مخاطر التعصب القومي والديني على الامن الوطني

رياض هاني بهار

إن الحياة كلها بمعانيها ونماذجها البشرية وغير البشرية تبقى وتستمر إذا وضعت لها الاستقامة منهجا، وتختل وتضطرب إذا كان العوج والانحراف سبيلا لها ومسارا، فالانحراف في غالبه ضار وسيئ، فانحراف المبنى يعرضه للسقوط، وانحراف الطريق يؤدي للحوادث وانحراف السلوك يوصل للضياع والتهلكة، وذلك في كل جوانب الحياة، إن الخط المستقيم هو اقصر مسافة بين أي نقطتين، وتأتى روعة هذا القانون من تطبيقه على أرض الواقع حيث إنه لا يمدنا بوفرة وقت وجهد فحسب بل يمدنا أيضا بتحديد مسار ووضوح الهدف.

 فهناك حشد كبير من التعريفات للأمن الوطني، وكل مفكر ينظر إلى هذه المسألة من زاويته ومن تخصصه واهتماماته، لكن في أبسط عبارة دون الدخول في التصعيد الأكاديمي، هو (المحافظة على مصالح الأمة في الداخل والخارج وتأمين الجبهة الداخلية وحماية الحدود والثغور والنظر إلى الأمن بمنظار أشمل وليس فقط بمنظار الأمن الجنائي أو الأمن السياسي).

 الأمن الوطني هو مجموعة من الإجراءات تتخذ للمحافظة على أمان الوطن والكيان في الحاضر وفي المستقبل مع مراعاة الامكانات المتاحة، وهو(مجموعة من الإجراءات الوقائية والعقابية والتربوية التي تتخذها السلطة لصيانة استتباب الأمن داخليا وخارجيا انطلاقا من المبادئ التي تدين بها الأمة ولا تتعارض مع المصالح والمقاصد المعتبرة)، اما التعصب فيراد به من حيث اللغة عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناءً على ميل الى جهة او طرف او جماعة او مذهب او فكر سياسي او طائفة، والتعصب من العصبية وهي ارتباط الشخص بفكر او جماعة والجد في نصرتها والانغلاق على مبادئها، ويطلق على الشخص المتعصب Fanatical، وهذا التعصب قد يكون تعصبا دينيا او مذهبيا او سياسيا او طائفيا او عنصرياً، وهو سلوك خطير قد ينحدر نحو الاسوء ثم يؤدي الى التطرف والهلاك والخراب بسبب التشدد وعدم الانفتاح وعدم التسامح ايا كان نوع التعصب ومهما كان شكله او مصدره.

 ولعل اخطر اشكال التعصب هو التعصب القومي والتعصب الديني حيث تمارسهما بعض الجماعات او الانظمة الدكتاتورية او تحرض عليهما او تشجعهما خلافا للقوانين وللالتزامات الدولية وللديانات السماوية والقيم الانسانية النبيلة القائمة على المحبة والتسامح والاعتراف بحقوق الانسان واحترام التعددية القومية والتعددية السياسية والتعددية المذهبية والتعددية الدينية، ولا يمكن ان نتصور وجود مجتمع انساني مستقر وآمن ويعيش الناس في ظله بأمان وبسلام مع وجود التعصب الذي يرفض الحق الثابت والموجود ويصادر الفكر الاخر او القومية الاخرى او يحظر حرية العبادة او لا يعترف بوجود الطرف الآخر..

 لكل شيء مقومات يقوم عليها، وبيئة ينمو فيها، ومناخ ينشأ عليه ويعيش فيه، وهذه المقومات من بيئة ومناخ هي التي تهيئ الأسباب لحدوث الأشياء سواء كان الحدث يتعلق بالجماد أو النبات أو الحيوان أو الإنسان، ويمكن القول: أن الأحداث الاجتماعية والسياسية والفكرية تولد وتحيا من خلال بيئة ومناخ مناسب، وقد تكون هذه البيئات جماعات أو مناطق أو كيانات دولية مستقلة، ولذا يؤمن الباحثون بأن الإبداع والاختراع والجريمة والصراع ما هي إلا أفكار تنشأ في بيئات معينة و تضعف أو قد تموت في بيئات أخرى، وقد أشارت كثير من الدراسات إلى دور البيئة على الإنسان وتأثيرها في فكره وسلوكه، وتعتبر دراسات الفيلسوف الفرنسي "مونتسكيو" في علم الاجتماع القانوني في القرن الثامن عشر فاتحة هذه الدراسات الجغرافية، ففي كتابه "روح القوانين" أكد أن للمناخ وطبوغرافية الأرض تأثيراً مباشراً في كل الأفراد، ومن هنا بدأت بعض المحاولات العلمية التي هدفت إلى ربط الجريمة بظروف أو وقائع جغرافية معينة بعلاقة سببية، وأخذ الاهتمام يتزايد نحو أصحاب الفكر المستقيم لا يفرضون أفكارهم على الغير، بل يعرضونها عرضا موضوعيا سويا دون دفاع مستميت أو إهمال مقيت، بل يرحبون بنقدها ومناقشتها واتباعها بعد الاقتناع بها.

ويعتبر البعض أن التعصب مشابه للظلم في غاياته، فكما إن الإنسان الظالم لنفسه ينصر هواه وشهوته وظلمه وعدوانه ويقاتل من أجلها، فإن المتعصب إلى لشخص يواليه أو إلى قوم أو حزب أو جماعة أو فكرة قديمة سوف يدافع لما يتعصب له ولو ظهر له أن الحق في غير الجهة التي يناصرها.

 لابد أن نميّز في فهم و معرفة بعض المصطلحات حول الظاهرة، إذ من المعلوم أن هناك فرقا بين الانغلاق الأعمى للرأي أو لفكرة المعينة أي الجمود الفكري و عدم الاعتراف بالرأي الآخر و بين التطرف أي المغالاة في الآراء أو المواقف ثم الإرهاب الذي قد يمارس من فرد أو جماعة أو قد يمارس من الدولة أي ما يعرف بإرهاب الدولة، ويمكن تحديد العوامل المؤدية إلى التعصب الاولى بتكوينه النفسي محاولة الفرد إشباع حاجات اقتصادية والتعبير عن العدوان والإسقاط عوامل ترتبط بما يحيط الفرد من جوانب اجتماعية و اقتصادية و سياسية و ثقافية منها الاسرة وجماعة الرفقة والجيرة.

 ان التعصب له مخاطر عديدة منها: التمركز حول الذات، الابتعاد عن الموضوعية في الحياة، العصبية والعنف، وعندما يتعصب الفكر المنحرف فانه يصدر حكما عن موضوع معين قبل القيام بالاختبار وفحص الحقائق المتاحة عن هذا الموضوع، وإذا وصل التعصب إلى درجة معينة من الحدة يصبح عاملاً من عوامل تقويض و حدة المجتمع، وينم عن اضطراب في ميزان الصحة النفسية الاجتماعية مما يفسد المجتمع ويهدد كيانه إن التعصب يميت الأفكار، ويحرم الاجتهادات الإيجابية التي تساهم في التصدي الفعال للمشكلات، والتي تساهم في تطوره؛ لأن الذي يصر على رأيه يدعي العصمة لنفسه، وادعاء العصمة يعني ادعاء الحقيقة. ويرتكب المتعصب لرأيه خطأ كبيرا في حق نفسه لأنه يحرمها من اكتشاف أشياء صائبة في الرأي الآخر، ولا تتأتى الآراء الصواب إلا باستماع ووضع الأفكار الذاتية.

 ان التعصب والتطرف الديني والقومي يزعزعان الأمن الوطني ويهددان الأمن والسلم الدوليين، حيث لا تزال تبذل جهوداً كبيرة وجبارة على المستوى الدولي والإقليمي لمكافحة ظاهرة التطرف الديني وكذا الإرهاب المرتبط بها إلى حد بعيد وملازم لها لذلك لابد من إتخاذ ما يلي من إجراءات:

1. تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية وإسهامها في بث روح الولاء والانتماء الوطني.

2. إدراج مواد ومناهج دراسية تسهم في تنمية التفكير وأساليب الحوار في المناهج التعليمية.

3. إنشاء مراكز علمية تهتم بدراسة الفكر المنحرف وآثاره وكيفية مواجهته.

4. الاستفادة من تجارب الدول السابقة في مواجهتها للافكار المتعصبة.

* خبير في الشؤون الامنية

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/كانون الأول/2011 - 2/صفر/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م