من محاسن الإدارة الأمريكية!

د. عادل محمد عايش الأسطل

لعل من أبرز المنح الأمريكية، المغدقة على الشعب الفلسطيني، تأتي من خلال رؤية الإدارة الأمريكية لجوانب القضية الفلسطينية المختلفة، ورؤيتها لما وصلت إليه تطورات مسيرة المصالحة الوطنية الفلسطينية هذه الأيام، حيث توضحت بدايةً من خلال تفهمها لممارسات الاحتلال الصهيوني، وتساوقها معه في رؤاه، القاضية إلى نسف أي إمكانية، للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين والعرب بوجه عام، ومن ناحيةً ثانية، دأبها على اعتماد المواقف المتذبذبة وأكثرها غموضاً، ليس على مستوى القضية الفلسطينية وحسب، بل العالمين العربي والإسلامي، إضافةً إلى قيامها كالعادة بربط مساعداتها المالية والإنسانية، بمواقف تلك الدول من ناحية "إسرائيل" من جهة، ومصالحها المختلفة آنياً واستراتيجياً من جهةٍ أخرى.

الولايات المتحدة في هذه الأثناء وخلافاً لموقف "إسرائيل"، كانت أعربت عن عدم معارضتها لاتفاق المصالحة الفلسطينية "اتفاق الدوحة" الذي تم توقيعه من قبل الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" ورئيس المكتب السياسي "خالد مشعل" بالرغم من قرار القيادة الفلسطينية، بعدم العودة إلى عمان لإجراء محادثات مع إسرائيل، في أعقاب فشل الجولات الاستكشافية الأربع، التي كانت عقدت بين الجانبين برعاية الملك الأردني في العاصمة عمان، وباتجاه القيادة الفلسطينية "المغيظ" لكلٍ من الولايات المتحدة و"إسرائيل" إلى لجنة المتابعة في جامعة الدول العربية. لمواجهة تطورات الأحداث في ضوء المواقف الأمريكية والإسرائيلية، المتآكلة والمحبطة للطموحات والتطلعات العربية والفلسطينية.

حيث أعلنت الولايات المتحدة، بأن إدارتها، لا تعارض السلطة الفلسطينية في سعيها، إلى توقيع "إعلان الدوحة"، والذي يوجب على الفلسطينيين تشكيل حكومة برئاسة الرئيس "عباس"، وذلك كجزء من المصالحة بين حركتي فتح وحماس. ومن ناحيةً أخرى اعتبرت أمر المصالحة، هو شأن داخلي، لا تنظر إليه الولايات المتحدة كأمرٍ خارجٍ عن المألوف، وهي مسألة داخلية تخص الفلسطينيين فقط.

هذا ما كان ظاهراً للوهلة الأولى، ولكن الموقف الحقيقي، هو بلا شك مخالفاً تماماً لما ورد، ويتوضح ذلك في عدد من الأمور، وأولها، إن الولايات المتحدة تقف على الأعمال والأفعال، ولا تلتفت بأي حال للأحاديث والأقوال، وهو ما كان ورد على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية، "فيكتوريا نولاند"، التي أعلنت بأن واشنطن لا تزال تنتظر تفاصيل أكثر وضوحاً عن الاتفاق من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن ما يهم بالنسبة للولايات المتحدة، هي المبادئ التي ستتوجه إليها الحكومة المشكلة، بحيث يكون لها دور إيجابي في عملية السلام، وبناء دولة مستقلة".

وكانت أدامت "نولاند" تأكيد الإدارة الأمريكية، على وجوب توافر الشروط الملائمة للإدارة الأمريكية- الإسرائيلية، والحد الذي توافق عليه المجتمع الدولي، و"التعجيزية" لدى السلطة الفلسطينية وحركة حماس، لكي يمضي هذا الاتفاق إلى الأمام، ومن ضمنها، تخلّي "قبولاً أو اضطراراً"، أية حكومة فلسطينية جديدة عن العنف، بشكل لا لبس فيه، والاعتراف بدولة "إسرائيل"، وقبول جميع الاتفاقات والالتزامات السابقة بين الطرفين، بما في ذلك" خريطة الطريق.

وأيضاً كانت اعتمدت الولايات المتحدة، في عدم معارضتها الاتفاق، هو استنادها، إلى العلم مسبقاً، بحقيقة المواقف الفلسطينية المختلفة، والتي في أغلب الظروف ستكون محبطة للاتفاق، وهذا بالفعل ما تبين في العديد من المواقف المختلفة فلسطينياً، على الساحة الحزبية والشعبية، وخاصة داخل حركة حماس نفسها، والتي كانت حاولت قدر الإمكان، التغطية على مواطن الاختلافات بين قادتها ومسئوليها، وإبراز موافقة رئيس وزراء الحكومة في غزة "إسماعيل هنية" وترحيب رئيس وزراء حكومة رام الله "سلام فياض" بذلك الاتفاق، حتى تم كشفها من قبل القيادي في الحركة السيد" محمود الزهار" حين أكد وجود مثل تلك الاختلافات داخل صفوف الحركة، وهي ما تنذر بنسف أو عرقلة ذلك الاتفاق، إذا لم تُجرَ عليه التعديلات اللازمة، وخاصة في ضوء عدم دستوريه أحد أهم بنوده، حسب ما قرر المجلس التشريعي الفلسطيني، والعديد من فقهاء القوانين الدستورية، وهو الأمر المتعلق برئاسة الرئيس "عباس" رئاسة الوزراء، وأيضاً التناقضات الحاصلة لتفاهمات القاهرة، المرتكزة على وجوب استقلالية الحكومة التي سيتم تشكيلها في المستقبل.

إضافةً إلى أن الولايات المتحدة، كانت أرادت درء الحرج عنها، في حال إعلانها الرفض صراحةً لذلك الاتفاق، فكانت اعتمدت من ينوب عنها، وهو "إسرائيل" التي أعلنت من فورها، إدانة الاتفاق الفلسطيني، وعدم الاستجابة معه، حيث أسهب من القدس رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو"، في إعادته تخييراته المعهودة، فيما إذا كان أبو مازن سيختار تنفيذ الاتفاق مع حماس، أو المضي على طريق السلام" على أساس عدم إمكانية الجمع بين حماس "الإرهاب" وطريق السلام، فهما متنافران ولا يسيران جنباً إلى جنب، لا سيما في ضوء نيّة حماس، العمل باتجاه تدمير إسرائيل، بالاعتماد على الدعم الإيراني، بالإضافة إلى إعلانه عن التهديدات المنصوبة والتي سيتم تفعيلها، لتطال السلطة الفلسطينية وحكومتها، إن هي قامت إلى مواقف أحادية الجانب، أو سلوكاً مخالفاً للمصالح الإسرائيلية.

 وأيضًا كان أعلن، وزير الخارجية الإسرائيلي"أفيغدور ليبرمان" أمام أعضاء في مجلس الأمن الخميس الفائت، أن "إسرائيل" لن تقبل بحكومة فلسطينية، تشارك فيها حركة حماس، إلاّ إذا بدّلت سياستها، وأقرت بحق إسرائيل في الوجود، ووافقت على شروط اللجنة الرباعية. واعتبر أن "اتفاق الدوحة"، يعكس المصالح الشخصية لعباس ومشعل، ولا يؤدي إلى تقدم مفاوضات السلام، ولا إلى تأمين مصلحة الشعب الفلسطيني.

ومن السياق، تتوضح الصورة التكاملية فيما بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، حيث يسيران جنباً إلى جنب، ومن غير تضارب بينهما، سواء في المواقف أو التصريحات، وفي جميع المشاهد السياسية، وهي بلا شك تعد من محاسن الإدارة الأمريكية بالنسبة لإسرائيل، الأمر الذي يجعل من مسألة التصديق، على أن المصلحة الإسرائيلية هي ذاتها المصلحة الأمريكية، مسألةً حتمية لا شك فيها. والتي من غير المفيد أن يدعي العرب والفلسطينيين العلم بها، من دون مواجهتها بكافة الوسائل والإمكانات، وهي كما يبدو كثيرة وفعّالة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/شباط/2012 - 20/ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م