن مواضعه ويأولوه حسب الطلب وإذا امتنع النص القرآني فانهم ينسخونه ويعملون بما جاء عن اصحاب المذهب.. وحديثا يقول الدكتور مصطفي سعيد في اثر الخلاف في قواعد الاصول ص9 ((فهم مدفوعون وراء المذهبية تعصبا ويطرحون الدليل ويأولونه تأويلا بعيدا لا يتفق مع الحقيقة فهذه هي المذهبية التي يبغضها الله ورسوله)..!!

والذى يؤكده د. مصطفي هو في الواقع الا مرض قديم استشرى ولغوا فيه بإرادتهم وديدن فطموا برغبتهم لأجل التبرير والتماس المعاذير اولا ثانيا: لأجل الاستقواء على الاخر لعجزهم من التوفيق ما بين النصوص وواقع منهج مدرستهم وسلوكيات احوالهم ثالثا: لشدة ما تشرنقوا داخله وحشروا انفسهم فيه من الغاء منطق العقل والدليل رابعا: لسدهم باب الرحمة الالهية (الاجتهاد) خامسا: التحجر على فتاوى قديمة وسحبها على الحاضر سادسا: التنكر حتى لما يرويه سلفهم الصالح من مقارعة الظلم والطغاة عند اصطدامها بسياسة الانظمة خوفا من الطرد من الوظيفة والاستغناء عن خدمتهم سابعا: اجهاد انفسهم بتمحل التأويل الممجوج او التزيف المفضوح..

التخندق بدائرة الغلواء والافراط بالتعصب المذهبي..

وتأصلت روح العداء للآخر والجهل بالشرع حدا تعصب معه اصحاب كل مذهب الى حد الغلواء والافراط في التطرف والدعاوى الزائفة في تمام وكمال مذهبه وكلما فيه صح منزه عن الخطأ وما هو الانتاج بشرى غير معصوم يقول الحنبلي:

سبرت شرائع العلماء طرا***فلم أر كاعتقاد الحنبلي

فكن من أهله سرا وجهرا***تكن أبدا على النهج السوى

ويقول اخر:

أنا حنبلي ما حييت وإن أمت***فوصيتي للناس أن يتحنبلوا

والحنابلة يقولون: (أحمد بن حنبل إمامنا فمن لم يرضى فهو مبتدع) فقد بلغ الغلواء حدا مرعبا بان يكون أحمد معيرا وميزانا وفيصلا بين الحق والباطل ومن لايقبل (مبتدع) اذن فما اكثر المبتدعة في نظرهم على هذه القاعدة ! فأئمة سائر المذاهب واتباع المذاهب الاسلامية الاخرى مبتدعة حسب منطقهم.

وكذلك يقولون: إنه ما قام بأمر الاسلام أحدا بعد رسول الله (ص) ما قام به احمد ابن حنبل ولا أبو بكر ولا عمر ولاعثمان.... مثله وإن الله جل جلاله كان يزور قبره كل ليلة جمعة حيث ينزل من السماء السابعة..!!!!! انظر تاريخ الخطيب البغدادى عند ذكر احمد بن حنبل.

إلى اخر ما هنالك من مناقب وفضائل الامام احمد.. مالم يفز بها نبي مرسل ولا ملك مقرب.. ومبعثها الجهل والتعصب والغلواء..!!

والذكر الحكيم يصف علماء السوء واتباع سيدهم إبليس (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) سبأ: 20

فالذي يخطأ الامة بأجمعها ويجعلها على ظلال بل ويكفروها كافة وكأن موازين الامور بأيديهم ومعيار الحقيقة لاتخرج عنهم ويمتلكوا التفويض الإلهي.. وهذا ما كان يخشاه المصطفي (ص) من المتهوكين والمتنطعين –المتشددين- بالهلاك بل والاهلاك ايضا !!!

وربما تمر علي اوقات اتساءل فيها، ماذا سيحدث لو نزل المبعوث رحمة للعالمين الرسول (ص) إلينا، وتحدث مع مَن نصبوا انفسهم حماة للدين في مجتمعاتنا، وقال لهم: (لا. ليس هذا الدين الذى اراده الله للناس وكما بلغته. وانى براء من ماتنسبوه الى من تلك الأحاديث ولا صلة لي بها).ولماذا تفرضوا علي وعلى شريعتي السمحاء ما لم أومر به ؟

أتدري كيف كانوا سيردون عليه؟

على نفس نمط طريقتنا في الحوار اليوم، وإلى طريقتنا في التعامل مع الدين... لا اجانب الحقيقة أنهم سيقولون له: (كفرت)!! لان كل من يناقض طريقة رؤيتهم للدين يصبح (كافر). حتى النبي(ص) نفسه!

صنمية الاتباع والغاء التفكير

ان من يفقد القدرة على المقاومة الفكرية والتصدي الذهني أمام بشر باتوا يمثلون أصناما في حياته الثقافية والاجتماعية، ومن لا يستطيع رفض العبودية في داخله بعدما أصبح رهينة لهؤلاء البشر، كيف له أن يفكر بحرية وأن ينظّر بسلاسة وأن ينطلق في رؤاه دون أن يركع لتلك الأصنام؟ سيكون تفكيره بلا شك تحت وصاية الأصنام وفي إطار العبودية. وعلى الرغم من وجود صنف من البشر يسعى جاهدا للتحرر من العبودية، فإن هناك صنفا آخر يتجه حُكما نحو أصنامه، بعدما سُرقت إرادته ليزيد بأس العبودية في داخله على الرغم من شعارات الوسطية المزيفة التي يرفعها. فهو يعوّل في ذلك على الأحكام التي تطرحها المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها، وهي المدرسة الدينية الفقهية (السلطانية) ان صح التعبير. إن سير هذا الصنف خلف الأصنام بصورة إجبارية أو لا إرادية، يسهم في رسم خريطة مُحكمة من الحلال والحرام في حياة أفراد ذلك الصنف. وهذا التوجه يحمل مخاطر جمّة على صعيد فقدان الإنسان إنسانيته وإرادته وتفكيره الحر. فمدرسة فقهاء السلطة بصورتها الصنمية العبودية هي سجن كبير، يستند الخروج منه التحرر من العبودية الداخلية والأيديولوجيا الخارجية، ونعوذ بالله من سبات العقول.

نتائج الاستغراق في العصبية الطائفية

كان من معطيات الانزلاق في متاهات العصبية والتطرف لمدرسة السقيفة ان طبعتها ظاهرة واضحة وغريبة معا من تأويل النص وتطويعه وليه حسب الهوى لينسجم وما انغلقت عليه حتى وان جانب الحق وخرج عن الشرع في عبودية تامة للسلطان وتبرير كل اثم وعدوان تبعا للتعصب والهوى وهذا ديدن فطموا عليه للاستقواء على الاخر لعجزهم من التوفيق ما بين النصوص وواقع احوالهم وما تشرنقوا داخله وحشروا انفسهم في شراكه وتعاملهم مع الحقيقة ومنطق العلم بمنطق المهزوم الذي ينسحق داخله عند التحدي ويفضل الارتداد خلفا بدلا من التقدم عن احساس عميق بالعجز والاحباط وثقة غابت بالنفس التصارع قلقية واضطراب جحودهم الحق وههم به مستيقن ومن جانب اخر تنتابهم هواجس العصبية ومطامع الدنيا فيبرروا ويبرروا ويماروا ماشاء لهم ان يماروا وجل جهدهم تلميع وجه الباطل عن الذي يقود الى فساد النتاج والتواء المنهج.

ذبح الدين بسكين التطرف

 مما جبل الاسلام عليه الحرية والتحرر والتفكر والانعتاق من التقليد وعدم التبعية للغير قال الامام على: (لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا) ولكن امتد تأثير الافراط بالغلواء وشديد التعصب لينعكس على منهج التعامل مع روح النصوص ومقاصد الشريعة ومنطق الدليل وحقائق التاريخ فاصبح اغلب المفسرين والمحدثين والرجالين والفقهاء والمؤرخين ينقادون للنزعة الطائفية المشبعة بالعصبية للهوى والتقليد الاعمى، ثانيا: عبودية مطلقة للسلطان بتلبية ما يأمر به وايجاد مخارج شرعية بالتأويل والتحريف، ثالثا: انسياقهم بإلصاق ابشع التهم بالمعارضة، رابعا: مسايرتهم لمجريات العوام والرعاع والسواد الاعظم، خامسا: اعتماد الاكاذيب والاساطير والخرافات، سادسا: عبقريا هم في صياغة الفتن والادعاءات التي تؤجج نار الفرقة وتثير الكراهية وتزيد الانقسام لتطغي حدة الخلاف على روح الحقيقة وتدفع بالأمور في مسار لا يخضع لمنهج الدين ولا لمنطق العقل ولايلتزم بالحجة والدليل.

 وبذلك عج التاريخ بركام كبير من الاكاذيب بما نجم عن تلك النزاعات فاصبح البحث عن الحقيقة والتوسل الى استخلاص الواقع شقاء ما بعده شقاء محاطا بعوائق وصعوبات جمة بعد ان ادى تقادم الزمن واستمرار القناعات بما صدر عن مصادر التعصب وجهات الانقسام وغلو التطرف وهيمنة الانغلاق والتحجر الى ان اكتسب شكلا ثابتا يقف بوجه منطق العقل وموجات الوعي والاستنارة التي تنمو بين الدارسين والباحثين والمحققين المتصفين بروح العلم والموضوعية مما حدى بالمفكر الاسلامي المصلح الامام محمد عبده الى تشخيص الداء ووصف الدواء ومحورها (العلماء) حيث يقول: (والسبب في بقاء قوة السلطان الخلاف والنزاع و تفشى الجهل وتعصب اهل الجاه من العلماء لمذاهبهم التي ينتسبون اليها وبجاهها يعيشون ويكرمون وتايد الامراء والسلاطين لهم والاستعانة بهم في اخضاع العامة وقطع طرق الاستقلال العقلي على الامة لان هذا أعون على الاستبداد واشد تمكينا لهم مما يحبون من الفساد والافساد... فاتفاق كلمة علماء الامة واجتماعها على الحق كذا بدليل كذا ملزم للحاكم باتباعهم فيه لان الخواص إذا اتحدوا واتبعتهم العوام وهذه هي الوسيلة الوحيدة لمنع استبداد الحكام فالدين يأمر برفع الشقاق ونبذ التنازع وبالاعتصام بحبل الوحدة والتعاون وهذا معنى قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)ال عمران: 103وقوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا)الانفال: 46 وقول النبي (ص): (لاترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم اعناق بعض) وهنا يعترف الناظر بعين البصيرة فلايمارى اولا يكون عبدا لغيره وقد خلقه الله حرا ولكن بحسرة ولوعة على ما اجترح من فضائع حيث يؤكد الامام محمد عبده: (وقد خالفنا كل هذه النصوص فتفرقنا وتنازعنا وحارب بعضنا بعضا باسم الدين لاننا سلكنا مذاهب متفرقة كل فريق يتعصب لمذهبه ويعادى سائر اخوانه المسلمين لاجله زاعما انه بهذا ينصر الدين...!!وليس في ذلك إلا خذلانه بتفريق كلمة المسلمين هذا سنى وهذا شيعي وهذا شافعى يغرى التترى بحنفي وهذا حنفي يقيس الشافعي على الذمية) مالايجوز الخلاف بين المسلمين ص65-66..

وينقلنا الامام السخاوى الى ما وصلت اليه امور المسلمين من التشرذم نتيجة للعصبية المقيتة جاء في الاعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوى ص130و131يقول التاج السبكي: (ولقد رأيت في طوائف المذاهب من يبالغ في العصبية بحيث يمتنع بعضهم عن الصلاة خلف بعض الى غير هذا مما يستقبح ذكره).

حتى لتبلغ حدة الصراع المذهبي خيانة الملة الاسلامية حيث يطلعنا على نماذج مرعبة من ذلك التعصب العلامة محمد رشيد رضا صاحب المنار: (ومن اغرب ماتجد ان العدوان بين الشافعية كان من اسباب حملة التتار على المسلمين تلك الحملة التي كانت اول صدمة صدعت بناء قوة المسلمين صدعا لم يلتئم من بعدها جمعهم ولاتماسكة ريحهم: (أدر طرفك في بلادهم اليوم وانظر حال هذه المذاهب على ضعف الدين في نفوس الجماهير تجد باسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى كما قال الله تعالى في وصف من لا إيمان لهم ولا ايمان) الوحدة الاسلاميةص2

صدق عليهم ابليس ظنه او نفاق مرتزقة المعممين..

ان تفاقم ظاهرة التطرف والتعصب المذهبي حتى انسحبت على تغيير المرء مذهبه ومعتقده وما يؤمن به وهذا شيء صعب للغاية وخطير وبالخصوص على سدنة الدين وأئمة الطوائف حتى تحول كثير من العلماء من مذهبا الى مذهبا تقربا الى السلطان والحظوة لدى الانام وطلبا للدنيا والحصول على الجوائز وحطام الدنيا.. وفي صدر الاسلام ونهضة الامام الحسين نبه لما لمسمه من اطماع رجال الدين ومرتزقة المعممين فخاطبهم قائلا: الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يديرونه مادرت معائشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون..) فقد تحول كثير من الشافعية الى الحنفية لأجل الدراهم وذلك ان الامير (بلبغا بن عبد الله الخاصكي) كان يتعصب لمذهب الحنفي ويعطي لمن تحول اليه العطاء الجزيل وجاول اخر عمره ان يجلس الحنفي فوق الشافعي شذرات الذهب ج6 ص213 ويحدثنا ابن خلكان في وفيات الاعيان ج1ص301 عن الشيخ الامدي المتوفي سنة 631 هجرية كان اول اشتغاله حنبلي المذهب ثم انتقل الى مذهب الشافعي.وهذا الشيخ علي بن الحسن الملقب بسيف الدين كان حنبليا ثم صار شافعيا وتعصب عليه فقهاء البلاد وحكموا عليه الكفر والزندقة مراة الجنان ج4ص24

وقد واجه كثير من العلماء بلاء عظيما عندما يتحولون من مذهب الى مذهب حتى قالو(إن من يصير حنفيا يخلع عليه ومن يصير شافعيا يعزر) انظر الدين الخالص ج3 ص355 الى هذه الدرجة من الامور وصلة حالة المسلمين والتي ابتلي بها الاسلام إنما هي جنايات علماء السوء ومرتزقة المعممين ووعاظ السلاطين الذين تزلفوا للحكام طمعا وتعصبا للباطل.

ولما انتقل ابو البركات الحنفي إلى مذهب الحنبلي فاذاه الحنفية فنتقل إلى مذهب الشافعي فقال المؤيد التكريتي في هجائه:

الا مبلغ عني الوزير رسالة***وإن كان لاتجدي إليه الرسائل

تمذهب للنعمان بعد ابن حنبل***وذلك لما أعوزتك الماكل

وما اخترت رأي الشافعي تدينا***ولكنما تهوى الذي هو حاصل

وعما قليل أنت لاشك صائر***إلى مالك فافهم لما انا قائل

وهذا ابو بكر البغدادي الحنبلي تحول شافعيا لأجل الدنيا وولي القضاء وكان أبو المظفر يوسف بن سبط الجوزي حنبليا نقله الملك المعظم الى المذهب الحنفي شذرات الذهب ج5 ص267.

فهذا أبو سعيد المتوفي سنة 562 هجرية كان حنفي المذهب وتحول شافعيا ولقى عناء وامتحان لذلك وهذا العلامة السمعاني لما انتقل من مذهب الحنفي إلى المذهب الشافعي لقي محنا وتعصبا وقامت الحروب على ساق واضطرب اهل مرو لذلك اضطرابا فظيعا وفتحت باب المشاقة وتعلق أهل الرأي بأهل الحديث وساروا إلى باب السلطان إلى اخر ما وصفه السبكي في طبقاته طبقات الشافعية ج3ص22.

وكثير من امثاله من العلماء الذين قتلوا بسيف التعصب بشهادة رجال دين وفقهاء ذلك العصر ولايستبعد ان ذلك كله محض افتراء وانها الاهواء التي تعمي وتصم وأن اكثر هؤلاء هم بريئون ممانسب اليهم وقد استساغ أعداؤهم شهادة الزور ضد من يخالفهم مذهبا تعصبا وجهلا.. حتى انه استفتى بعضهم في شهادة على شافعي زورا فاجابه المفتي او القاضي ألست تعتقد ان دمه وماله حلال ؟! قال: نعم. قال: فما دون ذلك فاشهد وادفع فساده عن المسلمين...!

ولبلوغ موجة التعصب حدا طفح به السيل والاخطر الجسيم حتى اصبح التكتم بالمذهب لازما حفاظ على النفس من القتل والقائها في التهلكة لذلك كان واجبا الاخذ بالتقية وفي هذا يقول الحنبلي أبو بكر محمد بن عبد الباقي المتوفي سنة 535 هجرية:

احفظ لسانك لا تبح بثلاثة***سن ومال ما استطعت ومذهب

فعلى الثلاثة تبتلى***بمكفر وبحاسد مكذب

ويعطينا الامام (الزمخشري) صورة واضحة عن صور الخلاف وشدة التطاحن بين المذاهب وطعن البعض على البعض وما وصلوا اليه من اسفاف وسخف بقوله:

إذا سألوا عن مذهبي لم ابح به***واكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنفيا قلت قالوا بأنني***أبيح الطلى وهو الشراب المحرم

وإن شافعيا قلت قالوا بأنني***أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن مالكيا قلت قالوا بأنني***أبيح لهم أكل الكلاب و هم هم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه***يقولون تيس ليس يدري ويفهم

الكشاف ج2ص498 و(التيس) وهو ذكر لعنزة او السخل وهو مضرب المثل في الغباء والبلادة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 25/شباط/2012 - 2/ربيع الثاني/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م