مستقبل العراق.. بين الوعي العربي والإيران - فوبيا

غريبي مراد

تزامنا مع إعلان الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية من العراق بحلول نهاية السنة، يطغى على السطح السياسي العالمي سؤال القلق على الاستقرار الإقليمي بعد الخروج من العراق بعبارة أدق: هل هذا الانسحاب من العراق يعني احتمال التدخل الإيراني فقط في الواقع السياسي العراقي بكل حرية؟

بصراحة: في الغالب الأعم، أكثر الاحتمالات حضورا بخصوص مستقبل التوازنات السياسية بالمنطقة العربية ككل والأمن الإقليمي الخليجي تتعلق بإيران كقوة تستفز الغرب ومصالحه عبر خط طنجة - مسقط، لكن الحقيقة التي لا تزال عالقة على مستوى الوعي العربي السياسي العام، أن الموضوعية والنباهة السياسية تدعو إلى رفض أي تدخل استكباري أجنبي أياً كان وبخاصة الغربي، فبدلا من التصريح بالمخاوف ومواراة المساوئ السياسية في أوطاننا العربية عبر ادعاء المؤامرات الايرانية والسكوت عن الخبث الغربي بكل رموزه الاستدمارية التي تتحكم في مصائر الشعوب العربية والاسلامية...

بكلمة: جميعنا يعلم أن إيران وتركيا، كدولتين اقليميتين وتاريخيا تنتميان للجغرافيا السياسية الاسلامية، تعملان بحكمة وموضوعية للتحرر سياسيا واقتصاديا وثقافيا عن الموجة الليبرالية الكاسحة، ولعل إيران هي الأكثر اتساما بهذه المعاملات بالنظر لتركيا الراغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي، وهذا كله مشروع بالنسبة لكل دولة تريد أن تؤكد حضورها السياسي والاقتصادي والثقافي الحر بين الأمم، شأنها شأن كل القوى الأخرى الغربية التي تفرض أبعادها الوجودية عبر العالم، ولعل ما يثير الدهشة هو سكوت العديد من العرب عن مؤامرات إسرائيل وأميركا وفرنسا وبريطانيا عبر العالم العربي كله...

ببساطة: المثير للجدل هو متى نعرف كعرب أن ندافع عن خصوصياتنا وحقوقنا في التحرر السياسي والاقتصادي والثقافي بحكمة ونباهة وفق القيم والأخلاق والتشريعات الإسلامية والإنسانية التي نتشدق بها عبر السياسة والثقافة والاعلام والاقتصاد، بينما مجتمعاتنا وسياساتنا هي عين التخلف عن ذلك كله، فلو سخَّرنا كل تلك الطاقات والأموال والإعلام والعقول لإصلاح أحوالنا وترتيب أمورنا وتمتين اجتماعنا وتطوير أساليب إدارة دولنا والتخطيط لاجتثاث الغدة السرطانية من جسمنا العربي والإسلامي، بدلا عن الاستغراق في وهم المؤامرات المفتعلة، لما بقي القذافي يحكم ليبيا 41 سنة، ولما دمرت العراق منذ 1978 ولما أصبح الدم العربي الأكثر سيلانا في العالم كله في البحرين وسورية وليبيا ومصر وتونس واليمن...

لكن محنتنا كعرب أننا ندمن التخلف ونخاف التفكير المعمق لتغيير أحوالنا فنرمي عجزنا على الآخر عبر تمويه امبريالي عظيم، ونفضل استثمار الإيران - فوبيا سياسيا وثقافيا وإعلاميا لتكريس الرجعية العربية، بينما ذلك البعبع يزداد تطورا في المجال العلمي والاقتصادي والثقافي، ورغم كل الملاحظات والملابسات السياسية الداخلية (بين الإصلاحيين والمحافظين) في إيران، لكن الجهة التي تتحدث عن ذلك كله، لابد أن تكون فوق الشبهة بخصوص حقوق الانسان والديمقراطية والحرية ناهيك عن البحث العلمي والتحرر الاقتصادي والتنمية الثقافية والاستقرار الاجتماعي... حيث السؤال الحقيقي بخصوص انسحاب القوات الأميركية من العراق هو التالي:

 هل ستدعم الدول الإقليمية التوازن السياسي والرقي الاقتصادي في العراق أم سيبقى العراق مسرحا لصراع الإرادات السياسية الإقليمية التي تتوسل بالعصبيات الاثنية والمذهبية والدينية؟

هذا السؤال تجيب عنه إيران ومن تتآمر عليهم في نفس الوقت؟!...و الله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/تشرين الأول/2011 - 2/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م