السلطة التنفيذية

الشيخ فاضل الصفّار

يقع الكلام في السلطة التنفيذية في أمور:

الأمر الأول: في معنى السلطة التنفيذية والحاجة إليها

يراد بالسلطة التنفيذية القوة التي تملك حق تطبيق القوانين الصادرة من السلطة التشريعية، وتلزم الناس بها، كما يجب على الناس إطاعتها والالتزام بمقرراتها، وتشمل سلسلة المراتب الإدارية التي تشكل الحكومة بمختلف أصنافها ومهامها، ابتداءً من الرئيس في النظام الرئاسي، ورئيس الوزراء في النظام الوزاري، ثم الوزراء ثم المدراء العامين، وهكذا باستثناء القضاة ونحوهم، حتى تصل السلسلة إلى آخر موظف حكومي ملزم بتطبيق القرارات التي تصدرها الدولة المنتخبة من قبل الأمة.

 هذا ويحدث أحياناً أن يقتصر استخدام التعبير عنها بالوزارة ورئيسها، ويوصف بقية الجهاز التنفيذي على أنه جهاز الموظفين والإداريين أو الإدارة، وفي حالة النزاع بالنسبة لتطبيق القانون وتفسيره فإن المرجع الأخير في ذلك هي السلطة القضائية.

 وأما أعمال السلطة التنفيذية فهي المتعلقة بتحقيق الاستقرار الداخلي والدفاع والعلاقات مع الدول الأخرى، وتنظيم اقتصاد البلد، وتقديم الخدمات للمواطنين، وتنشيط الاقتصاد والسوق، وقد تميزت الأزمنة المعاصرة بنمو السلطة التنفيذية على حساب السلطات الأخرى؛ ولذا يلاحظ من حين إلى آخر محاولات من السلطات التشريعية بوجه خاص لتأكيد وجودها ووظيفتها بطرق شتى، والتي منها حجب الاعتمادات المالية عن مشاريع وخطط حكومية، كما تزداد السلطة التنفيذية اتساعاً ونفوذاً في البلدان التي تحكمها أنظمة مستبدة بخلافها في الأنظمة الاستشارية.

وعليه فإن أهم وأعلى مراتب السلطة التنفيذية في واقعنا المعاصر هي الوزارة، والظاهر أنها حقيقة عرفية عامة وليست عرفية خاصة أو حقيقة شرعية أو متشرعية؛ إذ ورد استعمال الوزارة في الأدلة الشرعية بمعناها اللغوي والعرفي في أكثر من آية ورواية، فمن الآيات ما في وزارة هارون لموسى (عليه السلام)، كما قال تعالى:{واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري}[1]، وقال تعالى:{ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا}.[2]

وفي الأخبار الشريفة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في قضية مخاطبته لعشيرته الأقربين ودعوتهم للإيمان والنصرة:«فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. قال: فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا».[3]

وفي أمالي الصدوق عن سلمان الفارسي أن نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «إن أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام)..».[4]

وفي الخطبة القاصعة في نهج البلاغة أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام): «إنك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي ولكنك لوزير»[5].

وفي مسند أحمد بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

«سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ليس من نبي كان قبلي إلا قد أعطي سبعة نقباء وزراء نجباء، وإني أعطيت أربعة عشر وزيراً نقيباً نجيباً، سبعة من قريش وسبعة من المهاجرين»[6].

وفي سنن أبي داود بسنده عن عائشة قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):«إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه،وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه»[7].

وفي البحار قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من أحد ولّي شيئاً من أمور المسلمين فأراد الله به خيراً إلا جعل الله له وزيراً صالحاً، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن همّ بشرّ كفه وزجره»[8].

 وفيه أيضاً عن أمالي الصدوق بسنده عن المفضل قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا أراد الله عز وجل برعية خيراً جعل لها سلطاناً رحيماً، وقيض له وزيراً عادلاً»[9].

وعليه فما في مقدمة ابن خلدون من قوله: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يشاور أصحابه ويفاوضهم في مهماته العامة والخاصة ولم يكن لفظ الوزير يعرف بين المسلمين[10] واضح البطلان.

هذا والوزارة حال الوزير ومنصبه، وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل يراد به رجل الدولة الذي يختاره رئيس الحكومة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة، او مختصا بجانب منها، كوزير العدل ووزير المالية،[11] وربما يشتق اسمها من ثلاثة أوجه:

أحدها: الوزر ــ بكسر الواو وسكون الزاي ــ وهو الثقل،[12] يطلق في الغالب على المعنوي منه كما في قوله سبحانه:{ليحملوا اوزارهم يوم القيامة}[13] وقوله سبحانه:{ووضعنا عنك وزرك}[14] ويراد بالأول الذنوب، والآثام سميت أوزارا لأنها تثقل كاسبها وحاملها همّا وأثرا وعقابا، وبالثاني غمه(صلى الله عليه وآله وسلم) ؛ لما كان عليه قومه من الشرك والجاهلية، ولايمتنع أن يراد به الأعم هنا؛ لأن الوزير يتحمل أثقال الملك وشغله، ويعينه برايه.

ثانيها: الوزر وهو ــ بفتحهما ــ الملجأ،[15] ومنه قوله تعالى:كلا لاوزر[16] اي لاملجأ، فسمي بذلك لأن الملك يلجأ إلى الوزير في الرأي والتدبير.

ثالثها: الأزر وهو الظهر والقوة،[17] ومنه قوله سبحانه:{اشدد به أزري}[18] اي شد به ظهري وقوتي. يقال: وازرته موازرة اي أعنته وقويته، ومنه سمي الوزير وزيراً؛[19] لأن الملك يقوى بوزيره، وهو كالظهر له يعتمد عليه، ويركن إليه، ولايمتنع اجتماع المعاني الثلاثة في الوزارة بالمعنى المصطلح؛ بداهة أن الوزراء هم عماد السلطة والحكومة، فهم يتحملون أعباء السلطة ومسؤوليتها، كما أنهم ملجأ السلطان والناس معاً في تدبير الأمور ورفع المشكلات ونيل الحقوق، كما أنهم قوة الملك وظهره الذي يستند إليه، ويظهر به في الملأ، فإن كانوا حكماء علماء خبراء أفاضل انعكس ذلك على سلطته، فاتسمت بالقوة والمنعة وحسن التدبير، وإن كانوا على خلاف ذلك اتسمت الدولة بسمتهم، ولعل هذا ما يستفاد من متضافر الأخبار، فإن جملة منها تشير إلى ذلك تضمناً أو التزاماً.

 ففي الغرر عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «يستدل على إدبار الدول بأربع، تضييع الأصول، والتمسك بالغرور، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل»[20]، وعنه (عليه السلام): «ولاة الجور شرار الأمة وأضداد الأئمة»[21].

وعنه (عليه السلام): «تولي الأراذل والأحداث الدول دليل انحلالها وإدبارها»[22] وعنه (عليه السلام): «من خانه وزيره فسد تدبيره»[23]. وعنه (عليه السلام): «زوال الدول باصطناع السفل»[24] أي السفلة من الناس.

وفي العوالي عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): «أصلح وزيرك فإنه الذي يقودك إلى الجنة أو إلى النار»[25].

 وفي تحف العقول عن مولانا الصادق (عليه السلام): «وليس يحب للملوك أن يفرطوا في ثلاث: في حفظ الثغور، وتفقد المظالم، واختيار الصالحين لأعمالهم»[26].

وفي نهج البلاغة: «لاينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطّل للسنة فيهلك الامة»[27].

وفي منهاج البراعة عن المأثور قيل لحكيم: ما بال انقراض دولة آل ساسان؟ قال: لأنهم استعملوا أصاغر العمال على أعاظم الأعمال فلم يخرجوا من عهدتها، واستعملوا أعاظم العمال على أصاغر الأعمال فلم يعتنوا عليها، فعاد وفاقهم إلى الشتات، ونظامهم إلى البتات»[28].

أهم وظائف الوزارة

ظهر مما تقدم وجه أهمية الوزارة والوزراء في الدول والحكومات، كما ظهرت بعض وظائفها، ولعل من أبرزها ثلاثة:

الأول: النظم وتدبير الأمور

بداهة أن القانون مهما كان صالحاً راقياً فهو بنفسه لا يكفي في إصلاح شؤون المجتمع ورفع حاجاته العامة، فإن التنفيذ مكمّل للتشريع، بل لولا التنفيذ كان تشريع القانون لغوياً.

 وعليه فإنه ما لم يكن هناك مسؤول يلتزم بإجراء القانون وتنفيذه يسقط عن الفائدة، وينتقض الغرض منه، ولا يمكن أن يفوض تنفيذ التكاليف العامة المتعلقة بالمجتمع، مثل نظم البلاد، وإيجاد الأمن فيها، والدفاع عنها، وإجراء الحدود والتعزيرات، ونحو ذلك إلى عامة المجتمع، فإنه يوجب إهمال كثير من الأمور والفوضى والاختلاف، فلابد من أن يفوّض كل قسم منها إلى مسؤول خاص يكون متخصصاً فيه، ويصير ملتزماً بإجرائه، كما قامت عليه السيرة العقلائية في الدول والمجتمعات، ولا تتحدد السلطة التنفيذية بشكل خاص أو عدد خاص أو مرتبة خاصة، بل كلما اتسع نطاق الملك وحيطته وتشعبت مسائل الحياة واحتياجاتها تشعبت الدوائر، وكثر العمال.

نعم، يجب رعاية الوسطية في ذلك بالجمع بين الحاجات والقدرات في توسعة الدوائر وإضافة الموظفين، فليس كثرة الدوائر علامة القوة وحسن التدبير في الدول، ولا قلتها علامة الحرص على مصالح الأمة، بل قد تكون الكثرة مضرة بالاقتصاد وبالمجتمع في مجالات عديدة، وقد تكون القلة مسببة للفوضى واختلال النظام وتضييع الكثير من الحقوق، فلابد إذاً من ملاحظة القصد وتجنب الإفراط والتفريط، فإن كثرة العمال والموظفين توجب كثرة الدوائر وتفرقها، وتضييع أوقات المراجعين، ووضع ضرائب كثيرة على عاتق المجتمع، وكل ذلك ينتهي إلى التضخم والخسارات من جهات عدة.

وقد كانت حكومة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غاية البساطة، فكان هو (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه يتولى قسماً كبيراً من الشؤون السياسية والقضائية والاقتصادية والعسكرية. نعم كان يفوّض بعض التكاليف والمسؤوليات إلى الأفراد الصالحين للقيام بها بحسب الضرورات والحاجات، فكان يعين الولاة على البلاد، والجباة على الصدقات، والأمراء للسرايا، ويرسم لهم تكاليفهم ومنهجهم، كما ورد ذلك في التاريخ[29]، وستعرف عنه بعض الشيء، وهذا هو الملحوظ في حكومة مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) مع سعة حكومته، وكثرة البلاد التي كانت تخضع لسلطته.

 فالمهم إذاً هو إنجاح الطلبات ورفع الحاجات والعمل بالتكاليف بأسهل الطرق، وفي أسرع الأوقات والأزمان، وبأقل المؤونات جمعاً بين الحقوق، وبذلك يستقر الحكم، ويكتسب رضا الأمة الذي هو الضمانة لبقاء الدولة وانتشار الأمن والسلام.

قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه للأشتر النخعي: «وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعمها في العدل، وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة»[30].

وفي البحار عن رواية النعماني فيما ورد في أصناف آيات القران الكريم عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «لابد للأمة من إمام يقوم بأمرهم فيأمرهم وينهاهم، ويقيم فيهم الحدود، ويجاهد العدو، ويقسّم الغنائم، ويفرض الفرائض، ويعرفهم أبواب ما فيه صلاحهم، ويحذرهم ما فيه مضارهم؛ إذ كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق، وإلا سقطت الرغبة والرهبة، ولم يرتدع، ولفسد التدبير، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد في أمر البقاء والحياة في الطعام والشراب والمساكن والملابس والمناكح من النساء، والحلال والحرام، والأمر والنهي؛ إذ كان سبحانه لم يخلقهم بحيث يستغنون عن جميع ذلك»[31].

وعن مولانا الباقر (عليه السلام): «إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله صلى الله عليه واله، وجعل لكل شيء حدا، وجعل عليه دليلا يدل عليه، وجعل على من تعدى الحد حدا».[32]

وفي رواية زيد الكناسي عنه (عليه السلام): «ولا تبطل حدود الله في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»[33] ومن الواضح أنه لولا السلطة المطبقة للحدود والمنفذة للقوانين تبطل الحقوق، ويأكل القوي الضعيف.

وعن مولانا الكاظم (عليه السلام) في تفسير قول الله عز وجل:{يحيي الأرض بعد موتها}[34] «ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالاً فيحيون العدل، فتحيا الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد لله أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً»[35] إلى غير ذلك من الروايات الصريحة الحاثة على إجراء الحدود، والآيات الشريفة الحاثة بدورها على وجوب العمل بأحكام الله سبحانه وتعالى بلا تفريق بين الأحكام المتعلقة بالأفراد، أو الأخرى المتعلقة بالمجتمع والأمة.

الثاني: العدل والإنصاف

ويتجسدان في حفظ الحقوق ونشر المعروف وقطع دابر المنكر والفساد، وإيصال كل ذي حق لحقه.

الثالث: الإصلاح الاجتماعي

مضافا الى الأدلة الخاصة والعامة الدالة على ذلك فإنه يمكن الاستدلال عليها بأدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا، فإنه بالإضافة إلى وجوبها على العباد في الأبعاد الفردية فإن هناك تكاليف أخرى فيها تتعلق بالأبعاد الاجتماعية، والأدلة النقلية ظاهرة، بل صريحة في جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعامة لإقامة الفرائض، وسبيلاً إلى أمن الطرق والمسالك، ورد المظالم وردع الظالم، ووسيلة إلى عمارة الأرض والانتصاف من الأعداء، وهي أمور صعبة المنال لا تتحقق إلا بجهاز قادر متمكن. ومن هذه الأدلة والأخبار ما عن مولانا الباقر (عليه السلام): «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض... وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء... بها تأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[36].

ومن المعلوم أن الأمر والنهي المؤديين إلى أمان الطرق والمسالك وعمارة الأرض والانتصاف للمظلومين لا يتيسر إلا بسلطة مشرفة، ومراقبة بعين مفتحة، وبجهاز تنفيذي قوي، وسلطة إجرائية قادرة على تنفيذ ذلك، تتحمل عبء الأمر، والنهي على المستوى العام.

 هذا وقد احتمل بعض الأعلام أن ذكر الأنبياء في الحديث الشريف يوحي الى أن الأمر والنهي المذكورين هنا هو ما كان مقروناً بالحاكمية والسلطة، على غرار ما كان للأنبياء (عليهم السلام)، حيث كانوا يمارسون مهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غالباً من موقع السلطة والحاكمية والولاية، لا من موقع الفرد، ومن جهة التبليغ والوعظ والإرشاد الفردي، ولعل مما يؤيد ذلك ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء»[37].

وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم ومخالفة الظالم، وقسمة الفيء والغنائم وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها».[38]

ومن البين أن مخالفة الظالم وردعه وإيقافه عند حده، كما أن تقسيم المال بين المسلمين بصورة عادلة وأخذ الصدقات والحقوق المالية المتعلقة في ذمة المسلمين يتضمن الإشارة إلى التنظيم الاقتصادي على المستوى العام للمجتمع، ولا يتأتى ذلك عن طريق الأمر والنهي الفرديين المنحصرين غالباً في إطار الموعظة، بل يحصل ويتحقق بوجود جهاز تنفيذي حاكم، وسلطة إجرائية تتولى إدارة دفة البلاد وفق تعاليم الإسلام وأحكامه، فإن مثل هذا الأمر والنهي يحتاج إلى استعمال القوة لإجراء الحدود والعقوبات وتنفيذ الأحكام الجزائية وتقسيم الأموال وما أشبه ذلك، وهي أمور لا يمكن أن تتحقق عادة إلا في ظل سلطة وجهاز تنفيذي متين.

ومن هنا تكون الوظيفة العمومية وما يترتب عليها من الحبس والتأديب والقصاص وما شابه ذلك رهينة بوجود سلطة تنفيذية يعهد إليها الأمر والنهي الاجتماعيين العموميين اللذين فيهما صلاح عامة الناس واستقامة أمورهم، وربما يمكن استفادة هذا مما روته العقيلة زينب (عليها السلام) عن مولاتنا الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام): «الأمر بالمعروف مصلحة للعامة»[39] إذ أي أمر بالمعروف يمكن أن يكون مصلحة للعامة بمعناها الشامل إذا لم يكن للقائم به جهاز ذو قدرة وسلطان يقوم بذلك عن طريق الأجهزة والتنظيمات والتنفيذ العام.

 كما ربما يستفاد ذلك أيضاً مما ورد عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يتحدث عن واجبات الحاكم، فيقول: «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك»[40] ومن الواضح أنه لا يتحقق أمان المظلومين وإقامة الحدود المعطلة وإظهار الإصلاح العام في البلاد وتطبيق السنن الإلهية والأحكام الربانية بنحوها العام إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذين يقومان على سلطة وجهاز تنفيذي قوي؛ إذ كيف يمكن قيام الفرد أو الأفراد بكل ذلك وهو بحاجة إلى قدرة وتمكن ونفوذ أمر وسلطان؟

 وبذلك ربما يجمع بين الطائفتين من الآيات والروايات اللتين يضع قسم منها هذه الوظيفة على عاتق الجميع، وقسم منها على عاتق جماعة خاصة، بإرجاع الأول إلى الوظيفة الفردية منهما، فيجب على الجميع، والثاني إلى الوظيفة الاجتماعية التي تختص بأمة متمكنة من السلطة. وهذا لا يتنافى مع الواجب الكفائي؛ إذ يمكن أن يكون الواجب الفردي كفائياً بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في موارده الشخصية، كما يكون على نحو الواجب الكفائي في الأمور العامة إذا تصدى لإدارة الدولة ونظام الحكم جماعة مما فيهم الكفاية والكفاءة.

ولعل مما يعضد ذلك أموراً:

أحدها: فتوى الفقهاء في باب الحدود، والتي تضافرت على أنه لو وجب قتل مسلم قصاصاً لم يجز لأحد أن يقتص منه إلا ولي الدم بإذن الحاكم، أو الحاكم نفسه، فلو قتله غيره كان عليه القود[41].

ثانيها: ذكر الفقهاء للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شروطاً أربعة، هي:

أولاً: أن يكون عارفاً بالمعروف والمنكر ليأمن الغلط.

ثانياً: أن يحتمل تأثير إنكاره، فلو غلب على ظنه أو علم أنه لا يؤثر لم يجب عليه شيء.

 ثالثاً: أن يكون الفاعل للمنكر مصراً على الاستمرار، فلو لاحت منه أمارة الامتناع أو قلع عنه سقط الإنكار.

رابعاً: أن لا يكون في الإنكار مفسدة، فلو ظن توجه الضرر إليه أو إلى ماله أو إلى أحد من المسلمين سقط الوجوب [42].

ومن المعلوم أن الشرط الثاني والثالث من قسم الأمر والنهي الشخصي لا الاجتماعي؛ إذ لا يعتبر في الاجتماعي من هذه الفريضة احتمال التأثير، بل للحاكم أن يجري الحدود والعقوبات المقررة، فيقتص من القاتل أو الجارح، ويقطع يد السارق سواء أكان هناك تأثير أو لا لو توفرت سائر الشرائط؛ لوجوب النظام وحفظ الحقوق العامة والمصالح النوعية.

 ثالثها: ما أورد في أحكام الحسبة وحدودها.

الحسبة: عرفها في المجمع: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،[43] وبعض الفقهاء جعلها عنوانا للباب المذكور،[44] بل ظاهر إطلاقات الأمر والنهي في الآيات[45] والروايات[46] كونها من مصاديقها؛ بداهة أن ظاهر الأمر تعلقه بالواجب والنهي بالحرام، إلا أن الظاهر أنها أعم من ذلك؛ إذ قد تجري في غير المعروف والمنكر من المصالح الاجتماعية الهامة على ماهو المستفاد من معناها اللغوي[47] والعرفي[48].

نعم، بناء على شمول المعروف لكل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه عقلا او شرعا كالمصلحة العامة او الخاصة والمنكر لكل فعل قبيح اختص بوصف زائد على قبحه كذلك كالمفسدة العامة او الخاصة يتطابق المعنيان، وحينئذ تختص الحسبة بالمصالح العامة، والأمر والنهي بالشؤون الفردية؛ لكونهما من قبيل الظرف والجار والمجرور او الفقير والمسكين، فتأمل.

وبناء على هذا يشترط في المحتسب مايشترط في الآمر والناهي إلا ماخرج موضوعا أو اقتضته ضرورة المصلحة العامة من قبيل احتمال التأثير وإصرار الفاعل للمنكر عليه، او أن يكون مؤتمرا بنفسه حيث اشترطت في الأمر والنهي،[49] والحال أن إطلاقات الأدلة وقيام الضرورة العامة تستدعي عدمها في الحسبة؛ لكونها معدة لحفظ الأغراض الشرعية والمظاهر العامة في المجتمع.

ولعل من هنا ذهب البعض إلى إلغاء الشرط الأول في صورة ترتب مصلحة ملزمة عليه[50] ولو كانت من قبيل إظهار الحق وإذاعته، أو حفظ الجو العام، أو التعليم والإرشاد، أو التأثير الاستقبالي على الفاعل أو غيره.

وكيف كان، فالحسبة من القواعد الشرعية والضرورات الاجتماعية التي تتطلبها طبيعة الحياة، بل هي من مصاديق الإصلاح بين الناس.

قال تعالى:{أو إصلاح بين الناس}[51] ولاخلاف في لزوم تصدي عدول المؤمنين للشؤون العامة التي ليس لها راع خاص يرعاها من باب الولاية،[52] وإنما الخلاف في أن ولايتهم في عرض ولاية الفقيه أو في طولها؟ حكي الأول عن جمع منهم المقدس الأردبيلي (قدس سره) [53] وذهب المشهور إلى الثاني.

وكيف كان، فلو عيّن الفقيه جماعة للتصدي للشؤون الحسبية أمكن جعلهم في ضمن جهاز ومؤسسة خاصة؛ لفحوى مادل على وجوب التصدي للفرد، خصوصا إذا توقف ذلك على النظم والقوة والاستعداد الجماعي، وفي وجوب استئذانهم من الفقيه حين التصدي احتمالات، أقواها التفصيل بين ماكان من الشؤون الخاصة فلا لكفاية الإذن العام والشؤون العامة كالحرب والسلم لقيام الإجماع على لزومه، ولاحتمال ترتب مفاسد عظيمة على التصدي دون إذن، وفي صورة عدم التمكن من الفقيه فالظاهر جواز تعيين الأمة جماعة من عدول المؤمنين لذلك إن لم يتصد جماعة لها، وعلى هذا يمكن تعريف المحتسب بمن نصبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعية في صورة الوجود أو التمكن منهما، وفي صورة التعذر فيشمل من نصبه المؤمنون لها، وبذلك يظهر أن المحتسب هو من نصّبه الإمام أو نائبه للنظر في أحوال الرعية، والكشف عن أمورهم ومصالحهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ومن شروطه أن يكون مسلماً حراً بالغاً عاقلاً عدلاً قادراً.

 ومن الواضح أن الحرية والبلوغ والعدالة ليست من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمور الشخصية[54]، ولعل هذا التباين في الشرائط والصلاحيات يكشف عن تنوع وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نوعين مختلفين: فردي وعمومي، والأول هو وظيفة كل فرد من أفراد المسلمين، بينما يختص الثاني بجهازٍ وسلطة تقوم على أهل الخبرة والعلم والمعرفة، تتطلب حكمة الشارع وجودها في الحياة الإسلامية؛ لان تعطيلها يستلزم ضياع الحقوق واختلال النظام والعسر والحرج.

وربما يمكن تلخيص بعض الفروق الحكمية بين المحتسب والآمر بالمعروف في وجوه:

أحدها: أن فرض المحتسب بحكم الولاية عيني بينما الثاني على نحو الكفاية وبحكم التكليف العام.[55] نعم في ظاهر النهاية أنه عيني ايضا،[56] وحكاه في المختلف عن جماعة،[57] وكذا في المسالك،[58] وربما نجمع بينهما بما لو كان قيام البعض به محققا للغرض فإنه يسقط عن الباقين بلا إشكال.

ثانيها: أن المحتسب معين لهذه الوظيفة، فلا يجوز له أن يتصدى لغيرها إذا كانت مزاحمة لها بخلاف الآمر، فتأمل.

ثالثها: أن المحتسب منصوب للاستعداء إليه، وليس كذلك الآمر والناهي، وعليه اجابة من استعداه، وليس على الآمر الإجابة إلا إذا تعين الردع به، كما أن الإجابة في الأول فورية وليست كذلك في الثاني.[59]

رابعها: أن للمحتسب أن يتخذ على الإنكار أعواناً؛ لأنه عمل هو منصوب له، فتجب عليه مقدماته، ولايشترط ذلك في الأمر والنهي.

خامسها: قد يقال بعدم سقوط الأمر والنهي عن المحتسب لو ارتدع الفاعل من نفسه حياء، أو لمصلحة؛ لبقاء موضوع الحق العام وحفظ النظام ووجوب إقامة الدين،[60] بخلاف الأمر والنهي،[61] وفي سقوطه عنه أيضا بالتوبة والإذعان احتمالان، أقواهما السقوط لتحقق الغرض وانتفاء الموضوع، فتأمل.

سادسها: أن للمحتسب أن يعزر او يؤدب في المنكرات الظاهرة بحسب الإذن العام، ولا يتجاوزها إلى الحدود؛ لتوقفها على شروط خاصة أهمها كونها بيد الفقيه الجامع للشرائط، أو بالإذن الخاص منه[62].

سابعها: للمحتسب أن يرتزق من بيت المال على حسبته، وليس للآمر ذلك بناء على عدم جواز تقاضي الأجر على الواجبات، كما يجوز أخذ المحتسب ذلك من قسم الزكاة من سهم سبيل الله، كما يجوز تخصيص قسم من سهم الإمام (عليه السلام) له؛ للأصل والإطلاق وظهور الاتفاق[63] فهذه بعض وجوه الفرق بين من يحتسب بولاية الحاكم الشرعي وبين من يتصدى للأمر والنهي، ومنه يظهر أن الحسبة تعد من المناصب الحكومية، بخلاف غيرها؛ لأن المحتسب يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المصالح العامة من موقع الحكم، وهو مايظهر من كلمات جمع، فعن الشهيد (قدس سره): يجوز للاحاد مع تعذر الحكام تولية احاد التصرفات الحكمية على الأصح، كدفع ضرورة اليتيم لعموم {وتعاونوا على البر والتقوى}[64] وقوله (عليه السلام): «فإن الله عز وجل في عون المؤمن ماكان المؤمن في عون أخيه المؤمن»[65] وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كل معروف صدقة»[66] وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس من المجتمع وتفريقها في أربابها؟ وكذا بقية الحكام غير مايتعلق بالدعاوي؟ فيه وجهان: وجه الجواز ماذكرنا؛ ولأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال، وهي مطلوبة لله تعالى[67]، وقد اختاره كاشف الغطاء (قدس سره) في غير موضع من كتابه[68] والشيخ (قدس سره) في المكاسب[69]، وعن الميرزا النائيني (قدس سره) بعد القول بثبوت الولاية للفقيه بالنسبة إلى ماعلم بعدم رضاء الشارع في تعطيله:

أنه مع التمكن في الإرجاع إليه لايجوز لغيره التصدي، ويجوز التصدي عن المأذون من قبله، ومن جعله الفقيه نائبا عن نفسه ضرورة أن الأمور الحسبية ليست كمنصب القضاء مما لاتكون قابلة للنيابة، ومع عدم التمكن من الفقيه أو نائبه العام أو الخاص يكون وظيفة لعدول المؤمنين[70]، وهو ظاهر السيد الأستاذ أعلى الله مقامه في الفقه[71]، وصريح السيد السبزواري (قدس سره) في المهذب[72]، وهو المحكي عن جماعة من العامة[73].

وفي مقدمة ابن خلدون قال: أما الحسبة فهي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يعيّن لذلك من يراه أهلاً له، فيتعين فرضه عليه، ويتخذ الأعوان على ذلك، ويبحث عن المنكرات، ويعزر ويؤدب على قدرها، ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة، مثل المنع من المضايقة في الطرقات، ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل، والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها، وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة، والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب، وغيرها في الإبلاغ في ضربهم للصبيان المتعلمين، ولا يتوقف حكمه على تنازع واستعداء، بل له النظر فيما يصل إلى علمه من ذلك، بل فيما يتعلق بالغش والتدليس في المعايش، وغيرها في المكاييل والموازين، وله أيضاً حمل المماطلين على الإنصاف وأمثال ذلك[74].

هذا ولعل مما يدل على أن القسم الاجتماعي من الأمر والنهي المصطلح عليه في لسان الفقهاء بالحسبة لا يختص بمجرد بيان المحرمات والواجبات، بل يقع على عاتق المحتسبين ما يتعدى الوعظ والإرشاد إلى استعمال القوة والسلطة كما ذكره الفقهاء للمحتسبين من وظائف كثيرة تشمل مناحي الحياة الاجتماعية كافة، وتقترن في الأغلب باستعمال الردع العملي والإشراف القاطع والمؤاخذة والعقاب.

وفي النهاية: ومهما تمكن من إقامة حد على مخالف له فليقمه، فإنه من أعظم الجهاد[75].

وفي الجواهر: أن المراد حينئذ من إطلاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الكتاب والسنة حمل تارك المعروف وفاعل المنكر على الفعل والترك بالقلب وباللسان وباليد كذلك، بل قد سمعت دعوى الاجماع من الاردبيلي (قدس سره)على الأخير فضلا عن الأولين[76]، وإليك نماذج من وظائف المحتسب التي توزعت اليوم في الوزارات والمديريات كما أوردها بعض الأعلام، وهي:

1. الحسبة على الخمرة، فإذا جاهر رجل بإظهار الخمر أراقه المحتسب وأدبه إن كان ذلك الرجل مسلماً، أو أدبه على إظهاره إن كان ذمياً،[77] ويدخل هذا في شؤون وزارة الداخلية.

2. الحسبة على الآلات المحرمة، فللمحتسب أن يفصلها حتى تخرج عن ذلك ويؤدب صاحبها،[78] ويمكن أن يدخل هذا في شؤون وزارة الداخلية.

3. الحسبة على أهل الذمة ومراقبة أحوالهم وتصرفاتهم، ومدى التزامهم بعهودهم ومراعاتهم لشروطها[79] ويدخل هذا في شؤون وصلاحيات وزارة الداخلية.

4. الحسبة على أهل الجنائز ومراقبة شؤونها من جهة الأمور الصحية والحقوقية[80]، ويدخل هذا في شؤون وزارة الداخلية ووزارة الصحة.

5. الإشراف على المعاملات التجارية لمنع المعاملات الفاسدة، كالبيوع الفاسدة، وتعاطي الربا، والإجارة الفاسدة، وهي تدخل في شؤون وزارة العدل.[81]

6. الإشراف على العلاقات الاجتماعية والأخلاقية ومنع الناس من مواقف الريب ومظان التهم[82]، وهذا يمكن ان يدخل في شؤون وزارة الداخلية أيضا.

7. مراقبة شؤون النقد ومنع التعامل بالنقود الزائفة بعد تحديدها وتعيينها[83]، وهو يدخل في شؤون وزارة المال أو الاقتصاد والدوائر التابعة لهما.

8. الحسبة على منكرات الأسواق، كمنع بعض السوقة من سد طرقات المارة بمتاعهم، وما شابه مما يدخل في صلاحيات الدوائر التابعة للأمور البلدية، وكمنع الحمالين من حمل أشياء بنحو يلحق الضرر بالمارّة كتمزيق ثيابهم أو تلويثها[84].

9. ضبط المكاييل والمقاييس المستعملة في الأسواق وتعيينها والمنع من التلاعب فيها[85]، مما يدخل في الشؤون البلدية.

10. مراقبة تجار الغلات للحيلولة دون احتكارها أو التلاعب فيها عند الحاجة وتعيين أسعارها عند الضرورة[86]، مما يدخل في صلاحيات وزارة التجارة والاقتصاد. وفي السرائر: متى ضاق على الناس الطعام ولم يوجد إلا عند من احتكره كان على السلطان والحكام من قبله أن يجبره على بيعه، ويكرهه عليه[87]، وهو اختيار الشيخ قدس سره[88]. وفي الرياض الإجماع عليه[89]، ولاتنحصر الحرمة بالغلات أو مطلق الأقوات، بل كل ماسبب أضرارا أو اقتضت المصلحة الأهم المنع من احتكاره، كالدواء والوقود والقماش ونحوها[90].

11. مراقبة الخبازين وأصحاب الأفران من الناحية الصحية منعاً من إصابة الناس بالأمراض والأوبئة، وهو يدخل في شؤون وزارة الصحة، وكذلك مراقبة باعة الأغذية والحلويات والأشربة لنفس الغرض من ناحية الأسعار.

12. ملاحظة القصابين واللحامين لمنعهم مما يوجب التلوث، كذبح الحيوانات في الأسواق، وبيع اللحوم الفاسدة، وتحديد أسعارها، وإعطائهم التعليمات الصحية، وهو يدخل في صلاحيات وزارتي الصحة والتجارة والدوائر التابعة لهما.

13. مراقبة التجار وبياعي الألبسة وما يتعلق بهذه المهن من شؤون، لمنع التلاعب الضار في هذا المجال، أو التلاعب في الأسعار والقيم، وكذا مراقبة الخياطين وصناع الثياب.

14. مراقبة المشاغل والمهن وأصحاب الحرف والصاغة والحدادين والنحاسين والصباغين والبياطرة والحمامات وأصحابها والفصادين والحجامين والأطباء والمجبرين والجراحين مراقبة شاملة من ناحية الأسعار والمبالغ التي يتقاضونها، أو شروط العمل، أو مواصفاته الصحية، مما يدخل بعضها في شؤون وزارة التجارة والاقتصاد، وبعضها الآخر في شؤون وزارتي الصحة والداخلية.

15. مراقبة المساجد والمؤذنين والوعاظ والقراء وعدم السماح بالتصدي لهذه المشاغل إلا لمن اشتهر بين الناس بالدين والخير والفضيلة، ويكون عالماً بالأمور والعلوم الشرعية مما يدخل الآن في نطاق صلاحيات وزارة الأوقاف.

16. الحسبة على مؤدبي الصبيان ومعلمي الأولاد، ومراقبة شروط الدراسة ومكانها وكيفيتها وما يرتبط بذلك، مما يدخل في مسؤوليات وزارة التربية والتعليم[91].

17. الحسبة على كتّاب الرسائل لمنع تصدي من لا أهلية له لذلك؛ لما في هذا الأمر من خطر على أسرار الناس وأعراضهم.

18. القيام ببعض التعزيرات والتأديبات لمن يتخلف عن القوانين الإسلامية المقررة[92].

19. الحسبة على أصحاب السفن والمراكب ومراقبة الطرق ووسائط النقل، مما يكون من شؤون وزارة الطرق والمواصلات.

20. الحسبة على شؤون العمل والعمال ومراقبة شؤونهم وحقوقهم وظروف عملهم، مما يدخل في شؤون ومسؤوليات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي[93].

في شرطة الأمور الحسبية

يظهر للمتتبع في الأخبار والسيرة تأكيد الاسلام على الحسبة، بل أقام الشرطة للقيام بها، وفي بعض الأخبار بلغت شرطة الخميس خمسة الاف إلى ستة الاف رجل، وفيهم أجلاء الرجال،[94] بل مارسها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفسه، كما أمر عماله بممارستها، فقد كان يمشي في الأسواق وحده، وهو ذاك يرشد الضال، ويعين الضعيف، ويمر بالبيّاع والبقال،[95] يقرأ عليهم القران، ويعظهم، ويحذرهم من الاضرار والغش، ويصلح بين الزوجين[96] او المتخاصمين[97]، ويحث على فعل الخير.[98]

وفي الكافي: كان امير المؤمنين (عليه السلام) بالكوفة عندكم يغتدي كل يوم بكرة من القصر، فيطوف في أسواق الكوفة سوقا سوقا، ومعه الدرة على عاتقه.... فيقف على أهل كل سوق فينادي:«يامعشر التجار، اتقوا الله... قدموا الاستخارة، وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومين، ولاتقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان، ولاتبخسوا الناس أشياءهم، ولاتعثوا في الأرض مفسدين» فيطوف (عليه السلام) في جميع أسواق الكوفة، ثم يرجع فيقعد للناس[99]، ويخاطب عماله: «أدقوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عني فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، وإياكم والإكثار، فإن أموال المسلمين لاتحتمل الأضرار»[100] وقد اوصى بعضهم بالجلوس للإفتاء وتعليم الجاهل ومذاكرة العلماء[101]، ويعض السماسرة بقوله: «يامعاشر السماسرة، أقلوا الأيمان فإنها منفقة للسلعة ممحقة للربح»[102].

ويوصي عماله بمعالجة الاحتكار ومعاقبة المحتكرين، ففي كتابه لمالك الأشتر قال:«فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منع منه، وليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل، واسعا لايجحف بالفريقين من البائع والمبتاع، فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل وعاقب في غير إسراف»[103] ويمنع من التعدي على المنافع العامة، وفي بعض الأخبار أنه (عليه السلام) مر في الفرات بمجلس لثقيف، فغمز عليه بعض شبانهم فأنذرهم وأمهلهم قائلا:«على أن أرجع وقد هدمتم هذه المجالس، وسددتم كل كوة، وقلعتم كل ميزاب، وطممتم كل بالوعة على الطريق، فإن هذا كله في طريق المسلمين، وفيه اأذى لهم»[104].

وبذلك ظهر أن الحسبة يمكن أن تقوم على جهاز ونظام يضبط تصرفات المواطنين، بحيث يمنع من الفساد والتعدي والإضرار، وهي مهمة الحاكم أولا، ولكن حيث إنه يتعذر عادة إلاعبر جماعة ينتظمون في سلطة إدارية تتصدى لها ضمن شروط وصلاحيات قررها الشارع في بابها، خصوصا إذا اتسعت رقعت البلاد، وتشعبث الحياة الاجتماعية وتشابكت المصالح والرغبات وجب التنظيم من باب وجوب مايتوقف عليه الواجب.

ومن مجموع ما تقدم يظهر أن السلطة التنفيذية ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية؛ إذ لا يقوم للناس نظام ولا صلاح ولا أمنٌ ولا تحفظ لهم حقوق ولا تقوم لهم دولة أو حكومة إلا بها.

الأمر الثاني: هل الرئيس الأعلى من السلطة التنفيذية؟

أقوال في المسألة:

الأول: الدخول، وهو المشهور بين علماء السياسة الوضعية، وعلى هذا الرأي تتسع السلطة التنفيذية، وتشمل رئيس الدولة ورئيس الوزراء والوزراء وجميع موظفي الوزارات، ورئيس الدولة هو صلة الوصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.[105]

الثاني: العدم، وهو المشهور بين من كتب في فقه السياسة الإسلامية، حيث يمنح رئيس الدولة صلاحيات أكثر من الشؤون التنفيذية، ويحصر السلطات التنفيذية بالوزراء والأمراء والمدراء والعمال والضباط والكتّاب ونحوهم، وأما الرئيس فلا، وهذا ما قد يتطابق مع مسلك الخاصة والعامة، حيث إن الحكومة الإسلامية عند الخاصة تقوم على نظام الإمامة في زمن الحضور، ونيابتها في زمن الغيبة، وعليه فإن الإمام والفقيه يتوليان ما هو أعلى من منصب الرئاسة، وهو الإشراف العام والكامل على جميع أجهزة الدولة، وأما عند العامة فحيث إن الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، فهي أعلى من سلطة الوزارة، وأشرف رتبة.

الثالث: هو التفصيل بين الرئيس إذا كان فقيهاً جامعاً للشرائط، وبينه إذا كان منصوباً من قبل الفقيه الجامع للشرائط، فالأول لا يدخل في السلطة التنفيذية لعلو مرتبته بالنص والنيابة العامة بخلاف الثاني، وهذا اختيار بعض الفقهاء منهم السيد الأستاذ (قدس سره)، كما يظهر من كلماته في الفقه السياسة وغيره[106]. قال في الأول: إن الأقرب إلى الاستشارة والنيابة عن الإمام في الإسلام أن يكون الحكم ذا رتبتين طولاً، فتنتخب الأمة نوابها لمجلس الأمة، وتنتخب الفقيه الجامع للشرائط لأن يكون سلطة أعلى في الدولة، وهذان المنتخبان يتعاونان في انتخاب السلطة التنفيذية، كرئيس الجمهورية، إما مباشرة، وإما ترشيحاً في عدد ينتخب الجمهور أحدهم، فيكون الفقيه المشرف الاستشاري الأعلى، والمجلس يقنن، أي يؤطر القوانين الإسلامية، ويرى التطبيق الأليق لها، ورئيس الدولة ينفذ، مع لزوم أن يكون في الدولة أحزاب متعددة، ولا فرق بعد ذلك أن تكون قيادة الفقيه على نحو الجماعية والتعدد والشورى، أو تكون على نحو الوحدة،[107]

ولا يخفى أن إطلاق كلامها على الله مقامه هنا ظاهر في دخول رئيس الجمهورية ضمن السلطة التنفيذية، بلحاظ أنه منصوب من قبل الفقيه الجامع للشرائط، وأما إذا كان الرئيس هو الفقيه الجامع للشرائط فإنه يخرج عنها حينئذٍ للأدلة الخاصة.

هذا ومع توسع جوانب الحياة المختلفة وتشابك المجتمعات توسعت أطراف السلطة التنفيذية، فأصبحت الحاجة إلى عدد من الوزراء، وإلى وجود معاونين للوزراء، ويتم تعيين الوزارة إما من قبل مجلس للشورى أو من قبل رئيس الدولة بصورة مباشرة، ولا مانع من كلا الطريقين بعد وجود المقتضي وانعدام المانع الشرعي أو العقلي، فإن صورة التنظيمات التنفيذية والأجهزة التابعة لها منوطة بالأحوال والمستجدات وظروف البلاد المختلفة، وليس هناك شكل محدد يلزم على الأمة اتباعه. نعم ينبغي مراعاة جملة من الضوابط والشروط في عملية الاختيار سنتعرض إليها إن شاء الله تعالى في المسائل.

الأمر الثالث: في وجوب تشكيل السلطة التنفيذية

إن سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قائمتان على تشكيل سلطة تنفيذية لتطبيق الأحكام والقوانين، فيثبت وجوب ذلك علينا أيضاً لوجوه:

أحدها: عقلي، وهو ضرورة حفظ النظام وتطبيق القانون دفعاً لنقض الغرض من التشريع وبيان الأحكام.

ثانيها: شرعي، وهو السيرة بضميمة وجوب الاقتداء بسيرتهما ô.

ثالثها: عقلي شرعي، وهو الأولوية، إذ لو ثبت لزوم ذلك على النبي الأعظم والإمام ô لتطبيق القوانين والأحكام مع عصمتهما وبساطة المجتمع والدولة في عهدهما بالقياس إلى ما عليه الآن وجب علينا بالأولوية القطعية، لعدم العصمة وتشابك المجتمع والدولة في عهدنا. ومن دلائل ذلك ما تضافر نقله في التاريخ من تعيين النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) للولاة والجباة والقضاة ونحوهم. منها: ما قاله ابن الاثير: استعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عتاب بن أسيد على مكة وإقامة الموسم والحج بالمسلمين سنة ثمان[108]. ويظهر من بعض التواريخ أنه كان دون العشرين سنة.

ومنها: ما في الكامل: لما أسلم بادان نائب كسرى ولاه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على جميع مخاليف اليمن، وكان منزله بصنعاء مملكة التبابعة، وبقي حتى مات بعد حجة الوداع، ثم ولى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنه شهربند بادان على صنعاء، وولى على كل جهة واحداً من أصحابه[109].

وفي ترجمة الحارث بن نوفل الهاشمي ورد: أنه ولاه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بعض أعمال مكة.[110] وعن ابن سعد أنه صحب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستعمله على بعض عمله بمكة، واستمر متولياً لهذا المقام إلى عهد عثمان.[111]

ومنها: ما في ترجمة سعد الدوسي قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت فاستعملني على قومي، وجعل لهم ما أسلموا عليه من أموالهم.[112]

ومنها: ما في ترجمة لامرئ القيس بن الأصبغ الكلبي، فقال: كان زعيم قومه، وبعثه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عاملاً على كلب في حين إرساله إلى قضاعة.[113]

ومنها: ما في ترجمة لعبد الرحمن بن إيزي الخزاعي: فنقل عن ابن السكن فقال: استعمله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على خراسان.[114]

ومنها: ما في العلاء بن الحضرمي أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) استعمله على البحرين.[115]

ومنها: ما في عمرو بن حزم الأنصاري استعمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على نجران، وروى عنه كتاباً كتبه له في الفرائض والزكاة والديات وغير ذلك.[116]

وفي أسد الغابة: استعمله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أهل نجران وهو ابن سبع عشرة سنة، بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد فأسلموا.[117]

وفي الاستيعاب: ليفقههم في الدين، ويعلمهم القران، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر[118].

ومنها: ما في ترجمة عمرو بن سعيد بن العاص: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استعمله على ثمار خيبر وغيرها، وقبض وهو عليها[119].

ومنها: ما في ترجمة قضاعي بن عامر الديلي: أنه كان عامل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بني أسد[120].

ومنها: ما في ترجمة قيس بن مالك الأرحبي: أنه لما أسلم وأسلم قومه كتب له عهداً على قومه همدان عربها ومواليها وخلائطها أن يسمعوا له ويطيعوا، وأن لهم ذمة الله ما أقاموا الصلاة[121].

ومنها: ما في ترجمة سواد بن غزية البلوي الأنصاري: كان عامل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على خيبر[122].

ومنها: ما في خالد بن سعيد بن العاص حيث أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على اليمن وأعمالها[123].

ومنها: تأميره زياد بن لبيد الأنصاري على حضر موت[124]، وتأميره لأبي موسى الأشعري على مخاليف اليمن: زبيد وذوانها إلى الساحل[125]،إلى غير ذلك من الموارد العديدة[126].

وفي سيرة ابن هشام ذكر جملة من المناصب للجباة الذين كان يبعثهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأمراء وعمّال على الصدقات. قال ابن إسحاق: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء، فخرج عليه العنسي وهو بها... وبعث عدي بن حاتم على طيء وصدقاتها، وعلى بني أسد، وبعث مالك بن نويرة... على صدقات بني حنظلة... وبعث مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى أهل نجران ليجمع صدقاتهم بجزيتهم[127].

وفي الاستيعاب أيضاً:أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث معاذ بن جبل قاضياً إلى الجند من اليمن، يعلّم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إليه قبض الصدقات من العمال الذين باليمن[128].

كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستخلف على المدينة أو على أهله حينما يخرج منها لحرب أو غزوة دفاعاً من المشركين والكافرين واليهود وما أشبه.

قال الواقدي في المغازي: واستخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مغازيه على المدينة في غزوة ودان سعد بن عبادة، واستخلف في غزوة بواط سعد بن معاذ، وفي طلب كرز بن جابر الفهري زيد بن حارثة، وفي غزوة ذي العشيرة أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وفي غزوة بدر أبا لبابة بن عبد المنذر العمري، وفي غزوة السويق أبا لبابة بن عبد المنذر العمري، وفي غزوة الكدر ابن أم مكتوم المعيصي، وفي غزوة ذي أمر عثمان بن عفان، وفي غزوة بحران ابن أم مكتوم، وفي غزوة أحد ابن أم مكتوم، وفي غزوة حمراء الأسد ابن أم مكتوم، وفي غزو بني النضير ابن أم مكتوم، وفي غزوة بدر الموعد عبد الله بن رواحة، وفي غزوة ذات الرقاع عثمان بن عفان، وفي غزوة دومة الجندل سباع بن عرفطة، وفي غزوة المريسيع زيد بن حارثة، وفي غزوة الخندق ابن أم مكتوم، وفي غزوة بني قريظة ابن أم مكتوم، وفي غزوة بني لحيان ابن أم مكتوم، وفي غزوة الغابة ابن أم مكتوم، وفي غزوة الحديبية ابن أم مكتوم، وفي غزوة خيبر سباع بن عرفطة الغفاري، وفي عمرة القضية أبا رهم الغفاري، وفي غزوة الفتح وحنين والطائف ابن أم مكتوم، وفي غزوة تبوك ابن أم مكتوم، ويقال محمد بن مسلمة الأشهلي، وفي حجة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن أم مكتوم.[129]

وفي صفة الصفوة: لم يتخلف علي (عليه السلام) عن المشاهد إلا تبوك، فإن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خلفه على المدينة،[130] كما رواه ابن سعد عن الفضل بن دكين، حيث قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج إلى تبوك استخلف على المدينة علي بن أبي طالب(عليه السلام).[131]

وفي الاستيعاب: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم المدينة يستخلف علياً في أكثر غزواته.[132]

ولا يخفى أن ماورد من أسماء ومناصب وإن كان ربما يختلف عليها على حسب الروايات إلا أنها في المجموع متفقة على الكبرى الدالة على أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمارس سلطة تنفيذية على الناس، فيستخلف فيهم أميراً أو قاضياً أو والياً وما أشبه ذلك، فهو كان صاحب شريعة، كما أنه كان مؤسس حكومة ودولة، وأما النقاش في الأسانيد وما أشبه ذلك فهو صغروي مصداقي لايضر بالنتيجة. هذا مضافاً إلى ما ذكره المؤرخون من أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يبعث إلى الملوك والرؤساء جماعة من أصحابه كسفراء أو مبعوثين.

قال ابن هشام في السيرة: بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رسلاً من أصحابه، وكتب معهم كتباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام، فبعث دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم، وبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس، وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ملك الحبشة، وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ملك الإسكندرية، وبعث عمرو بن العاص السهمي إلى جيفر وعياذ ابني الجلندي الازديين ملكي عمان، وبعث سليط بن عمر وأحد بني عامر بن لؤي إلى ثمامة بن اثال وهوذة بن علي الحنفيين ملكي اليمامة، وبعث العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين، وبعث شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام[133].

وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى: وبعث ستة نفر في يوم واحد إلى الملوك، وأصبح كل منهم يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم، وهذه معجزة أخرى[134]، ولا يخفى أن إرسال الرسل والمبعوثين هو نوع من الممارسة الدبلوماسية السياسية التي يمارسها حاكم اوسلطان تجاه الدول والحكام الآخرين، وهو يدخل في ضمن مهام السلطة التنفيذية.

هذا بعض ما ورد في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذا مثله ما في سيرة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)[135]. وعليه فحيث إنهما ô قدوة وأسوة يفيد الوجوب الشرعي لوجوب التأسي مضافا إلى الوجوب العقلي المستفاد من الأولوية والضرورة، وبذلك يظهر بطلان ما زعمه بعض المستشرقين وتأثر به بعض الكتّاب من المسلمين، حيث ذهبوا إلى أن الإسلام خالٍ من السلطة التنفيذية؛ لكونه يشتمل على قوانين وسنن رفيعة تتكفل سعادة المجتمع فردياً واجتماعياً، وليس فيها إلا توصيات أخلاقية وإرشادات معنوية دون أن يكون لديه ما يضمن تنفيذها من سلطات وأجهزه، فإننا لم نلمس في التعاليم الإسلامية على حد زعمهم إشارة إلى هيئة تنفيذية تقوم بإجراء الأحكام وتنفيذ القوانين؛ ولذلك تعتبر الشريعة الإسلامية غير كافية من هذه الناحية، وعاجزة عن التطبيق، فإنك بعد أن اطلعت على الآيات والروايات والأدلة الفقهية وسيرة النبي والإمام عليهما السلام غني عن رد مثل هذه المزاعم.

الأمر الرابع: مسائل وتفريعات

المسألة الأولى: في كيفية انتخاب السلطة التنفيذية

لا يجوز أن تتولى السلطة التنفيذية شؤون الدولة والحكم إلا برضى الأمة وانتخابها بعد توفر الشرائط، وانتخاب الأمة للسلطة له صور عدة:

إحداها: أن ينتخبهم الفقيه الجامع للشرائط بما أنه ولي على الأمة ومنتخب من قبلها.

ثانيها: أن ينتخبهم مجلس الشورى لكونه ممثلاً للأمة.

ثالثها: أن تنتخبهم الأمة مباشرةً في عمليات اختيار عامة لكل الناس.

رابعها: التشريك في الانتخاب بين الأمة ووسائطها كالفقيه أو المجلس، كما هو المتعارف في العديد من البلدان اليوم، حيث تنتخب الأمة الرئيس أو رئيس الوزراء، ثم يقوم هو بترشيح وزرائه ويعرضهم على مجلس الشورى أو الأمة فيصوّب عليهم، ولا يخفى أن الأقرب إلى روح الاستشارية بل الأقرب إلى الجمع بين الأدلة هو الصورة الثالثة، ثم الرابعة، وأما الثانية والأولى فما دام الفقيه والمجلس منتخباً من قبل الأمة فيكون ما يختاره أحدهما اختياراً للأمة بالواسطة، ولا مانع منه شرعا أو عقلا إلاّ أنه بالقياس إلى الاستشارية العامة والشاملة أبعد.

المسألة الثانية: في شرائط المرشحين للسلطة

يجب توفر جملة من الشرائط العقلائية والشرعية في أعضاء السلطة التنفيذية حتى يستحقوا الترشيح لانتخاباتها، وذلك لعمومات أدلة الأمانة وحفظ الحقوق ودفع الظلم والفساد وغيرها من الملاكات، فضلاً عن الحكم العقلي القاضي بلزوم تحقيق الغرض من السلطة.

ولا يخفى أن أكثر المشاكل التي تعانيها أنظمة الحكم في العالم ترجع إلى سوء انتخاب الوزراء والأمراء والعمّال قصوراً أو تقصيراً، وإلى فساد المسؤولين أو عدم كفايتهم، فيوجب ذلك تشتت الأمور ورجوع الأمة إلى الوراء، ولذا فإن العقل والشرع يحكمان باعتبار شروط ومواصفات في الولاة والوزراء والعمال يجب رعايتها وإعمال الدقة في تحقيقها، وإهمالها يعد خيانة للإسلام والأمة الإسلامية، ولعل من عمدتها العقل الوافي والإيمان والتخصص والتجربة والقدرة على التصميم والعمل والوثاقة والأمان والزهد والتعفف وما أشبه ذلك، وقد ورد في القرآن الكريم آيات عديدة مضافاً إلى ما ورد في السنة الشريفة من الأخبار استنتج منها الفقهاء شروطاً لتعيين الوزراء والعمال والقادة العسكريين والولاة وغيرهم، ولعل من أبرزها ما يلي:

الأول: الإسلام، فإن تولي الكفار من مصاديق السبيل والعلوّ على الإسلام والمسلمين، وهما منهيان عنهما قال تبارك وتعالى:{لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}[136] وعن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): الإسلام يعلو ولا يعلى عليه[137] والرواية الشريفة كالآية في مقام الإنشاء او هي إخبار في مقام الإنشاء، ومنه يستفاد بأن تولي الكفار للمناصب في السلطة التنفيذية على المسلمين حرامٌ، كما أن ولايتهم باطلة.

الثاني: أن لا يكون مرتكباً لجناية أو جنحة مخالفة للشرف. قال تبارك وتعالى:{أفنجعل المسلمين كالمجرمين}[138] والآية في مقام نفي المساواة بينهم لمكان الاستفهام الاستنكاري.

الثالث: أن لا يكون مسرفاً ولا جاهلاً ولا فاسقاً. قال عز وجل:{ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون}[139] حيث نهت عن طاعة المسرفين، إما لعدم وجود المقتضى بسبب فقدان الأهلية الناشئة من الخيانة ونحوها، أو بسبب وجود المانع؛ لما يترتب عليه من الفساد في الأرض والفوضى، وعليه فلو انطبق على السلطة التنفيذية جميعاً أو رئيساً أو وزيراً منها هذا العنوان حرمت طاعته، بل ووجب عزله لسقوط أهليته، وكذا الكلام في ولاية الجاهل والفاسق. قال عز وجل:{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}[140] وقال تبارك وتعالى:{أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون}[141] ومن الشروط ً المتفرعة عن ذلك أن لا يكون سفيهاً، كما قال تبارك وتعالى:{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما}[142] والسفه نقص العقل[143]، وهو المستفاد من الأخبار، فيدل بالأولوية على عدم جوازه في السلطة أيضا.

الرابع والخامس: الأمانة والكفاءة الجسمية. قال تبارك وتعالى:{قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}[144] وقال تبارك وتعالى:{اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}[145] وفي الآية إشارة إلى جواز تصدي من يجد في نفسه الكفاءة لهذا المقام، ولا يبعد رجحان ملاكه على ملاك التواضع والتزهد فيها اللذين هما من المندوبات، بل لا يبعد القول بوجوب التصدي إذا لم يتصد لها من فيه الكفاية.

هذا وهناك بعض الإشارات أو الدلالات لبعض هذه الأوصاف أو غيرها وردت في الروايات الشريفة.

منها: ما في رواية الكليني رضوان الله عليه في أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من عمل على غير علمٍ كان ما يفسد أكثر مما يصلح»[146].

وفي صحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها»[147] وتدل بالأولوية على لزوم مراعاة الأفضلية، ونحوها فيما يرتبط بالشعب والدولة والحكومة وتولي أمور الناس.

وفي كتاب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأِشتر: «ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختباراً، ولا تولهم محاباة وأثرة، فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام المتقدمة، فإنهم أكرم أخلاقاً، وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع إشراقا، وأبلغ في عواقب الأمور نظراً، ثم أسبغ عليهم الأرزاق، فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك... ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك، فإن الرجال يتعرضون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن خدمتهم، وليس وراء ذلك من النصيحة والأمانة شيء، ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك، فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً، فإن ذلك دليل على نصيحتك لله ولمن وليت أمره».[148]

وكتب بعض الحكام في وصف وزيره وأسباب اختياره له وقال: «إني التمست لأموري رجلاً جامعاً لخصال الخير، ذا عفة في خلائقه، واستقامة في طرائقه، قد هذبته الآداب، وأحكمته التجارب، إن أؤتمن على الأسرار قام بها، وإن قلّد مهمات الأمور نهض فيها، يسكته الحلم، وينطقه العلم، وتكفيه اللحظة، وتغنيه اللمحة، له صولة الأمراء، وأناة الحكماء، وتواضع العلماء، وفهم الفقهاء، إن أحسن إليه شكر، وإن ابتلي بالإساءة صبر، لا يبيع نصيب يومه بحرمان غده، يسترق قلوب الرجال بخلابة لسانه وحسن بيانه».[149]

ومن مجموع ذلك يظهر أن الإسلام يهتم بالجوهر، فإذا تم اختيار الوزير ضمن تلك المعايير القرآنية والروائية، فإنه سيقوم بأمر هذه الوزارة خير قيام، سواء كان انتخابه في جهازه التنفيذي بواسطة الأمة مباشرةً أو بالوسائط.

 هذا ولا يخفى عليك أن نفوذ السلطة التنفيذية يتقوم بطاعة الناس لها، وإلا صار وجود السلطة لغواً لا فائدة فيه ولا أثر له. ومن هنا ورد عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) روايات عديدة متضافرة تحث على طاعة الحاكم الصالح، وصاحب السلطة العادل ما دام جامعا للشرائط.

 منها: ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طاعة السلطان واجبة، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله عز وجل»[150] والحديث ظاهر في ملازمة طاعة السلطان لطاعة الباري عز وجل ما دام السلطان عادلاً، سواء كانت الملازمة ناشئة من المظهرية والتمثيل لكون الحاكم خليفة على الناس، أو من الامتداد لكون طاعة الحاكم العادل امتدادا لطاعة الله سبحانه؛ لجهة أمره بالعدل واتباعه، أو من جهة تنصيب العدول حكاما، وحرمة تولي الظالمين، فتدل بالملازمة على وجوب إطاعتهم.

 وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيها الناس، إن لي عليكم حقاً، ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم»[151] وهذا لا يختص بالإمام المعصوم (عليه السلام)، بل يجري حتى في نائب الغيبة، لكونه منصباً من قبله (عليه السلام).

 ولما سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن حق الإمام على الناس قال:«حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا»، فقيل فما حقهم عليه؟ قال:«يقسم بينهم بالسوية، ويعدل في الرعية».[152]

وعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): «أن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم»[153].

ومن ذلك يظهر أن طاعة الأمة للحكام الصالحين والإخلاص لهم وتنفيذ مقرراتهم يشكل عاملاً أساسياً في ثبات الحكومة واستقرارها وموفقيتها في إدارة البلاد والعباد على أحسن وجه، وعليه فإنه بعد أن توفرت شرائط الحكومة الصالحة شرعاً لا يجوز مخالفتها، أو الخروج عن قراراتها؛ لأنه مناف لأدلة اللزوم في العهود، ومستلزم للفوضى واختلال النظام، فضلاً عن منافاته لوجوب الطاعة للحاكم العادل.

المسألة الثالثة: في صور السلطة التنفيذية

السلطة التنفيذية من حيث الكم والكيف تتكوّن من اثنتي عشرة صورة هي: أن يكون الحكم بيد واحدة أو اثنين أو أكثر، وكل من الأقسام الثلاثة إما يحكم بالوراثة أو بالانقلاب العسكري أو بالانتخابات، والانتخابات هي الأخرى إما تتم بمباشرة الأمة أو من قبل المجالس المنتخبة من قبلها، وحيث إن بعض الصور لا وجود لها في الخارج نعرض عنها ونكتفي بالإشارة إلى ما هو قائم بالفعل في دول العالم، وهي كالتالي:

الأولى: الملكية، وهي على نحوين: الوراثية وغير الوراثية، وتتخذ الوراثية منها أشكالاً مختلفة في المظهر لا في الجوهر، كالسلطنة أو الأمارة أو الخلافة أو المشيخة أو ما أشبه ذلك، كما هو واقع في جملة من الدول اليوم، كما أن الوراثة للسلطة قد يكون في الأولاد، وقد يكون في العائلة، وقد يكون في القبيلة، والغالب أن ترافق هذا النوع من الحكم حالة الاستبداد؛ بداهة أنها إما تلغي المواصفات الشرعية في قائمة الحكام كما تلغي حق اختيار الأمة بالكامل، أو تحدد اختيارها في أحسن الفروض في العائلة الحاكمة، والثانية وإن كانت أهون من الأولى إلا أنها بالقياس إلى الانتخابات الحرة المفتوحة تعد نوعاً من الاستبداد أيضاً. نعم لا ملازمة بين هذا النوع من الاستبداد وبين الظلم والجور في ممارسة السلطة وتنفيذ مقرراتها؛ ولذا ورد في القرآن الحكيم:{وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً}[154].

ومن الواضح أنه إذا كان تنصيب الملك بأمر الله سبحانه وتعالى لا يكون للأمة الاختيار فيه كما قدمنا. قال تبارك وتعالى:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}[155] نعم لا شك أن الذي يعينه الله عز وجل لإدارة الأمة في الحكم والدولة يكون في قمة العدالة لتنزهه عز وجل عن الظلم ومخالفة الحكمة.

 هذا وربما تكون الملوكية غير وراثية، كما إذا مات الملك انتخبوا ملكاً آخر مكانه، وكان ملكاً إلى آخر العمر، وبذلك يظهر أن الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية وما أشبه ذلك مما تلبست بلباس الإسلام لم تكن إلا ملوكية وراثية، وتسميتها بالخلافة لم تكن على واقعها، ولذا سميت في الأحاديث الشريفة بالملك العضوض[156].

ومن هنا ظهر وجه بطلانها وعدم مشروعيتها شرعاً وعقلا، خصوصاً وأنها كانت في زمان وجود المعصوم (عليه السلام).

الثانية: الملكية المشروطة، بمعنى أن تكون السلطة بالسلطنة المشروطة، فيكون الملك هو السيد المطلق، ولكنه مقيد بسلطات المجلس المنتخب من قبل الأمة، وفي مثل هذه الصورة لو كان المجلس منتخباً بالطرق الحرة فإنه لا يكون إلا رمزاً، وله مقام تشريفي وليس تدبيري نفوذي، وإنما تكون القدرة التشريعية هي السيدة في البلاد، ولعل الحكومة في بريطانيا الحاضرة حالها هكذا، حيث نجد الملك وهو رمز وإلى جانبه القوة التشريعية في البلاد والقوة التنفيذية، لكن من الواضح أن هذا النوع من السلطة وبالشكل الرائج اليوم لا مجوّز له شرعاً وعقلاً، أما شرعاً فلأن وجودها يستلزم إرهاق خزانة الأمة وهدر أموالها وهو حرام، وأما عقلاً فلأن وجوده لغو، وبذلك يظهر وجه البطلان أيضاً فيما لو كان مجلس الأمة صورياً؛ لخضوعه لرأي الملك وقوة نفوذه، كما هو مشهود في جملة من الدول المستبدة؛ لكونه استبداداً وظلماً ومصادرة لحقوق الناس.

الثالثة: الانتخابية، بمعنى أن تكون السلطة منتخبة من قبل الأمة، لكن نفوذ سلطات الرئيس مشروطة بموافقة المجلس الذي انتخبته الأمة أيضاً لمراقبة السلطة، ولعل هذا ما يجري في بعض دول العالم المتقدم على ما يعبرون، كما في رئاسة أمريكا وفرنسا، حيث إن الشعب مباشرة ينتخب رئيسه، لكن لا يحق للرئيس اتخاذ القرار بدون مشاركة المجلس التقنيني، بل للمجلس وغيره من مصادر القدرة التأثير في قرارات الرئيس، والرقابة على أعماله، والسبب في ذلك هو ضمان المزيد من مشاركة الأمة وحفظ حقوقها، لكونها تتصرف في شؤون نفسها بإشرافين: إشراف الرئيس والمجلس المنتخبين.

هذا وقد يكون انتخاب الرئيس بواسطة جماعة خاصة كمجلس الشورى، أو مجلس الأعيان، أو ما أشبه ذلك، أو بواسطة كلا المجلسين، لكن حيث إن الأمة انتخبت نوابها ونوابها انتخبوا الرئيس يعد ذلك اختياراً للأمة لكن بالواسطة، وحيث إنه لا دليل على لزوم أحد الطريقين فإن لها أن تختار إحدى الكيفيتين في التعيين، إلا أن الكيفية الأولى أقدر على إشراف الأمة على مقدرات نفسها، كما أنه مقتضى الجمع بين الأدلة.

الرابعة: التعددية الانتخابية، اي أن تكون السلطة مكونة من رئاستين أو أكثر؛ وتكون لها صورتان:

الأولى: أن يكون رئيسان أحدهما للبلد والثاني للوزراء.

 والثانية: أن يكون أكثر من رئيس للبلد يجمعهما مجلس رئاسة، أو هيئة رئاسية.

والفرق بينهما أن الصورة الأولى تتوزع المهام فيها بين الرئيسين، فرئيس الوزراء يمثل قوة التنفيذ غالبأ، ورئيس البلد له الإشراف والمراقبة، وأما الثانية فتكون المسؤولية التنفيذية على الجميع، كما أن الإشراف على الجميع أيضاً، وهذا ما كان عليه صورة الحكم في الاتحاد السوفييتي قبل الانحلال، حيث كان له مجلس السوفييت الأعلى[157]، وكذلك عليه سويسرا اليوم، حيث وضعت الرئاسة بيد سبعة من الرؤساء ينتخبهم الشعب، وقسموا المهام الوزارية بينهم، ويخضعون للانتخابات في كل أربع سنوات[158].

الخامسة: الانقلابية، وفيها تكون القدرة بيد رئيس تولى الحكومة بالقوة بواسطة الانقلاب العسكري، كما هو المعهود في جملة كبيرة من دول العالم الثالث، ومن الواضح أن هذا النوع من الحكم غالباً ما يتسم بالاستبداد في أصل توليه للسلطة؛ لكونه يصل إليها بالقهر والغلبة، وفي ممارستها أيضاً باستعماله العنف، وهذا ما أكدته التجارب المتكررة في أكثر من بلد؛ ولذا فإن مثل هذا النوع من التسلط ساقط عن الاعتبار شرعاً وعقلاً. بل عن السيد الأستاذ أعلى الله مقامه: أننا لم نر منذ الحرب العالمية الثانية انقلاباً عسكرياً في آسيا وأفريقيا إلا كان انقلاباً استعمارياً؛[159] ولذا نرى أن العالم الحر أبعد العسكر عن الحكم، واتخذ ضمانات عديدة للمنع من الانقلابات العسكرية، ولعل من أهمها هو وعي الشعب وتكثير مؤسسات المجتمع المدني وتحريرها، فإن الاستبداد غالباً يحدث بسبب غياب وعي الناس.

المسألة الرابعة: في تمييز النظام الشوري عن الاستبدادي

 لقد عرفت مما تقدم ان الاستبداد حرام في السلطة والشورى واجبة، ويتميز النظام الشوري عن الاستبدادي بأمرين:

الأول: وجود التعددية الحزبية في البلد.

الثاني: وقوع الانتخابات الحرة للرئاسة التنفيذية.

فإنه لو أريد تمييز النظام الاستبدادي من الاستشاري في اي بلد من البلدان ينبغي أن يلحظ نظام الحكم فيه، وهل يقوم على حزب واحد أو أكثر؟ وهل الرئيس الذي بيده التنفيذ يتبدل في ضمن سقف زمني أم لا؟ فإن كان البلد ذا حزب واحد أو أن الرئيس لا يبدل فالحكم ديكتاتوري مهما كانت الشعارات المرفوعة؛ إذ لا اعتبار في مثل هذه الأنظمة لرغبة الناس أو إرادتهم، وإن كان في البلد حزبان أو أكثر والرئيس يبدل فالحكم استشاري.

كما أن الحرية الحقيقية للأمة لا تتحقق إلا إذا توفر أمران:

الأول: وعي الأمة.

الثاني: انعدام التضليل، ونريد به عدم وجود جهة مزيفة لإرادة الأمة، كالاقتصاد المنحرف والإعلام والتعليم وغيرهما؛وذلك لوضوح أن عدم الوعي الكافي يوجب سيطرة أهل المكائد والحيل على الأمة حتى ولو كان النظام ذا أحزاب وانتخابات في ظاهرها حرة. نعم هكذا نظام بالقياس إلى الأنظمة الاستبدادية الصريحة هو أفضل وأقرب إلى روح الاستشارية، لكن الكلام في الاستشارية الحقيقية، كما أن منهاج المال لو كان منحرفاً إلى الرأسمالية يستغل الأثرياء العمال والفلاحين والمعلمين والاعلاميين ومن إليهم، وبذلك يتجمّع لدى الرأسماليين المال الزائد عن حقهم، وحيث لا يكون التوزيع على الأمة توزيعاً عادلاً فيستعمل فائض هذا المال في تحوير الانتخابات بحسب مصالح رأس المال، ولا يكون حينئذٍ بحسب مصالح الأمة، ويتحصل منه أن تكون السلطة بيد المال، وعلى قمتها بضعة من الرأسماليين، وليست بيد الأمة أو من يمثلها تمثيلاً حقيقياً صادقاً، ولعلّ هذا ما يشاهد في بعض البلاد الرأسمالية، وعلى رأسها أمريكا، حيث يتلاعب بحريتها وانتخاباتها جماعة من الرأسماليين عادة.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

.........................................................

[1] سورة طه: الآية 29 -32.

[2] سورة الفرقان: الآية 35.

[3] تاريخ الطبري: ج2 ص 320 ــ 322 ؛ الكامل: ج2 ص 63 ؛ انظر ينابيع المودة: ص122؛ ومجمع الزوائد: ج7 ص305 ؛ مسند أحمد: ج1 ص111 ؛ مجمع البيان: ج7 ص 206، تفسير الآية 215 من سورة الشعراء ؛ تفسير نور الثقلين: ج5 ص 260 ح90.

[4] الامالي للشيخ الصدوق: ص284 ح 5.

[5] نهج البلاغة: ص301 الخطبة 192.

[6] مسند احمد: ج1 ص 88.

[7] سنن ابي داود: ج3 ص 1282 ح2932.

[8] البحار: ج72 ص 359 ح 75.

[9] المصدر نفسه: ص 340 ج19.

[10] مقدمة بن خلدون: ص 285.

[11] انظر المعجم الوسيط: ج2 ص 1028 وزر.

[12] مفردات الفاظ القران الكريم: ص867 وزر ؛ مجمع البيان: ج10 ص507 ؛ مجمع البحرين: ج3 ص 510-511 وزر ؛ لسان العرب: ج5 ص282 وزر.

[13] سورة النحل: الآية 25.

[14] سورة الانشراح: الآية 3.

[15] مفردات الفاظ القران الكريم: ص867 وزر ؛ لسان العرب: ج5 ص282 وزر.

[16] سورة القيامة: الآية 11.

[17] لسان العرب: ج5 ص18 ازر ؛ مفردات الفاظ القران الكريم: ص74 ازر.

[18] سورة طه: الآية 31.

[19] مجمع البحرين: ج3 ص511 وزر.

[20] تصنيف غرر الحكم: ص342 رقم 7835.

[21] المصدر نفسه: ص348 رقم8022.

[22] تصنيف غرر الحكم: ص345 رقم7925.

[23] المصدر نفسه: ص345 ح 7929.

[24] المصدر نفسه: ص343 ح7758.

[25] عوالي اللآلي: ج1 ص293 ح178.

[26] تحف العقول: ص235.

[27] نهج البلاغة: ص189 الخطبة 131.

[28] منهاج البراعة: ج11 ص144.

[29] انظر السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص 143 وص 162 ــ 163؛ كتاب المغازي: ج1 ص 2 ــ 8.

[30] نهج البلاغة: ص429 الكتاب 53.

[31] البحار: ج 90 ص 41.

[32] الكافي: ج7 ص175-176 ح11.

[33] الوسائل: ج28 ص20 ح34116 باب 6 من ابواب مقدمات الحدود.

[34] سورة الروم: الآية 19.

[35] الكافي: ج7 ص 174 ح2.

[36] الوسائل: ج16 ص 119 ح 21132 باب 1 من ابواب الامر والنهي.

[37] المصدر نفسه: ص123 ح21144.

[38] الوسائل: ج16 ص130 ح 21160 باب 2 من ابواب الامر والنهي.

[39] البحار: ج6 ص 107 ح1.

[40] نهج البلاغة: ص189 الخطبة 131.

[41] انظر النهاية ونكتها: ج3 ص 354 ؛ مسالك الافهام: ج15 ص 228 – 229 ؛ الشرايع: القسم الثاني ص470 – 471 ــ 473.

[42] انظر الشرايع: القسم الاول ص 267 – 268 ؛ مسالك الافهام: ج3 ص101 – 103؛ الجواهر ج21 ص 366 ـ 372.

[43] مجمع البحرين: ج2 ص41 حسب.

[44] الدروس: ج2 ص47 ؛ مهذب الاحكام: ج15 ص214.

[45] سورة آل عمران: الآية 104 والآية 110.

[46] الوسائل: ج16 ص118 – 119 ح2113 وح 21132 باب 1 من ابواب الامر والنهي.

[47] مجمع البحرين: ج2 ص41 حسب وفيه: الحسبة بالكسر، والجمع الحسب.

[48] انظر الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص159 ؛ مهذب الاحكام: ج15 ص213 – 214.

[49] انظر الشرايع: القسم الاول ص267 ؛ مسالك الافهام: ج3 ص101 ــ 103؛ الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص180 ــ 189.

[50] مهذب الاحكام: ج15 ص218 – 219.

[51] سورة النساء: الآية 114.

[52] انظر كشف الغطاء: ج4 ص211 وص215؛ الجواهر: ج22 ص333 ؛ المكاسب: ج3 ص561؛ المكاسب والبيع: ج2 ص339 ؛ الفقه كتاب البيع: ج5 ص63 ؛ مهذب الاحكام: ج16 ص369.

[53] الفقه كتاب البيع: ج5 ص63.

[54] انظر الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص189.

[55] الشرايع: القسم الاول، ص267 ؛ مسالك الافهام: ج3 ص100 ؛ شرح التبصرة: ج4 ص447 ؛ مهذب الاحكام: ج15 ص212- 213.

[56] النهاية ونكتها: ج2 ص14- 15.

[57] المختلف: ج4 ص472 المسألة 83.

[58] مسالك الافهام: ج3 ص100.

[59] مهذب الاحكام: ج15 ص255؛ الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص157؛ المصدر نفسه: ص82 ــ 83

[60] المصدر نفسه: ص174 ؛ مهذب الاحكام: ج15 ص244.

[61] انظر مهذب الاحكام: ج15 ص259.

[62] انظر النهاية ونكتها: ج2 ص17؛ الشرايع: القسم الاول ص268؛ الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص200 ــ 201.

[63] انظر مهذب الاحكام: ج15 ص258؛ هكذا حكم الاسلام: ص30 ؛ الاحكام السلطانية: ج1 ص284 – 285.

[64] المائدة: الآية 2.

[65] البحار: ج100 ص153 ح22.

[66] البحار: ج71 ص407 ح1.

[67] انظر المكاسب: ج3 ص562.

[68] كشف الغطاء: ج4 ص135 وص211 وص215 وص245 – 246.

[69] انظر المكاسب: ج3 ص563.

[70] المكاسب والبيع: ج2 ص341.

[71] الفقه كتاب البيع: ج5 ص64.

[72] مهذب الاحكام: ج15 ص228 – 229.

[73] انظر المكاسب: ج2 ص562 – 563.

[74] مقدمة ابن خلدون: ص280 – 281.

[75] النهاية ونكتها: ج2 ص18 ؛ الشرايع: القسم الاول ص268.

[76] الجواهر: ج21 ص382 ؛ وانظر مهذب الاحكام: ج15 ص256 – 257.

[77] الفقه كتاب المكاسب المحرمة: ج1 ص20 ؛ السياسة من واقع الاسلام: ص404.

[78] الفقه كتاب المكاسب المحرمة ص93 ؛ السياسة من واقع الاسلام: ص40 ؛ الجواهر: ج22 ص26

[79] الفقه كتاب الجهاد: ج48 ص121 ؛ مهذب الاحكام: ج15 ص244.

[80] انظر الفقه كتاب المسائل المتجددة: ص44 وص67 ؛ هكذا حكم الاسلام: ص33 -34.

[81] انظر شرح تبصرة المتعلمين: ج4 ص471.

[82] انظر مهذب الاحكام: ج15 ص237 ــ 238؛ وانظر الوسائل: ج17 ص466 ح23007 باب 58 من ابواب اداب التجارة.

[83] انظر الفقه كتاب المكاسب المحرمة: ج1 ص96 ؛ وانظر الكافي: ج5 ص160 – 161 ح3- 7.

[84] انظر الفقه كتاب احياء الموات ج80 ص195 ــ 196؛ الجواهر: ج38 ص82 ــ 84؛ مهذب الاحكام: ج23 ص260.

[85] انظر المكاسب: ج1 ص199 ؛ الفقه كتاب المكاسب المحرمة:ج1 ص164.

[86] الفقه كتاب البيع: ج5 ص231 – 233.

[87] السرائر: ج2 ص239.

[88] النهاية ونكتها: ج2 ص114.

[89] الرياض: ج8 ص284.

[90] انظر الفقه كتاب البيع: ج5 ص230.

[91] هكذا حكم الاسلام: ص31 ــ 32.

[92] هكذا حكم الاسلام: ص38 وص72 ـــ 73.

[93] معالم الحكومة الاسلامية: ص335 ــ337 بتصرف؛ وانظر الامام علي (عليه السلام) ومشكلة نظام الحكم: ص195 ــ 197.

[94] انظر تنقيح المقال: ج1ص195؛وفي مجمع البحرين: الشرطة بالسكون والفتح الجند، والشرط على لفظ الجمع أعوان السلطات والولاة، وأول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، سمو بذلك لانهم جعلوا لانفسهم علامات يعرضون بها للأعداء، وصاحب الشرطة: الحاكم. انظر مجمع البحرين: ج4 ص257 شرط.

[95] مناقب آل ابي طالب: ج2 ص104.

[96] المصدر نفسه: ص106.

[97] المصدر نفسه: ص112.

[98] الوسائل: ج17 ص292 ح22820، باب 7 من ابواب التجارة؛ والمصدر نفسه: ص401 ح22843 باب 13 من ابواب اداب التجارة.

[99] الكافي: ج5 ص151 ح3 وفيه بالكوفة عندكم يتغدى؛ وانظر الامالي للشيخ المفيد: ص197 ــ 198 ح31 وفيه: وكان اذا نظروا إليه قد أقبل إليهم وقال: يامعشر الناس أمسكوا أيديهم وأصغوا إليه بآذانهم، ورفعوه بأعينهم حتى يفرغ (عليه السلام) من كلامه، فإذا فرغ قالوا: السمع والطاعة ياأمير المؤمنين.

[100] الوسائل: ج17 ص404 ح22847 باب 15 من ابواب اداب التجارة.

[101] انظر نهج البلاغة: ص457 الكتاب 67؛ مستدرك الوسائل: ج17 ص315 ح21453 باب 11 من ابواب كتاب القضاء.

[102] الوسائل: ج17 ص419 ح22888 باب 25 من ابواب اداب التجارة.

[103] الوسائل: ج 17ص427 ح22912 باب 27 من ابواب اداب التجارة، وص428 ح22915 باب 28 من ابواب اداب التجارة.

[104] مستدرك الوسائل: ج17 ص119 ح20930 باب 11 من ابواب كتاب احياء الموات.

[105] انظر القاموس السياسي: ص628 ــ 629 ؛ موسوعة السياسة: ج3 ص217.

[106] هكذا حكم الاسلام: ص15 ــ 16.

[107] الفقه كتاب السياسة: ج106 ص20 ــ 21 بتصرف.

[108] اسد الغابة: ج3 ص358.

[109] الكامل: ج2 ص336.

[110] الاصابة: ج1 ص292.

[111] الطبقات الكبرى: ج4 ص56.

[112] الاستيعاب: ج2 ص421.

[113] الاصابة: ج1 ص63 ؛ الاستيعاب: ج1 ص105-106.

[114] الاصابة: ج2 ص338 ــ 339.

[115] الاستيعاب: ج3 ص1086.

[116] الاصابة: ج2 ص532 ؛ الاستيعاب: ج3 ص1173.

[117] اسد الغابة: ج4 ص99.

[118] الاستيعاب: ج3 ص1173.

[119] اسد الغابة: ج4 ص108.

[120] اسد الغابة: ج4 ص205.

[121] الاصابة: ج3 ص258-259.

[122] الاستيعاب: ج2 ص673.

[123] الاصابة: ج2 ص26 ؛ الاستيعاب: ج2 ص 589.

[124] الاصابة: ج1 ص558.

[125] الاستيعاب: ج3 ص980.

[126] في تذكرة الخواص باب في ذكر ولاته (عليه السلام) قال: لما قتل ــ اي الامام اميرالمؤمنين (عليه السلام) ــ كان ابن عباس على البصرة قبل أن يقتل... وعلى فارس كرمان زياد بن أبيه، وعلى اليمن عبيد الله بن عباس، وعلى مكة الطائف قثم بن العباس، وعلى المدينة أبو أيوب الانصاري، وقيل سهل بن حنيف. انظر تذكرة الخواص: ص168.

[127] السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص246-247.

[128] الاستيعاب: ج3 ص1403.

[129] المغازي: ج1 ص7 ــ 8 ؛ وانظر مناقب آل ابي طالب: ج1 ص186 -213.

[130] صفة الصفوة: ج1 ص308.

[131] الطبقات الكبرى: ج3 ص24.

[132] الاستيعاب: ج3 ص1097.

[133] السيرة النبوية: لابن هشام: ج40 ص254.

[134] الطبقات الكبرى: ج1 ص258 ؛ وانظر السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص255.

[135] انظر تذكرة الخواص: ص168 ؛ الامام علي (عليه السلام) ومشكلة نظام الحكم: ص171 -194.

[136] سورة النساء: الآية 141؛ انظر وجه الاستدلال في مجمع البيان: ج1 ص128 تفسير الآية المذكورة؛ القواعد الفقهية للبجنوردي: ج1 ص187 – 190.

[137] الفقيه: ج4 ص243 ح777 ؛ الوسائل: ج26 ص14 ح32383 باب 1 من ابواب موانع الارث؛ وانظر العناوين: ج2 ص353 ؛ القواعد الفقهية للبجنوردي: ج1 ص190.

[138] سورة القلم: الآية 35.

[139] سورة الشعراء: الآية 152.

[140] سورة الزمر: الآية 39.

[141] سورة السجدة: الآية 18.

[142] سورة النساء: الآية 5.

[143] مفردات الفاظ القران الكريم: ص414 سفه؛ وانظر مجمع البحرين: ج6 ص347 سفه.

[144] سورة القصص: الآية 26.

[145] سورة يوسف: الآية 55.

[146] الكافي: ج1 ص44 ح3.

[147] الكافي: ج8 ص264 ح387.

[148] نهج البلاغة: ص435 – 437 الكتاب 53.

[149] الاحكام السلطانية: ج2 ص22.

[150] البحار: ج72 ص368 ح1.

[151] نهج البلاغة: ص79 الخطبة 34.

[152] البحار: ج27 ص244 ح4.

[153] الوسائل: ج16 ص220 ح21406 باب 27 من ابواب الامر والنهي؛ الامالي للشيخ الصدوق: ص277 ح21.

[154] سورة البقرة: الآية 247.

[155] سورة النساء: الآية 65.

[156] عوالي اللآلي: ج1 ص125 ح61 ؛ وانظر مقدمة ابن خلدون: ص254.

[157] انظر القانون الدستوري والمؤسسات السياسية: ص430 – 432 ؛ القانون الدستوري والانظمة السياسية: ص337 – 339.

[158] الوسيط في القانون الدستوري: ج1 ص249 – 250 ؛ القانون الدستوري والمؤسسات السياسية: ص407.

[159] الفقه كتاب السياسة: ج106 ص20.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/تشرين الثاني/2011 - 19/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م