السنة النبوية والإسلام السلطوي

علي حسين كبايسي

من يٌصَدق أن من يدعي الدفاع عن حياض السنة النبوية، ويجعل منها شعارا له ويحارب تحت عنوانها كل من خالفه من الفرق المبتدعة الضالة كما أوهم ويوهم بالدعاية الكاذبة أتباعه، أن من أحاطهم بسياج القداسة هم من حاربوا السنة النبوية الشريفة وحاولوا طمسها عبر التاريخ، وإلا لماذا مٌنع تدوين السنة الشريفة من زمن انتقال الرسول الأعظم (ص) إلى الرفيق الأعلى إلى أن رفع الحظر عمر بن عبد العزيز، فكانت البداية المحتشمة لكتابة الحديث، ثم تكللت فيما بعد بكتب الحديث التي ترفق كل حديث بسلسلة طويلة من العنعنة، ويكفي العنعنة خير دليل ملموس يثبت هذه الحقيقة.

دليل النهي في عهد الرسول (ص):

1. في مسند أحمد بن حنبل قال عبد الله بن عمرو بن العاص كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أريد حفظه فنهتني قريش فقالوا إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ورسول الله صلى الله عليه [وآله]وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم فقال: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا حق."، من هم "قريش" الذين منعوا تدوين سنة رسول الله (ص)، وشككوا في عصمته!!.

2. في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي (ص) مرضه الذي مات فيه، قال: ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي، فقال عمر: قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله، وكثر اللغط، فقال النبي (ص): قوموا عني لا ينبغي عندي التنازع. قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله ".

دليل النهي بعد وفاة الرسول (ص):

1. أ ـ ورد عن عائشة أنَّها قالت: "جَمَع أبي الحديث عن رسول الله (ص) وكانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً. قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟ فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها. فقلت: لِمَ أحرقتها؟، قال: خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه ووثقتُ [به]، ولم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك".

ب ـ جاء في تذكرة الحفّاظ: ومن مراسيل ابن أبي مُليكة: " أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله (ص) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه".

2. أ ـ عن عروة بن الزبير: إنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله (ص)، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً، ثمّ أصبح يوماً، وقد عزم الله له، فقال: إنّي كنت أردت أن أكتب السنن، وإنّي ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً، فأكبّوا عليها، فتركوا كتاب الله تعالى، وإنّي والله لا أُلبِسُ كتابَ الله بشيء أبداً.

 وروي عن يحيى بن جعدة: " أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن يكتب السنّة ثمّ بدا له أن لا يكتبها. ثمّ كتب في الأمصار: من كان عنده منها شيء فليمحُه".

 ب ـ عن القاسم بن محمّد بن أبي بكر: إنّ عمر بن الخطّاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب، فاستنكرها وكرهها، وقال: أيُّها الناس! إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبُّها إلى الله أعدلها وأقومها، فلا يُبقينَّ أحدٌ عنده كتاباً إلاّ أتاني به، فأرى فيه رأيي. قال: فظنّوا أنّه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها على أمرٍ لا يكون فيه اختلاف، فأتَوْه بكتبهم، فأحرقها بالنار!! ثمّ قال: أُمنية كأُمنية أهل الكتاب. وفي الطبقات الكبرى: "مثناة كمثناة أهل الكتاب".

فكلا الخليفتين ألزموا الناس خداعا بكتاب الله تعالى، ومنعوا سنة رسول الله (ص) رواية وتدوينا، ولكن الاسلام السلطوي دفاعا عن الخليفتين ابتدعوا تبريرات بتكلفات مجحفة وتناقضات عجيبة تمس بالرسول (ص) وتعارض القرآن الكريم، فالكل عندهم يخضع للموروث المقدس ولوكان القرآن والرسول يتعارض مع مبانيهم!!.

 قالوا أن سبب النهي خشية أن تختلط السنة بالقرآن الكريم، فناقضوا القرآن الكريم "قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوكَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]"،" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود: 13]"،"وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة: 23]"، فمن إعجاز القرآن تحديه للعرب العاربة والمستعربة أن يأتوا بسورة من مثله، فبهتوا أمام بلاغة القرآن وقوة بيانه، وشهد شاهد منهم إذ قال الوليد بن المغيرة:" سمعت منه كلامًا ليس من كلام الجن ولا من كلام الإنس، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وان أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه ".

 مشركو قريش يشهدون بأن القرآن ليس بكلام بشر، ولم يشككوا أنه من نظم الرسول (ص)، ولكن الإسلام السلطوي ترضية لأصنامه يشكك باختلاط القرآن بالحديث فيسقط حجية القرآن ورسالة الرسول (ص).

قالوا أن الرسول (ص) منع تدوين الحديث، في صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه [ وآله] وسلم: " لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار "، في مسند أحمد بن حنبل عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول صلى الله عليه [ وآله] وسلم: " لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن، ومن كتب شيئا سوى القرآن فليمحه "، ونتساءل: الرسول منع أن يكتب عنه شيئا سوى القرآن، فلماذا كتب مسلم صحيحه واحمد مسنده؟؟!!.

قالوا لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم استغنوا بذلك عن الكتابة!!، فلماذا كتبوا القرآن!!، وما ذنب الأعاجم الذين ليس لهم سعة حفظ الفيلة!!، أن يدونوا لهم السنة، أم السنة يستغنى عنها بإدعائهم" بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه"، " حسبنا كتاب الله "، فكانت دعواهم تتعارض مع القرآن الكريم "وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64]"، "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7]"، "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب: 36]"، فالرسول مبين للقرآن الكريم، فللقرآن محكم ومتشابه " هُو الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران: 7]"، الخليفة الثاني جهل التيمم وغفل الآية "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَو عَلَى سَفَرٍ أَوجَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَو لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء: 43]"، ففي صحيح مسلم عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه: " أن رجلا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذا أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي (ص): إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به ".

 وعجز كل من الخليفتين الأول والثاني في فهم آية الكلالة "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُو يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء: 176]"، في الدر المنثور للسيوطي: أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة والدرامي وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن الشعبي قال‏:‏ " سئل أبوبكر عن الكلالة فقال‏:‏ إني سأقول فيها برأيي، فإذا كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله منه بريء، أراه ما خلا الولد والوالد، فلما استخلف عمر قال‏:‏ الكلالة ما عدا الولد، فلما طعن عمر قال‏:‏ إني لأستحي من الله أن أخالف أبا بكر رضي الله عنه " ‏، وفي سنن الدارمي: أخبرنا يزيد بن هارون ثنا عاصم عن الشعبي قال سئل أبوبكر عن الكلالة فقال إني سأقول فيها برأيي فان كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد والولد فلما استخلف عمر قال إني لاستحيي الله إن أرد شيئا قاله أبوبكر.

في صحيح البخاري: (عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل. والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا). في صحيح مسلم: (عن معدان بن أبي طلحة، أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر ثم قال: إني لا أدع بعدي شيئاً أهم عندي من الكلالة! ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة! وما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء؟!!. وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن).

 ونستخلص أن الخليفة الثاني سأل النبي صلى الله عليه وآله عنها تكرارَا ومراراً فوضحها له دون أن يفهمها!، وبتكرار السؤال غضب عليه النبي صلى الله عليه وآله لعدم فهمه لشرحه إياها!! رغم أنها من الواضحات، فالخليفتان جهلا المحكم فما خبر المتشابه!!.

وهل فعلا لهم هذه السعة العظيمة في الحفظ!!، في مسند احمد (قال أبو موسى الاَشعري:" لقد ذكّرنا عليّ بن أبي طالب صلاةً كنّا نصلّيها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إمّا نسيناها، أوتركناها عمداً ")!!، في سير أعلام النبلاء والإصابة (قالت أُمّ الدرداء: دخل علَيَّ أبوالدرداء مغضباً، فقلتُ: مَن أغضبك؟!، قال: " والله لا أعرف فيهم من أمر محمّد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً ")!!، الصلاة عماد الدين تؤدى على الأقل خمس مرات في اليوم فتنسى!!، في مسند أحمد وسنن دار قطني ثبت عن زيد بن أرقم، كبّر على الجنازة خمساً، فاستنكروا عليه، فقال: "سُنّة نبيّكم"... ولن أدعها لأحد بعده... ولن أدعها أبداً "، اختلفوا في عدد تكبيرات الجنازة هل هذا نسيان أم تناسي، أم أمر محدث!!، روى البخاري في باب مرض النبي (ص) ووفاته عن ابن عباس: وأوصاهم بثلاث قال:" أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وسكت عن الثالثة أوقال: فنسيتها ". نسى أم تناسى الثالثة، كلاهما الطامة فإن تناسى، فماذا أخفى عن الأمة وحمل وزر التناسي إلى يوم الدين، وأن نسي فكيف ينسى واحدة من ثلاث أهذا هو سيلان الأذهان وسعة الحفظة!!!. كثير من سنة الرسول الكريم (ص) بٌلغت بالمعنى، فمن يجزم أنهم بلغوا مقاصد الرسول (ص) ولم ينحرف معناهم عن الحقيقة، ألم يكن التدوين هو المخرج من هاته الضائقة.

يعترفون أن الخليفة الثاني حفظ سورة البقرة في اثني عشر سنة، لأنه لا يحفظ الآية إلا بعد تدبرها، فلماذا غابت عنه آية المباهلة!!؟، وشهد شاهد من أهلها حيث يقول محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبوعبد الله ابن القيم الجوزي في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين: " وخفي على عمر تيمم الجنب فقال لو بقي شهرا لم يصل حتى يغتسل وخفي عليه دية الأصابع فقضى في الإبهام والتي تليها بخمس وعشرين حتى أخبر أن كتاب آل عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قضى فيها بعشر عشر فترك قوله ورجع إليه وخفي عليه شأن الاستئذان حتى أخبره به أبو موسى وأبو سعيد الخدري وخفي عليه توريث المرأة من دية زوجها حتى كتب إليه الضحاك بن سفيان الكلابي وهو أعرابي من أهل البادية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أمره أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وخفي عليه حكم إملاص المرأة حتى سأل عنه فوجده عند المغيرة بن شعبة وخفي عليه أمر المجوس في الجزية حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر وخفي عليه سقوط طواف الوداع عن الحائض فكان يردهن حتى يطهرن ثم يطفن حتى بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك فرجع عن قوله وخفي عليه التسوية بين دية الأصابع وكان يفاضل بينها حتى بلغته السنة في التسوية فرجع إليها وخفي عليه شأن متعة الحج وكان ينهى عنها حتى وقف على أن النبي صلى الله عليه وسلم - أمر بها فترك قوله وأمر بها وخفي عليه جواز التسمي بأسماء الأنبياء فنهى عنه حتى أخبره به طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم - كناه أبا محمد فأمسك ولم يتماد على النهي هذا وأبو موسى ومحمد بن مسلمة وأبو أيوب من أشهر الصحابة ولكن لم يمر بباله رضي الله عنه أمر هوبين يديه حتى نهى عنه وكما خفي عليه قوله تعالى إنك ميت وإنهم ميتون وقوله وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم حتى قال والله كأني ما سمعتها قط قبل وقتي هذا وكما خفي عليه حكم الزيادة في المهر على مهر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - وبناته حتى ذكرته تلك المرأة بقوله تعالى وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فقال كل أحد أفقه من عمر حتى النساء وكما خفي عليه أمر الجد والكلالة وبعض أبواب الربا فتمنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان عهد إليهم فيها عهدا وكما خفي عليه يوم الحديبية أن وعد الله لنبيه وأصحابه بدخول مكة مطلق لا يتعين لذاك العام حتى بينه له النبي صلى الله عليه وسلم - وكما خفي عليه جواز استدامة الطيب للمحرم وتطيبه بعد النحر وقبل طواف الإفاضة وقد صحت السنة بذلك وكما خفي عليه أمر القدوم على محل الطاعون والفرار منه حتى أخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها فإن وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه ".

إن صيغة التشهد في الصلاة تختلف من مذهب لآخر، فبأي تشهد كان الرسول (ص) يتشهد في صلاته؟ أهذا لسعة الحفظ؟؟!، وللتشهد نكتة في المذاهب السلطوية، فالمتعارف عليه من الأدب واللياقة تستوجب التسليم عند توديع جماعة، وكذلك الخروج من الصلاة، وفي التشهد الأول يسلم المصلي فيستلزم خروجه من الصلاة، فكيف يكمل صلاته مع الانقطاع؟!!.

سؤال يطرح نفسه بعد ما تبين قطعية عدم تدوين الحديث الشريف، ما الغاية من منعه؟؟، والمتمعن في حديث رزية الخميس التي جعلت ابن الخطاب يطعن في شخص الرسول (ص) بالهجر ليمنعه كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبدا، وظلم أهل بيته مع صاحبه في منع فاطمة عليها السلام من فدك، وإلزام علي عليه السلام بالبيعة أو القتل، وضرب سنة رسول الله عرض الحائط، في مسند أحمد: حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله]: " إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عز ّوجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض."، فغاية منع التدوين إخفاء فضل أهل البيت عليهم السلام، وشرعيتهم في خلافة الرسول الأعظم (ص).

العنعنة تمخض عنها علم الجرح والتعديل في السند، فمع ضعف السند يضعف أو يبطل الحديث، ولوكان قويا في المتن، وعند تتبع دراسة السند عند القوم تجدهم يوثقون النواصب، فأحمد بن حنبل يقول عن حريز بن عثمان ثقة ثقة، والرجل يلعن عليا عليه السلام بالغداة والعشي، قال ابن حبان:" كان يلعن علي بن أبي طالب بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة! ويقول: قتل آبائي وأجدادي!!."، ويخالف الرسول (ص) الذي يقول: " يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"، والغريب من يوالي عليا (ع) يسقطون حديثه ولوكان زاهدا متعبدا صادقا تحت عنوان "شيعي"، والويل له أن قدم علي (ع) على عثمان فيصبح رافضيا!!، وإن قدمه على الخليفتين الأول والثاني يصبح رافضيا مغال!!، فسنة رسول الله (ص) عند الاسلام السلطوي تؤخذ من النواصب ومتزلفي بني أمية والوضاعين الكذابين، ومن أصحاب الإسرائيليات، فماذا بقى للسنة المحمدية الحقيقية لديهم؟!.

إن منع تدوين سنة رسول الله (ص) كانت له انعكاسات خطيرة على الدين الإسلامي في فهم إحكامه، وتبيين كنوز القرآن العظيم، ووقوفه سدا منيعا أمام الإسرائيليات التي يعج بها الموروث الإسلامي، حسبنا الله ونعم الوكيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 19/شباط/2012 - 26/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م