كاريكاتير سيء الطعم!

د. عادل محمد عايش الأسطل

كانت "إسرائيل" تنعق مع الناعقين، كلما نشرت بعض الصحف الغربية وخاصة الصحف الدانماركية والسويدية وما تبعها من صحف ومجلات بريطانية وفرنسية أخرى، صوراً كاريكاتورية، مسيئة للرسول الأعظم "محمد بن عبدالله" عليه الصلاة والسلام، أو للإسلام والمسلمين، حيث كان بدأها في تلك الفترة من عام 2007، السويدى "لارس فيلكس" وتقدح ما وسعها جهدها، ضد مشاعر وأخلاق وآداب العرب والمسلمين، سنّةً وشيعة ومذاهب إسلامية أخرى، على أن تلك الأفعال المنكرة والاستفزازية لديهم، وفي " ثقافتهم" إنما تعبر عن الحريات الشخصية والتعبير عن الرأي، كما تتطلبه مبادئ الديمقراطية المتنورة، والآخذة في النمو والتطور، خدمةً للبشرية على ظهر الأرض.

 بل وغالباً ما ألقت "إسرائيل" باللائمة علي العرب والمسلمين، دولاً ومؤسسات، حين كانوا وفي كل مرة، يطالبون بالتراجع عنها والاعتذار، أو عندما قاموا بالدعوة إلى التهديد بالمقاطعة السياسية والاقتصادية، للدول الراعية لتلك الرسوم، وردت عليهم احتجاجاتهم واستنكاراتهم وانتفاضاتهم المختلفة، بل وسمحت "إسرائيل" لصحفها، بإعادة نشر أكبر عددٍ ممكنٍ لتلك الرسوم والابتداع عليها أيضاً، حتى قامت مؤسساتها المختلفة بإعمال الفكر، في كيفية تكريس الإساءات لجموع العرب والمسلمين في دينهم ومذاهبهم، مفهوماً ومضموناً، وكانت لجأت بعض المؤسسات، إلى كتابة شعارات مسيئة ومزرية، ضد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، على ملابس خاصة بوحدة الاستخبارات العسكرية، وتعديات "دينية" أخرى، وحتى تراثية وما يقع على شاكلتها، التي في الأصل كانت نفتها القواعد والمبادئ الأخلاقية الدولية بين الأمم.

"إسرائيل" التي كنا نراها بالأمس وعند مناسبات مسيئة كهذه، وهي ضاحكةً مستهترة، لم تكن هي التي نراها، عندما تشعر بأن أحد من الخلق يريد المس بهيبتها، أو النيل من مكانتها، ففي الحال وعند كل حادثةٍ كانت تدعي بأنها تصيبها، سرعان ما ترفع شعار "معاداة السامية" وتلوح بالويل له ومن خلفه، من قبل الموساد، ومن قبل الدولة التي ينتمي إليها. ناهيك عن أن الدول الغربية نفسها، هي من تضع القوانين المجرِّمة، لمن تسول له نفسه، الإقدام على قولٍ أو فعلٍ تراه "إسرائيل" مساساً بها، والاعتذار والتعويضات زيادة.

كانت نشرت صحيفة أرجنتينية تُدعى " فاهينا 12" خلال الأيام القليلة الفائتة، رسماً كاريكاتورياً كوميدياً ضد اليهود، للرسام والكاتب الهزلي "غوستافو سالا"، والذي كان عبارة عن رسمٍ، يمثل "أودلف هتلر" بدا على نشوةٍ وسعادة، أمام معسكر لسجناء يهود، وهو يسعى لإقناعهم بالفرح والابتهاج، فيقول لهم :"ارقصوا وتشجعوا، عليكم أن تكونوا سعداء لأن الحياة قصيرة، وسوف يكون الصابون أفضل، عندما تكون الأعصاب لديكم هادئة".

 أثار هذا الرسم منذ لحظة صدوره، غضباً شديداً وسخطاً عاماً، لدى الدوائر الإسرائيلية الرسمية والشعبية في الداخل، ونددت به الجماعات اليهودية في دولة الأرجنتين وفي العالم. واعتبروه رسماً معادياً للسامية، وساخراً لمأساة اليهود ومعاناتهم، حيث لا يولون السجناء اليهود أية استجابة، لعلة أنه لا يوجد سبب للابتهاج، بل للذعر والرهبة، لأنهم يواجهون الموت وأجسادهم سيصنع منها الصابون.

وكان حاول "سالا " المدافعة عن نفسه، خلال مقابلات مع وسائل إعلام أرجنتينية وأجنبية كثيرةٍ أخرى، بتبريره أن ذلك الرسم، لم يكن يهدف إلى "الاستفزاز " أو إلى معاداةً السامية، بل كان في نطاق حرية الرأي والتعبير، ومحاكاة ساخرة للتعامل مع الصور النمطية، لحياة اليهود وأسماءهم المختلفة في ذلك الوقت، وعندما جالت الفكرة في رأسي، لم أكن أعتقد أنها تمثل "صدمة كبيرة" لليهود أو غيرهم.

حرية الرأي والتعبير في هذه الحادثة، لم تسعف صاحبها في هذا الموقف، الأمر الذي جعل العالم الغربي ينتفض دفعةً واحدة، علاوة على دولة الأرجنتين نفسها، حيث بدأ الوعد والوعيد كل من جهته وصلاحياته ورسمه ولقبه، حتى نزلت دولة الأرجنتين قيادةً وشعباً على ركبتيها، وأعلنت عن الاعتذار كما يُستحب، ووضعت نفسها أسفل طائلة المسئولية، وتحت إمرة المطالب الإسرائيلية، وتعهدات أخرى صارمة، بعدم العودة إلى ذلك الفعل، وقامت الصحيفة بنشر الاعتذار في اليوم التالي مباشرةً، وفي المكان الذي وضع فيه ذلك الرسم. وتحت عنوان عريض يقول" إننا نأسف للآلام التي حصلت لليهود.

هنا وكما عند كل حالةٍ مشابهة، يتبادر إلى الذهن تساؤلات عِدة، وأهمها: لماذا يتوجب على العالم إلى تقديم آيات الاعتذار إلى "إسرائيل" ولا يلتفت أحدهم إلى أية دعوة مماثلة باتجاه أمم العرب وعامة المسلمين، هذا التساؤل يُوضع لدى القادة والزعماء العرب والمسلمين، وليس للشعوب العربية والإسلامية، ذلك لأنها تعرف الجواب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 25/كانون الثاني/2012 - 1 /ربيع الأول/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م