قمة الرياض .. وما وراء مشروع «الاتحاد»!

غريبي مراد

ليس هناك ما يوحي أن في الأفق توافقا جامعا مانعا لكل المحذورات السياسية على المستوى العربي العام والخليجي على وجه الخصوص، لأن لقاءات الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي متشابهة إلى أبعد الحدود، حيث الثقل الكبير في الجامعة ومجلس التعاون بيد رموز تاريخيين مؤثرين في القرارات المصيرية، وعلى هذا الأساس من الضروري وبكل وضوح أن نعمل مقارنة بسيطة بين التوصيات والقرارات التي تمخضت بخصوص الربيع العربي في كلتا المؤسستين الخارقتين للآمال الشرعية للشعوب العربية...

بصراحة: سورية مذنبة والبحرين متآمر عليها واليمن متعثرة، هذا كل ما يمكنك أن تستنتجه بكل سهولة، لكن السؤال الجوهري الذي لابد من الإجابة عنه: ماذا تعني لنخبة السياسة العرب والخليج مفردات مثل: الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان والوحدة والتعاون والاتحاد وما هنالك من مصطلحات مهمة وضرورية لحياة كريمة للإنسان العربي؟

بكلمة: إلى أي مدى يمكن للتعاون أن يلتقي في أحد معانيه واصطلاحاته بمفهوم الاتحاد؟

أكيد هناك محنة غريبة الأطوار والأشكال تسيطر على ما يسمى بالتخطيط للاستراتيجيات العربية والخليجية - هذا إن وجدت - لأن الاستراتيجية كمفهوم هي تصور معمق للأمور ودقيق للتفاصيل واستشراف علمي للمستقبل، يتأسس على أصول لا تتموضع إلا بإرادة المواطن العربي والخليجي، وبما أن مفهوم المواطنة لا يزال محل جدل لدى النخب الحاكمة بالعالم العربي ككل وبالخليج على وجه الخصوص، فانه ليس من السهل توقع ارتقاء مفاهيم كالجامعة والتعاون إلى واقع «الاتحاد»، دون أن ننسى: شعوب الخليج متحدة اجتماعيا وثقافيا لكن الحموضة السياسية تعمل عمل الخل في العسل...!!

ببساطة: هناك مراحل حُرِقت في مشوار التعاون الخليجي وأسئلة عديدة لا تزال قاب قوسين أو أدنى من الانفجار، فأسئلة: الطائفية والمواطنة المفصلة والبدون المغفول عنهم والاقتصاديات الريعية والأمن الإقليمي المتناغم مع البعيد أكثر من القريب، إلى ما هنالك من أوراق خليجية بحاجة لمراجعة ومناقشة بكل جدية لرسم استراتيجية اتحادية خليجية حقيقية لا تنكفئ عن القضايا العربية والإسلامية الكبرى مثل: الفتن الطائفية العابرة للبلدان العربية والقضية الفلسطينية وتقسيم السودان والعبث الصهيوني في السودان والفتنة السياسية بمصر والتدخل التركي في الشأن العربي وفصل الخطاب في التعامل مع إيران والأمن في العراق...

يبدو أن الانطلاق في الإعداد لاتحاد خليجي مبكر، مصدره مخاوف عظيمة من تسونامي الربيع العربي، يؤشر لمأزق سياسي حقيقي بعد هزيمة الشريك الأميركي بالعراق وتصاعد سقف المطالب بالبحرين وتأجج الغضب اليمني ناهيك عن بروز بصيص من النور لانفراج الأزمة بسورية واندفاع الغريم التاريخي العثماني بقوة للتمركز في عمق الأحداث العربية والإسلامية بالإضافة للوزن الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية في الخليج، كل هذه الخطوط العرضية والطولية المحددة لتضاريس السياسة بالخليج، تمثل مرجعية مهمة في قراءة ما لم يفصح عنه بيان قمة الرياض أو ما احتفظ به بين السطور...

أما بعد: القراءة الدقيقة لما يجري اليوم بالخليج وتداعيات ذلك على الأحداث في العالم العربي، أنه محاولة بناء جدار عازل سياسيا لا اقتصاديا بوجه باقات زهور الربيع العربي، على الرغم من التأخر النسبي لكنه استدراك لما لم يحسب حسابه، والجدير بالاستفهام: هل الاتحاد في السياسة دوما هو الأمثل؟

الجواب نتركه للنخب السياسية الممثلة للشعوب قبل الأنظمة الخليجية، حيث عالم السياسة مرتبط بالبرغماتية أكثر منه بالقيم، ولعل ما آل إليه الاتحاد الأوروبي مؤخرا مهم جدا في قراءة بيان الرياض الأخير، مع فارق استراتيجي متمثل في الحداثة السياسية الأوروبية، وعليه يمكننا الجزم أن أصعب مشروع في الخليج هو الاتحاد السياسي والاقتصادي خارج الدائرة العربية والإسلامية وقبل معالجة المعضلات التاريخية في السياسة والاجتماع خليجيا وعربيا واقليميا... والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/كانون الأول/2011 - 30/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م