فقه الدولة: السلطة القضائية

الشيخ فاضل الصفّار

يعدها بعض علماء القانون الوضعي من السلطات السياسية الثلاث، والظاهر أن إطلاق السياسة أو التنفيذ عليها من باب التسامح والتوسعة في التعبير؛ وذلك لعدم انطباق معنى السياسة والتنفيذ عليها، فإن السياسة في معناها اللغوي[1] والعرفي تعني الإدارة، والقضاء لا يدير كما أنه لا ينفذ وإنما يقضي فقط، والمدير الحقيقي للبلاد هي السلطة التنفيذية، كما أن الظاهر أن بين السلطات الثلاث نوعاً من التقدم الرتبي أو التقدم بالعلية، إذ تقع السلطة التشريعية في الرتبة الأولى من السلطات لكون التشريع هو المطلوب أولاً، والتنفيذ والقضاء متفرع عنه، وبالتالي فهو أشرف. هذا بحسب التقدم الرتبي، واما بحسب التقدم بالعلية فيمكن تقريره بالقول: إن السلطة معلولة للحاجة إلى النظام، والنظام معلول للقانون، فالسلطة معلولة للقانون؛ لان علة العلة علة. هذا في عالمي التشريع والإثبات، وأما في عالمي التكوين والثبوت فالأمر بالعكس؛ لأن الحاجة إلى القانون متفرعة عن الحاجة إلى السلطة، وهي الاخرى متفرعة عن الحاجة إلى النظام، وهذه الثالثة متفرعة عن حب الإنسان لنفسه وكمالاته وحقوقه، فتأمل.

وكيف كان، فإن التشريع علة للتنفيذ، ثم يأتي بعده القضاء؛ لأنه لولا تضارب المصالح في التنفيذ أو تعارض الحقوق أو وقوع الإساءة والعدوان فيه لم يحتج إلى القضاء، فمهمة السلطة القضائية هي التدخل في موارد النزاع، سواء بين الأفراد أو المنظمات في دولة، أو بينهما وبين الدولة، أو بين الدول المختلفة؛ لأجل فصل الخصومة بعد معرفة القانون، أو تفصيل مجملات القانون، أو لأجل أن تفصل في فهم القانون وتفسيره، وهذا غالباً ما يحتاج إليه لدى التنازع بين القوتين التشريعية والتنفيذية، وتفصيل الكلام في ذلك يستدعي البحث في أمور:

الأمر الأول: في وجوه الحاجة إلى القوة القضائية

وهي عديدة، من أهمها أربعة:

الوجه الأول: الضرورة العقلية، وهي التي يتفق على الحكم بها العقلان النظري والعملي؛ وذلك لأن العدل مطلوب لذاته، والعقل يستقل بحسنه، فيحكم بوجوب العمل به، ويتبعه الحكم الشرعي أيضاً للملازمة بين ما يحكم به العقل والشرع؛ لكونه في سلسلة العلل للأحكام الشرعية، وهذا ما أرشدت إليه الأدلة النقلية من الآيات والروايات أيضاً. قال تبارك وتعالى:{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس}[2] ويظهر من الآية الشريفة أن إقامة القسط والعدل من الأهداف الأساسية لبعث الرسل (عليهم السلام) وإنزال الكتب ووضع الموازين المقررة، وقد جعل الباري عز وجل الحديد والسلاح ضمانة لتنفيذها وإجرائها وحمايتها، وفي الآية الشريفة إشارة إلى السلطنة والقوة على تطبيق الحق، وقال تبارك وتعالى:{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين}[3] وقال عز من قائل:{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}[4] وقال تبارك وتعالى:{قل أمر ربي بالقسط}[5] وقال عز وجل:{إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [6] وقال عز وجل:{وأمرت لأعدل بينكم}[7].

وفي أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك»[8].

وفي نهج البلاغة خطابا لعثمان: «فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة»[9] إلى غير ذلك من الأدلة التي يستظهر منها أن العدل مطلوب لذاته، وما يحكم به الشرع في الآيات والروايات هو إرشادٌ إلى الحكم العقلي.

الوجه الثاني: الضرورة الفطرية؛ وذلك لكونها قاضية بأن كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال وأنشطة ناشئة إما عن جلب المنافع أو دفع الأضرار؛ وذلك لما جبل عليه الإنسان بطبيعته الأولية على الانجذاب للملذات والاندفاع نحو تحصيلها والتنفر من الآلام والتحذر من الوقوع فيها. قال سبحانه وتعالى:{زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}[10] وفي الحديث الشريف: «يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان: الحرص وطول الأمل»[11].

 ومن الواضح أن الحرص وطول الأمل ينشئان من الغريزة، وحيث إن الحياة الدنيا قاصرة عن إيصال كل إنسان إلى لذته ومنفعته وإبعاده عن ألمه وضرره، وذلك لمحدودية المادة والإنسان معاً، بل ولقضاء الحكمة الإلهية بذلك جرياً على سنة الابتلاء والاختبار أوجب ذلك الوقوع في التضارب والتعارض بين المصالح والمنافع بين أبناء البشر، إما لجهة طموحات الإنسان العالية لنيل الأكثر وتحصيل المزيد من المنافع واجتناب الأضرار، أو لدفع الآخرين عنه أو عن حقوقه.

من هنا كان التضارب والتعارض والخوف والعدوان أموراً لازمت الحياة الإنسانية، فكان لابد من وجود سلطة منصفة بين الناس تعطي الحق لصاحبه، وتحميه من العدوان، هذا ما تحكم به الفطرة، ويتبعها حكم العقل والشرع؛ بداهة أنه لولا ذلك للزم إما ترك الناس في فوضى فيأكل القوي منهم الضعيف، أو إلغاء قانون الفطرة وإبطال فعل الغرائز الذي أودعه الخالق تبارك وتعالى تكويناً في جبلتهم، وكلاهما باطل؛ إذ يستلزمان الظلم والفساد ونقض الغرض ولغوية الخلق والتكوين في الدنيا، وهذه تتنافى مع حكمة الباري الحكيم عزوجل، فيثبت الثالث، وهو لا بدية وجود قوة ذات سلطنة تفرض العدل بين الناس، ويأمن في ظلها المظلوم، ويقتص من الظالم، وهذا ما يؤيده التاريخ البشري على اختلاف مذاهبه ومعتقداته ومستواه الفكري والاجتماعي؛ إذ ما انفكت المجتمعات حتى البدائية عن قاض وسلطة قضائية تحكم بين الناس، وتفصل في منازعاتهم.

الوجه الثالث: الضرورة الاجتماعية؛ إذ قد لا يتعمد الإنسان التجاوز على حق غيره، خصوصاً من أدبه الأنبياء والرسل، وهذّبته الأديان والشرائع، أو حظي بمستوى من العقل وعلوّ الهمة وكرامة النفس وغيرها من الكمالات التي تدعوه إلى الابتعاد عن الظلم والتجاوز، لكن هذا لا يمنع من أن يقع في شبهة في تفسير الحق ومعرفة ما له وما عليه في الحياة الاجتماعية، فيقع في التنازع والتخاصم مع غيره لأجل الوصول إلى حقه، أو تفسير الحق عن حسن نية ورغبة في العدالة والانتصاف، ومن هنا كان لابد من مرجعية ثالثة منصفة وموثوق بكفاءتها وخبرويتها وقدرتها على التشخيص يرجع إليها لرفع الإبهام والغموض؛ بداهة أن الرجوع إلى كل واحد من المتخاصمين غير جائز، وإبقاء المسألة من دون حل وانتصاف كذلك؛ لمنافاتهما للحكمة، فيتعين الثالث، وليس إلا سلطة القضاء.

 هذا ولا يخفى أن الأصل الأولي يقتضي عدم جواز تولي منصب القضاء إلا بّإذن من الله سبحانه؛ لكونه مستلزماً للولاية على الناس والتصرف في شؤونهم، والأصل الأولي هو عدم ولاية أحد على أحد.

الوجه الرابع: الضرورة الشرعية، وقد دلت عليها ضرورة الدين من جهتين:

الأولى: تشريعية؛ لاقتضاء حكمة الربوبية والولاية على الاشياء حفظ العدل في العالم تشريعا وتطبيقا، بل هو ماتقتضيه سنة الامتحان والاختبار التي جعلها الله سبحانه من غايات الدنيا والتكليف فيها، وذلك لايمكن الا بواسطة قضاء وقضاة ينتصفون للمظلوم.

ومن هنا تكفل الله سبحانه به مبدأ وختاما، وكان هو الحكم العدل في الدنيا والآخرة، وقد فوض تطبيقه إلى الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، كما دلت عليه الأيات [12] والروايات[13]، ثم من ولوهم ونصبوهم لهذا المقام الرفيع من الأمثل فالأمثل، كما لم تنفك رسالة من الرسالات أو شريعة من الشرايع منه، ولولا ذلك لاختل نظام التشريع أصلا، وانتقض غرضا.

وكيف كان، فإن ضرورة حفظ العدل وكمال الدين تشريعا وتطبيقا ومجاراة سنة الامتحان يقتضيان وجود القضاء والتصدي لمهامه، وإلا كان التشريع ناقصاَ.

الثانية: تطبيقية؛ لتوقف نظام النوع الإنساني عليه في حفظ النفوس والأموال والأعراض التي يعد حفظها من ضروريات الدين، وفي النبوي الشريفJ:«أن الله تعالى لايقدس أمة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه»[14]

ولعل من هنا قال بعضهم: إن مبدأه الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا[15]، وقد قامت الضرورة بين المسلمين على جواز تصدي الفقيه الجامع للشرائط له، بل وجوبه في بعض المراتب، بل عن المستند: القضاء واجب على أهله بحق النيابة للإمام في زمان الغيبة في الجملة بإجماع الأمة، بل الضرورة الدينية[16]، وإلاّ صار الأمر فوضى تستباح فيه النواميس التي قامت الضرورة الدينية على حرمتها، خصوصا في الدنيا الغرارة الخداعة مع مكائد الشيطان وإغوائه للبشر، وانجبال النفوس الناقصة على الظلم والنزاع واتباع الهوى؛ ولذا لا يجوز القضاء تكليفاً، ولا ينفذ وضعاً إلا من قبل الله سبحانه وتعالى؛ لكونه الخالق المالك، أو من ولاّه الباري عز وجل، أو أجاز له ذلك بالتنصيب الخاص أو العام، وهذا ما قامت عليه الأدلة، فمن الأول قوله سبحانه وتعالى:{إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}[17] وقوله سبحانه وتعالى:{والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير}[18].

ومن الثاني قوله سبحانه وتعالى:{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}[19] وقوله عز وجل:{يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}[20] وقوله عز وجل:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}[21].

ومن الثالث ما ورد في مصباح الشريعة عن مولانا الصادق (عليه السلام): «الحكم لا يصح إلا بإذن من الله وبرهانه»[22] وفي مقبولة عمر بن حنظلة عن الصادق(عليه السلام): «من تحاكم إليهم ــ أي قضاة الجور ــ في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به. قال الله تعالى:{يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به}[23]» قلت: فكيف يصنعان؟ قال عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخفّ بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله»[24].

وفي رواية أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام): «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»[25].

وفي رواية اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال امير المؤمنين(عليه السلام) لشريح: ياشريح قد جلست مجلسا لايجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي»[26] بضميمة أن وصي النبي يشمل بإطلاقه الوصي الخاص والعام، أي كل من أجازه النبي J. وقد جعل الشقي قسيماً ثالثاً للوصي ووصي النبي لبيان ان الحاكم اذا لايرجع اليهما في ذلك كان حراماً تكليفاً وفاسداً وضعاً.

وكذا في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين، نبي أو وصي نبي»[27] إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة.

 وقد كان من سيرته J حل الخصومات والحكم بين الناس على ضوء ما أنزل إليه من القرآن وأحكامه، بل وعين J رجالاً للقضاء وفصل الخصومات، وكذا من بسطت يده من المعصومين (عليهم السلام)،[28] مما يدلّ على أن القضاء منصب لا يتولاه أحد إلا بإذن من الله سبحانه وتعالى، أو من رسوله والإمام المعصوم (عليه السلام) ؛ لأنهم الأولياء على الناس بعد الله عز وجل.

كما تدل أيضاً على أن مهمة القضاء ليست موكلة إلى عموم الناس، وإنما هي أولاً مسؤولية الحاكم الأعلى في البلد، فقد روى الفريقان عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:«بعثني رسول الله J إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال: فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد»[29].

 وقد اشتهرت رواية الصحابة طراً عن رسول الله J: أن علياً (عليه السلام) أقضى الأمة،[30] واعترف جمع غفير منهم بعدالة قضائه، بل قال بعضهم: لولا علي لهلك عمر،[31] إلى غير ذلك من الأخبار والروايات.

الأمر الثاني: في ضبط القضاء وتحقيق أهدافه

قد عرفت مما تقدم أن الأصل يقتضي عدم نفوذ القضاء إلا ما قام الدليل عليه، وعرفت أن المستفاد من الآيات والروايات كون القضاء لله ولرسوله ولأوصيائه (عليهم السلام)، كما عرفت أنه لا يمكن القول بتعطيل القضاء في عصر الغيبة، فيجوز للفقيه الجامع للشرائط التصدي له لو توفر من فيه الكفاية، وإلا وجب عليه التصدي له على نحو الوجوب العيني؛ وذلك لأنه القدر المتيقن المشمول بأدلة القضاء بعد المعصومين (عليهم السلام)، ودلالة المقبولة[32] والمشهورة[33] وغيرهما عليه.

 كما يجوز أن ينصب الفقيه الجامع للشرائط من يتولى أمر القضاء بالنيابة عنه، لكن لا يجوز نصب كل من رآه أو اختارته الأمة، بل يجب مراعاة الأمة وتوفر جملة من الشروط فيمن يراد نصبه لذلك حتى يجوز له التصدي، ويجوز للفقيه النصب كما فصله الفقهاء في كتاب القضاء، قال المحقق الحلي رضوان الله عليه في الشرائع: ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل والإيمان والعدالة وطهارة المولد والعلم والذكورة[34]، وقريب منه قاله العلامة الحلي رضوان الله عليه في القواعد[35]، وفي المسالك للشهيد رضوان الله عليه في شرح العبارة المتقدمة قال: هذه الشرائط عندنا موضع وفاق[36]، وقريب منه في الرياض[37].

هذا وفي وجوب توفر الاجتهاد في القاضي أو توفر الأعلمية فيه أو كفاية القضاء عن تقليد أو كفاية الاجتهاد المتجزئ وغير ذلك من الأوصاف خلاف بين الفقهاء نوكل تفصيله إلى باب القضاء.

وكيف كان، فقد عرفت مما تقدم أهداف السلطة القضائية، ولكن حتى تتحقق هذه الأهداف يجب الالتزام بأمور أربعة:

 الأول: مراعاة صلاحية القاضي وأهليته للقضاء.

 الثاني: مراعاة استقلاله المالي والسياسي عن السلطة التنفيذية حتى يتمكن أن يحكم بالإنصاف والعدل.

 الثالث: مراعاة القاضي لآداب القضاء التي تقربه إلى الحق، وتوصله إلى النتيجة المنصفة.

 الرابع: أن يكون له خطط وبرامج تميز له الحقوق، وتشخص له الموضوعات، ففي عهد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشتر النخعي في هذا الصدد: «وأفسح له ــ أي للقاضي ـــ في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس»[38].

ومن الواضح أن الاستقلال الاقتصادي غير كاف في استقلالية القضاء، بل لا بد من حماية القاضي من التدخل الخارجي الذي ربما تسببه له السلطات الأخرى، كتدخلات سياسية في القرارات، أو إعلامية في الآراء، وما أشبه ذلك؛ ولذا قال مولانا أمير المؤمنين في عهده للأشتر النخعي أيضاً: «وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك؛ ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظراً بليغا»[39] والمقصود هو أن يكون للقاضي موضع غير متأثر بأحد، يقضي بالحق، ويفصل في الخصومات بمقتضى الإنصاف، ويصدر الأحكام غير متهيب ولا متأثر، وهذا ما ربما يصطلح عليه اليوم باستقلال السلطة القضائية وفصلها عن بقية السلطات.

وهذا ما يظهر من الأدلة، وعليه كلمات الفقهاء الأعاظم. قال المحقق النائينيرضوان الله عليه في منية الطالب: إن ولاية الحاكم ترجع الى قسمين:

الأول: الأمور السياسية التي ترجع إلى نظم البلاد وانتظام أمور العباد.

الثاني: الإفتاء والقضاء، وكان هذان المنصبان في عصر النبي والأمير عليهما السلام بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين، وفي كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي، فصنف كان منصوبا لخصوص القضاء والإفتاء، وصنف كان منصوبا لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر في مصالح المسلمين[40].

وهذا ما يظهر من كلمات السيد الشيرازي(رحمه الله) أيضا في الفقه[41] وغيره[42]. ولقد أعطى مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) تجسيدا عمليا لهذه الاستقلالية، فمع أنه إمام المسلمين على الإطلاق والحاكم الأعلى للأمة الإسلامية إلا أنه مكن القاضي من محاكمته والحضور في محكمة القضاء ليس مع بعض المسلمين[43]، بل مع بعض أهل الذمة من المسيحيين، وذلك في قضية تضافر نقلها في كتب التاريخ، حيث نقل المؤرخون أنه (عليه السلام) وجد درعا له عند نصراني فجاء به إلى شريح يخاصمه إليه.. ثم قال (عليه السلام): «إن هذه درعي لم أبع ولم أهب» فقال للنصراني:

ما يقول أمير المؤمنين؟ فقال النصراني: ما الدرع الاّ درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب، فالتفت شريح إلى علي (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، هل من بينة؟ قال: «لا» فقضى بها للنصراني، فمشى هنية ثم أقبل فقال: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام النبيين، أمير المؤمنين يمشي بي إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه! أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله الدرع ــ والله ــ درعك يا أمير المؤمنين، انبعث الجيش وأنت منطلق إلى صفين فخرت من بعيرك الأورق[44] فقال: أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس[45]، ووجه القضاء له أولا كان من جهة قانون اليد، لأن الدرع كانت عند النصراني واليد أمارة الملكية، وقد تكرر وقوع مثل الحادثة المذكورة مع يهودي[46] وآخر مسلم[47]، وقد تعامل معهما بموازين الحق والإنصاف بلا تمييز أو تفاضل.

 في ضمان عدالة القضاء

هذا وقد ألزم الإسلام القاضي بمراعاة جملة من الآداب والوظائف في القضاء لكي يضمن العدالة بين الناس، وقد لخص الفقهاء الأعاظم هذه الآداب الواردة في الأدلة في كتاب القضاء من الفقه[48]، وقد قسمت آداب القضاء إلى قسمين: مستحبة ومكروهة، فمن المستحبة:

أولا: أن يطلب من أهل ولايته من يسأله عما يحتاج اليه في أمور بلده، ويعرفه العلماء والعدول ليكون على بصيرة ممن يعتمد عليه، ويسكن إلى قوله، ومن يستحق التعظيم منهم والإقبال من حين وصوله.

ثانيا: أن يسكن عند وصوله في وسط البلد؛ لترد الخصوم عليه ورودا متساويا، وأن ينادي بقدومه وإن كان البلد واسعا لا ينتشر خبره فيه إلا بالنداء. ثالثا: أن يجلس للقضاء في موضع بارز مثل: رحبة أو فضاء يسهل الوصول إليه، ولا يجعل ذلك في بيت يهابه الناس أو بعضهم ليكون أيسر في وصول المحتاجين إلى حقهم.

 رابعا: أن يحضر من أهل العلم من يشهد حكمه، فإن أخطأ نبهوه، ويبادلهم الرأي فيما يستبهم من المسائل النظرية لتقع الفتوى مقررة، والمراد من أهل العلم الفقهاء وأهل الخبرة في كل قضية يريد البت في شؤونها حتى إذا أراد الحكم وشك فيه سأل الفقهاء، وإن أراد الحكم على موضوع وشك فيه سأل الخبراء.

 خامسا: وإذا تعدى أحد الغريمين سنن الشرع عرفه خطأه بالرفق، فإن عاد زجره.

 ومن الآداب المكروهة:

 أولا: أن يتخذ حاجبا وقت القضاء، بل يستحب أن يكون بابه مفتوحا وقته.

 ثانيا: أن يقضي وهو غضبان.

ثالثا: وكذا يكره مع كل وصف يساوي الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغم والفرح والوجع ومدافعة الأخبثين وغلبة النعاس.

رابعا: أن يستعمل الانقباض، اي تقطيب الوجه المانع من التفطن للحجة والنطق بها، وكذا يكره إظهار اللين الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصوم، إلى غير ذلك من مسائل من شأنها ضبط العمل القضائي وضمان العدل فيه على ما فصل في الكتب الفقهية[49]، بل على القاضي وظائف عديدة أنهاها في الدروس إلى ثلاث عشرة[50]، ولعل أهمها سبع:

الأولى: التسوية بين الخصمين في السلام والجلوس والنظر والانصاف والعدل في الحكم.

الثانية: لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه.

الثالثة: يكره ان يواجه بالخطاب أحدهما لما يتضمن من إيحاء الآخر.

الرابعة: إذا ترافع الخصمان وكان الحكم واضحا لزمه القضاء، ويستحب ترغيبهما للصلح، فإن أبيا حكم بينهما، وإن أشكل أخر الحكم حتى يتضح، ولا حد للتأخير الا الوضوح.

الخامسة: إذا ورد الخصوم في المحكمة مرتبين بدأ بالأول فالأول، فإن ورد الجميع سوية يقرع بينهم، اي في الابتداء والاستماع الى اي منهم.

السادسة: إذا قطع المدعى عليه دعوة المدعي بدعوة لم تسمع حتى يجيب عن الدعوة، وينهي الحكومة، ثم يستأنف هو.

السابعة: إذا بدر أحد الخصمين بالدعوة فهو أولى[51]، وفي نهاية الشيخ الطوسيرضوان الله عليه: وإذا أراد أن يجلس للقضاء ينبغي أن ينجز حوائجه التي تتعلق نفسه بها ليفرغ للحكم، ولا يشتغل قلبه بغيره، ثم يتوضأ وضوء الصلاة، ويلبس أحسن ثيابه وأطهرها، ويخرج الى المسجد الأعظم في البلد الذي يحكم فيه، فاذا دخله صلى ركعتين، ويجلس مستدبر القبلة لتكون وجوه الخصم اذا وقفوا بين يديه مستقبلة القبلة، ولا يجلس وهو غضبان، ولا جائع، ولا عطشان، ولا مشغول القلب بتجارة ولا خوف ولا حزن ولا فكر في شيء من الاشياء، وليجلس وعليه هدى وسكينة ووقار... واذا دخل عليه الخصمان فلا يبدأ أحدهما بالكلام، فإن سلما أو سلم أحدهما رد السلام دونما سواه، وليكن نظره إليهما واحدا، ومجلسهما بين يديه على السواء، ولا ينبغي للحاكم أن يسأل الخصمين، بل يتركهما حتى يبدأ بالكلام[52].

وهذه العبارات هي مضمون طوائف عديدة من الروايات كما أوردها الحر العامليرضوان الله عليه في كتاب الوسائل باب القضاء[53] وغيره في غيره[54]، ومن المناسب أن نذكر ما أورده الكليني رضوان الله عليه بسنده عن سلمة بن كهيل قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول لشريح: «واعلم أنه لا يحمل الناس على الحق الا من ورعهم عن الباطل، ثم واس بين المسلمين بوجهك ومنطقك ومجلسك حتى لا يطمع قريبك في حيفك، ولا ييأس عدوك من عدلك، ورد اليمين على المدعي مع بينة، فإن ذلك أجلى للعمى، وأثبت في القضاء، واعلم ان المسلمين عدول بعضهم على بعض الا مجلودا في حد لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور، او ظنين، وإياك والتضجر والتأذي في مجلس القضاء الذي أوجب الله فيه الأجر، ويحسن فيه الذخر لمن قضى بالحق، واعلم ان الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حرم حلالا او احل حراما، واجعل لمن ادعى شهودا غيبا امدا بينهما، فإن أحضرهم اخذت له بحقه، وان لم يحضرهم اوجبت عليه القضية، واياك ان تنفذ فيه قضية في قصاص او حد من حدود الله او حق من حقوق المسلمين حتى تعرض ذلك علي ان شاء الله، ولا تقعد في مجلس القضاء حتى تطعم»[55].

 ورواها الشيخ (رحمه الله) في التهذيب[56]، والصدوق (رحمه الله) في الفقيه[57]، والروايات في هذا المجال متضافرة[58]، هذا وفي تكاليف القاضي واختياراته تفاصيل مهمة في فصل المنازعات والولاية على المظالم والنظر في المصالح والاوقاف العامة للمسلمين نوكلها الى مظانها من الفقه[59].

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

...................................................

[1] يقال: ساس الامر سياسة: قام به، وسوّس الرجل امر الناس اذا ملك امرهم. انظر لسان العرب: ج6 ص 108 سوس. وفي وصف الائمة (عليهم السلام): انتم ساسة العباد وفيه: الامام عارف بالسياسة وفيه: ثم فوض إلى النبي J أمر الدين والأمة ليسوس عباده وفي الخبر: كان بنو إسرائيل تسوسهم أنبياؤهم اي تتولى أمرهم كالأمراء والولاة بالرعية من السياسة، وهو القيام على الشيء بما يصلحه. انظر مجمع البحرين: ج4 ص 78 سوس.

[2] سورة الحديد: الآية 25.

[3] سورة المائدة: الآية 42.

[4] سورة المائدة: الآية 8.

[5] سورة الاعراف: الآية 29.

[6] سورة النحل: الآية 90.

[7] سورة الشورى: الآية 15.

[8] الكافي: ج2 ص 147 ح15.

[9] نهج البلاغة: ص 234 ؛ وص 235 الخطبة 164.

[10] سورة آل عمران: الآية 14.

[11] البحار: ج 70 ص 22 ح 11.

[12] قال سبحانه:{ ياداود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق}سورة ص: الآية 26. وقال عزوجل:{ انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما اراك الله } سورة النساء: الآية 105. وقال تبارك وتعالى: { ثم لايجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} سورة النساء: الآية 65.

[13] في رواية المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام): امرت الائمة ان يحكموا بالعدل، وامر الناس ان يتبعوهم وفي رواية سدير عن ابي جعفر (عليه السلام): انما كلف الناس ثلاثة: معرفة الائمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد اليهم فيما اختلفوا فيه وفي رواية محمد بن مسلم قال: سمعت ابا جعفر (عليه السلام) يقول: لااحد من الناس يقضي بقضاء حق الا ما خرج من عندنا اهل البيت انظر الوسائل: ج27 ص 14 ح33084 باب 1 من ابواب صفات القاضي؛ والمصدر نفسه ص 67 ح 33216 الباب 7 من ابواب صفات القاضي؛ والمصدر نفسه: ص 68 ح 33222 باب 7 من ابواب صفات القاضي، وفي رواية عمار الساباطي قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): مامنزلة الائمة ؟ قال: كمنزلة ذي القرنين، وكمنزلة يوشع، وكمنزلة آصف صاحب سليمان قلت: فبما تحكمون؟ قال: بحكم الله وحكم داود وحكم محمد، ويتلقانا به روح القدس انظر تفسير نور الثقلين:ج4 ص452 ح33 وفيه: قال: فبما تحكمون.

[14] عوالي اللآلي: ج3 ص 515 – 516 ح5.

[15] رياض المسائل: ج15 ص 5.

[16] انظر الفقه كتاب القضاء: ج 84 ص 12.

[17] سورة الانعام: الآية 57.

[18] سورة غافر: الآية 20.

[19] سورة الاحزاب: الآية 36.

[20] سورة ص: الآية 26.

[21] سورة النساء: الآية 65.

[22] مصباح الشريعة: ص16.

[23] سورة النساء: الآية 60.

[24] الوسائل: ج27 ص 136 – 137 ح 33416 باب 11 من ابواب صفات القاضي.

[25] الوسائل: ج27 ص13 ح 33083 باب 1 من ابواب صفات القاضي.

[26] الوسائل: ج27 ص17 ح 33091 باب 3 من ابواب صفات القاضي.

[27] المصدر نفسه: ح 33092.

[28] الفقه كتاب القضاء: ج84 ص12؛ وعوالي اللآلي: ج3 ص518 ح15 وح16؛ وص 526 ــ 527 ح31 وح32 وح33.

[29] مناقب اهل البيت: ص191؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج10 ص140.

[30] الكافي: ج7 ص 429 ح13 ؛ شرح نهج البلاغة: ج1 ص 18.

[31] شرح نهج البلاغة: ج1 ص18.

[32] مقبولة عمر بن حنظلة المتقدمة.

[33] رواية ابي خديجة المتقدمة.

[34] الشرايع: ج2 ص315.

[35] انظر ايضاح الفوائد: ج4 ص298 ؛ ومهذب الاحكام: ج27 ص37 -42 ؛ والفقه كتاب القضاء: ج84 ص13-34.

[36] مسالك الافهام: ج13 ص328 – 329.

[37] الرياض: ج15 ص8.

[38] نهج البلاغة: ص435 الكتاب 53.

[39] المصدر نفسه: ص435 الكتاب 53.

[40] منية الطالب: ج1 ص325.

[41] الفقهكتاب السياسة: ج106ص54 ــ 56.

[42] هكذا حكم الاسلام: ص60.

[43] انظر بعض شواهد ذلك في سيرة رسول الله Jفي الانتصاركتاب القضاء والشهادات ضمن الينابيع الفقهية: ص32- 35.

[44] الأورق من الإبل: الذي في لونه سواد إلى بياض وهو من احب الإبل لحما، لا سيرا وعملا.

[45] الغارات: ص74 ــ 75 وفيه أيضا: قال الشعبي: وأخبرني من رآه ــ اي النصراني ــ يقاتل مع علي(عليه السلام) الخوارج في النهروان؛ وانظر البحار: ج101 ص290 ح4.

[46] مناقب آل أبي طالب: ج2 ص105.

[47] المصدر نفسه: ص105 ــ 106.

[48] المبسوط: ج8 ص86 ــ 96؛ السرائر: ج2 ص152 ــ 158؛ المختلف: ج8 ص373 ــ 381 ؛ الدروس: ج2 ص70 ــ 77 ؛ مسالك الافهام: ج13 ص365 ــ 367؛ مفتاح الكرامة: ج2 ص45 ــ 62؛ الجواهر: ج40 ص72 ــ 84.

[49] انظر الشرائع: القسم الرابع، ص319- 322 ؛ مسالك الافهام: ج13 ص365- 382 ؛ الدروس: ج2 ص70- 74.

[50] الدروس: ج2 ص74.

[51] انظر الشرائع: القسم الرابع ص319 – 325.

[52] النهاية: ص338 ؛ السرائر: ج2 ص156.

[53] انظر الوسائل: ج27 ص 211- 228 ابواب آداب القاضي.

[54] انظر مستدرك الوسائل: ج17 ص347- 359 أبواب آداب القاضي.

[55] الكافي:ج7 ص412 ح1 ؛ الوسائل: ج18 ص343 ح9 238 باب 11 من ابواب الدين والقرض.

[56] التهذيب: ج6 ص225- 226 ح541 مع اختلاف يسير.

[57] الفقيه: ج3 ص8ح28.

[58] انظر الكافي: ج7 ص412- 414 الاحاديث2- 6 ؛ التهذيب: ج6 ص226- 228 الاحاديث542- 549.

[59] انظر الشرائع: القسم الرابع ص320 ؛ مسالك الافهام: ج13 ص368- 373 ؛ الدروس: ج2 ص71- 72 ؛ الفقه كتاب القضاء: ج84 ص112- 114.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/كانون الثاني/2012 - 22صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م