طبول الحرب الفارغة ودوافع التهويل!

‏خليل الفائزي

للمرة المئة دقت دول وأطراف الحرب الكونية الثالثة الطبول الفارغة للعمليات العسكرية المزعومة وصار كل طرف فرح بما لديه من أسلحة دمار شامل للبشرية وأجهزة قتل متطورة للإنسانية وتخريب كامل للبنى التحتية والمدن، وتفاخر كل طرف انه قادر على تدمير نصف العالم بضغطة زر في اي وقت ما يشاء وكيفما يشاء!، وكأن البشر مجموعات من صراصير ونمل يتم القضاء عليهم بكل برود وبساطة وقتلهم جماعيا ببخاخات نووية هذه المرة!

الوكالة الدولية للطاقة الذرية انتقدت إيران لما أسمته سعيها امتلاك سلاح نووي وادعت في آخر تقرير لها ان إيران تخطط ومنذ أعوام للحصول على القنبلة النووية وتجهيز رؤوس صواريخها البعيدة المدة بأسلحة نووية.

 أمريكا وكالعادة سارعت الى تهديد إيران بالضربات العسكرية داعية حلفاءها الى الانضمام لها في تنفيذ مثل هذه الضربات اذا تطلب المخطط المرسوم لاحتلال دولة جديدة، فيما اعلنت أوروبا انها تؤيد فرض عقوبات صارمة هذه المرة على إيران قد تشمل قطع العلاقات ورفض شراء النفط الإيراني وفرض عقوبات كالتي كانت قائمة على نظام القذافي بعد إثبات تورطه في حادثة لوكربي وقبل دفع التعويضات المالية المعروفة. ولكن التهديد الأبرز في هذا السياق جاء من قبل إسرائيل التي هددت انها ستقصف جميع مواقع إيران النووية في حالة عدم إيقاف إيران لنشاطها النووي فورا.

الحكومة الإيرانية وعلى لسان رئيسها احمدي نجاد أكدت انها لن توقف برامجها النووية مطلقا فيما هدد قادة إيران العسكريون انهم سيضربون قواعد أمريكا في المنطقة بالإضافة الى تدمير تل أبيب ومفاعل ديمونة في صحراء النقب وهم قادرون على ذلك حسب قولهم بفضل صواريخ شهاب 3 المطورة وكذلك الصواريخ المتوسطة المدى التي بحوزة حزب الله المتواجد عسكريا في جنوب لبنان، وهذا يعني ان طهران تقول لجميع أطراف الحرب من الجهة الأخرى انها لا تخشى المواجهة العسكرية وانها مستعدة للدخول في حرب مدمرة وقطعا لن تكون متكافئة اذا شاركت فيها أمريكا وأوروبا (الناتو) وحتى لوتم احتلال إيران على غرار ما حل بأفغانستان والعراق وأخيرا بليبيا دون ان يتم العثور على اي سلاح نووي ولا معدات لصناعة مثل هذه الأسلحة، وهذا يعني ان احتلال العراق على الأقل كان سببه دوافع أخرى غير الملف النووي المزعوم ولا أسلحة الدمار الشاملة التي لم يتم العثور عليها حتى الآن لا في العراق ولا ليبيا ولا أفغانستان.

 والحقيقة ان إثارة مثل هذه الضجة بين فينة وأخرى لها مدلولات ودوافع تحقق لجميع مثيريها عن سهو او قصد الكثير من الأهداف والنوايا، فمثلا إسرائيل تواجه الان معارضات داخلية ومسيرات تهدد بإسقاط الحكومة الحالية وهلع إسرائيل المبطن من ربيع الانتفاضات العربية، وقطعا إثارة شن الحرب على إيران يحقق لحكومة الإسرائيلية مكسبا إعلاميا وسياسيا هاما لإخماد الاعتراضات او إسكاتها مرحليا بذريعة ان الدولة الإسرائيلية تواجه خطر تدميرها بالسلاح النووي الإيراني.

وأمريكا هي الأخرى لا تختلف عن إسرائيل من ناحية المعضلات الداخلية خاصة اعتراضات وول ستريت ومسيرات (احتلوا) لأسواق البورصة والمراكز المالية وفشل حكومة اوباما في تحقيق الحد الأدنى من التطلعات لاقتصادية والمعيشية للأمريكيين خاصة الذين انتخبا اوباما وأوصلوه الى البيت الأبيض بأصواتهم وتوقعاتهم.

وأوروبا هي ايضا تواجه معضلات اقتصادية مشتركة تتعلق بانهيار حكومات في القارة الخضراء بسبب الأوضاع المالية وتدهور العملة الأوروبية المشتركة كما حل مؤخرا باليونان وإسبانيا وتبعتها إيطاليا التي كانت حتى الأمس قطبا اقتصاديا كبيرا في أوروبا بفضل السياحة والبيتزا! ولكنها قد تعلن إفلاسها وخروجها ربما من منظومة اليورو قريبا.

فيما يخص إيران، هناك نوعان وتياران فيها على ما يبدو، تيار يدعو الى التهدئة والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبار ان إيران موقعة على ميثاق هذه الوكالة وعليها الالتزام بمواثيقها وقراراتها والقبول بوفد المفتشين الدوليين وفتح كافة المواقع النووية أمامهم لاثبات حسن النوايا وإفشال ذريعة الغرب وإسرائيل بشن الحرب المدمرة على إيران وقطعا هذه الحرب لن تكون لصالح اي من شعوب المنطقة والعالم مهما كانت الدوافع والمبررات وان الشعب الإيراني سيكون الأكثر تضررا من اي حرب غير متكافئة مع جبروت الغرب وأسلحته المدمرة بعيدا عن الشعارات الجوفاء والتضليلية التي لا تغني ولا تشبع الشعب الإيراني بتاتا.

والتيار الآخر هو التيار المتطرف وغير المقبول على الصعيد الجماهيري غير الرسمي الذي يصور للشعب الإيراني وللرأي العام في المنطقة والعالم من ان الحرب ستكون مجرد نزهة وانه قادر التحكم بوقتها ومصيرها ورقعتها، وهو قطعا ادعاء باطل او غير دقيق ولا يستند لأي من الحقائق القائمة والملموسة على ارض الواقع. وكما قال الحكماء: ان الكي آخر الدواء. وقال الشرع: لا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة. اي الحرب ستكون اخر الخيارات وليس أولها وان على المسئولين في إيران تدارك كوارث الحرب وليس تصعيدا وتوسيع نيران أوارها وانه يمكن نزع فتيل الحرب وسلب الطرف الآخر كافة المبررات والذرائع من خلال إثبات حسن النية والتأكيد للعالم، كما يقول المسئولون الإيرانيون انهم لا يريدون ولم يخططوا إطلاقا لصنع أسلحة دمار شامل بل وقولهم أيضا ان صناعة وامتلاك مثل هذه الأسلحة يتعارض مع الشرع الإسلامي.

وعليه لابد من إيقاف واحتواء التصريحات المتطرفة وعدم التباهي والنشوة وذرف دموع الفرح لتصريحات غير واقعية وغير قابلة للتحقيق حاليا وفي الظروف والإمكانيات الراهنة بتدمير هذه الدولة وإحراق ذلك البلد ومواجهة العالم كله،لان مثل هذه الشعارات أطلقها في السابق معتوهون بالقدرة والعظمة أمثال هتلر وصدام والقذافي وبن لادن وزعيم الطالبان وكان مصيرها معروفا وأسوة للجميع وقتل هؤلاء او أذلوا على الأقل ولكن للأسف قلّما لدينا متعظون!، وقد أكد لنا التاريخ دوما ان المتطرفين وأصحاب الشعارات النارية والجوفاء هم كانوا أول الهاربين دوما من ساحة المعركة ولاذوا بالفرار قبل غيرهم كما فعل صدام والقذافي وبن لادن والملا عمر والحبل على الجرار!

ومن المؤسف جدا ان الكثير من الإعلاميين وأصحاب الأقلام الرمادية من المدافعين عن الحكومة الإيرانية او المدافعين عن الغرب لا فرق بينهم بدأوا ومنذ ايام بالتحريض على الحرب وكتابة المقالات الساخنة وحساب قدرة إيران العسكرية بعدد المسلحين ووزن طلقات الرشاشات والعصي والهراوات والأحجار، وحساب قدرة إسرائيل والناتو من وقدراته العسكرية والأسلحة الليزرية وكم صاروخ لدى ايران ونماذجها وطول كل صاروخ ووزن كل دبابة وكم رأس نووي لدى إسرائيل وكيف سيضرب الناتو إيران وحتى انهم حددوا له الأماكن النووية والعسكرية التي يعتقد هؤلاء الإعلاميين او بالأحرى يقترحون ضربها وتدميرها ووضعوا سيناريو كيف سترد إيران بصواريخها على الناتو وإسرائيل وكيف ستعبر الطائرات الإسرائيلية أجواء دول المنطقة نقلا عن خبراء وجواسيس لدى هؤلاء الإعلاميين المفلسين في البيت الأبيض والبنتاغون والموساد الإسرائيلي والساواما الإيرانية! ورسموا الخرائط والمسافات بالمتر والسانتي ووضعوا سيناريو كيف ستدار الحرب من على طاولات كتابتهم الصدئة والمهرهرة وكأن الحرب القادمة ستكون حربا نظرية او على الورق دون الأخذ بعين الاعتبار اننا في القرن الواحد والعشرين ويمكن إدارة الحرب وتدمير مدن وإحراق بلدان وقتل الملايين من البشر من على بعد آلاف الكيلومترات وبأسلحة ترغب الكثير من الدول اختبارها عمليا لمعرفة مدى تدميرها للمدن وقتل الملايين من البشر.

وعليه فأن اندلاع اي حرب في المنطقة لن تكون نزهة يومية ولا عملية بسيطة ولا محدودة العواقب لا لإيران ولا لإسرائيل ولا أمريكا ولاي من دول المنطقة، وان كل من يدعي من انها سوف تكون فرصة ذهبية للتيار المتطرف في إيران بان يبسط كامل سلطته واحتكاره للحكم فهو مخطأ، وكل من يزعم ان مثل هذه الحرب ستكون لصالح إسرائيل وأمريكا وعموما الغرب فهو على خطأ افدح، لان مثل هذه الحرب واي حرب على شاكلتها هي دمار للمنطقة ودمار للاقتصاد العالمي وكل الشعوب الواعية والخيرة ترفض الحرب وتراها فقط أسلوبا قذرا ومنحطا من جانب المسئولون القمعيون والمعمرون في السلطة ودعاة الحرب الذين قطعا لا يذكرهم التاريخ بخير ولن تكن لهم اي مكانة بين الجماهير ودعاة إرساء المجتمعات المدنية.

ويجب التأكيد هنا ان ليس من حق إيران وكافة دول العالم فحسب الدفاع عن نفسها اذا تعرضت الى اي عدوان عسكري ينتهك سيادتها ويهدد أراضيها بل من حق هذه الدول تقديم شكوى عاجلة للأمم المتحدة بهذا الخصوص والتركيز في الإعلام من ان الطرف الآخر هو الذي يدعو الى الحرب وينوي العدوان على دول مسالمة وملتزمة بالقرارات والمواثيق الدولية لان الجميع وافق ووقع عليها ولذلك يجب احترام هذه القرارات والمواثيق في الظروف الراهنة، ونؤكد انه ليس من حق اي حكومة تعمل على تهيئة ظروف الحرب او يحاول المتطرفون وتجار الحروب جر الداعين للحروب الأساسيين إلى إشعال نار الحرب ودمار اقتصاد المنطقة وقتل مئات او ملايين من البشر الأبرياء والعزل من اجل إرضاء نزوة او غرور بعض الذين يرون استمرار سلطتهم وتبرير احتكارهم للحكم بذريعة الأخطار الأجنبية التي في الواقع هي أخطار تكرسها وتوجدها وتهيئ لها بعض الحكومات للتغطية على فشلها وإطالة حكمها غير القانوني واللاشرعي كما رأينا كيف هيئ نظام صدام حسين مثل هذه الأرضية لاحتلال الأجانب للعراق وكيف بعده دفع نظام القذافي الناتو لضرب ليبيا وتدمير بناها التحتية دون ان يدين الناتو اي أحد في العالم ولم يحزن على مصير معمر (القذافي) الدامي سوى المعمرون مثله في الحكم والسلطة!.

وقطعا ليس من حق لا إسرائيل ولا اي دولة أخرى تمتلك مئات وربما آلاف من الرؤوس النووية وأسلحة الدمار الشامل التذرع بشن الحرب على اي دولة ربما او يعتقد إنها تخطط لامتلاك أسلحة دمار شامل وعلى الوكالة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة التعامل بسوية وعدالة وحزم لإزالة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل (الكيماوية والجرثومية) من كافة دول العالم والقضاء عليها بجدية وليس إعطاء الحق للبعض بذرائع ومبررات واهية وغير مقبولة لامتلاك أسلحة دمار شامل او جعل العالم أشبه بغابة في الأدغال يحكم فيها المفترس ويفرض سلطته كيفما شاء وعلى الجميع الاستماع إلى صوت العقل وعدم تكرار أخطاء الجناة والمجرمين على مدى التاريخ خاصة وان التاريخ وضع جميع هؤلاء في مزبلته الأبدية وصفحته السوداء.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الثاني/2011 - 18/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م