الكواركات والكون

د. مؤيد الحسيني العابد

حينما نتكلم عن الكون فإنّما نتكلّم عن شيء نحسّ به ولا نراه مجملاً! فكيف لي أن أحيط بما أنا جزء منه!

 

عالمان. عالم كبير وعالم صغير

يسأل الإنسان دائماً عن ماهيّة المادة؟ ويأتيه ردّ من أرباب العلم أنّ المادّة صنفان أحدهما يتعلّق بماهيتها والآخر يتعلّق بتوأمها أو ضديدها أو ما يعرفه العلماء بضديد المادة. وهناك المادة البيضاء والسوداء أو المظلمة dark matter. سؤال آخر عمّاذا يهمّنا ما يحدث في الكون؟

فيأتيك الجواب إنّ عالم الجسيمات الأساسيّة شبيه إلى حدّ كبير بالعالم الذي يحيطنا ومعرفتنا متضاعفة كلّما أردنا أن نعرف هذا، يمكن لنا أن ننطلق من الآخر. الذي يكون في حقيقة الأمر كتلة من ألغاز يكتنفها الغموض المستمر كلّما تسلّق الإنسان سلّم العلم وجد الهوّة الكبيرة بين ما يفهم وبين ما هو موجود فعلاً. في كل مرة نتعلّم شيئاً جديداً، ونحن نحاول وضعه في سياق ما نعرفه بالفعل. ولا غرابة من ذلك! إذا ما علمنا أنّ كلمة الكون في حقيقة الأمر متأتية لغة من الكينونة أي الحياة أو الوجود وعندما نقول: نكون، يعني أن نعيش أو نوجد وهي الوجود في الفكر والكلام وفي الشعور وغيرها ممّا يرتبط بالحياة إيجاداً وإستمراراً

 إنّ من المسائل المهمّة التي تعرّفنا بهذا الكون الفسيح هو ذاتنا، هذا الإرتباط المتفاعل بيني وبين العالم الكبير. عالم الظواهر الذي يحيطنا والذي نعيش فيه كذلك ونحن جزء منه على العموم.

(كما يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام)

دواؤك فيك و ما تشعر*** وداؤك منك وما تبصر

وتحسب أنّك جرم صغير***وفيك إنطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين*** الذي بأحرفه يظهر المضمر..

 إنّ ما يتعلّق بفهم ما يحدث في دواخلنا من خلال تجاربنا ومن خلال ما يرتبط بذلك ليس كلّه مفيداً لفهم العالم الذي حولنا بل يكون في الغالب عائقاً لفهم العالم المحيط!

 نعم قيد يقيّدنا في الحركة العقليّة والتنويريّة لإستيعاب ما يمكن إستيعابه من وجود ومن حركة ومستقبل لهذا الكون! ولطريقة ناهضة في فهم هذا العالم، طريقة تجمع بين العلم والفلسفة والإيمان بالغيب، نظريّة تجمع كل هذه العوامل بل قل هذه الأساسيّات التي بدونها أو بدون أحدها تخرج النتيجة عرجاء لا يستقيم معها منطق أو لا تستقيم معها حالة الإنسجام مع نظرة متقدمة لهذا الكون أو الوجود.

أهذا شيء يناقض ما قلناه؟!

الجواب لا بالطبع لانّ الإحاطة بالعالم تحتاج إلى عوامل من جنس هذا العالم ومن عوامل قريبة في الإدراك، فما بالك والعوامل ليست بين أيدينا؟ لذلك نحاول سبر أغوار الكون أو العالم من خلال عدّة طرق منها ما ذكرناه من إرتباط كبير بعالمنا الصغير وبما يساعد في حل المسائل المعقّدة لوضع الحلول المكرّرة للمسائل!

 لكن هناك شيء مهم ينبغي فهمه أيضاً هو أنّ العالم المحيط بلا أيّ شكّ مازال يضع بصماته والكثير من تأثيراته علينا وعلى محيطنا.

لم تبلغ الإلكترونيّات الحديثة هذا التطور الهائل من دون المعرفة لمكنونات المادة، كذلك فيما يتعلّق بالكثير من أجهزة الإتّصال والنقل للصوت والصورة من تلفزيون ومذياع علاوة على الإشارات الكهربائيّة التي تسير في الأسلاك النحاسيّة أو الألياف البصريّة والتي تقوم بنقل المعلومات المناسبة. لا يمكن لك أن تتصفّح الإنترنت دون أن تلاحظ هذه الإنجازات العظيمة، (ولو أحيانا ينسى الإنسان أو يتناسى كيف بلغه العالم كي يصل إلى ما وصل اليه من تقدم معرفيّ في هذا الجانب).

المكوّنات الأوليّة للمادة

سؤال ربّما يخطر في بال القريب والبعيد، بذهن العالم وغيره، ما الذي حدث أو كان قد حدث قبل عمليّة الإنفجار العظيم؟ هل كانت هناك ضرورة لحدوث ما حدث؟ من الذي يستطيع أن يقدّر هذه الضرورة من عدمها؟

 لو سأل طفل أباه أو أمّه هذا السؤال وهو كيف جاء هذا الكون؟ من الذي خلقه؟ فهل يستطيع أحدهما الإجابة؟ أشكّ في ذلك كما شكّ الكثير من أصحاب العلم والتخصص في ذلك! ولا أقصد بذلك الجواب التقليديّ الذي يستند على دلائل يرفضها غير المؤمن! لأنّ المتعارف عليه في علومنا وفي الرياضيات أنّ المرجعيّة لخلق السكون ولخلق الحركة، ذاتها غير ثابتة، فهل الصفر الرياضيّ يدلّل على مرجعيّة ثابتة، وهو المتغيّر كلّما تغيّر الظرف!

 إنّه بالفعل سؤال محيّر وليس بالأمر اليسير الإجابة عليه.

 من الأسئلة المحيّرة أيضاً هو هل أنّ هذا الفضاء باق إلى الأبديّة أي اللانهاية؟ وهل لهذا الكون خصائص الكائن الحيّ، أم هل أنّ هذا الكون آيل إلى الإنقضاء أو الموت؟ ومن أين جاء أو جيء بالبشر أو الكيفية التي تشكّل بها كوكب الأرض والكواكب الأخرى؟

 ويبقى اللغز الكبير هو نفس السؤال أو قل نفس الجواب هو العود إلى قول أنّ الأصل النهائي لكلّ الأشياء توعز إلى الانفجار الكبير. ولكن ما سبب ذلك؟ هو أيضاً سؤال آخر نحتار كما إحتار غيرنا في الإجابة عليه!

 نعم لقد توصّل بعض العرفاء إلى نتائج رائعة في الولوج في مكنونات العالم الفوقي والتحتي لحلّ الكثير من الإشكالات لكن بقي الموضوع حبيس أذهانهم، لا يمكن لهم ان يقنعوا الآخر، العاشق، لكلّ ما هو معبّر عنه رياضياً أو تجريبيّاً. لقد حلّت العديد من المشاكل ذهنياً بالفعل، لكن بقي الطريق أو الوسيلة المناسبة كي تصل هذه الحلول إلى الآخر، وإلّا فهي في ذهن الآخر عبارة عن هرطقات كما يسمونها هم!

 هل حدث الحدث بدون سبب أو بدون علّة؟ هل حدث الذي حدث إعتباطاً لا دخل لشيء أو غيره بما حدث وبما يحدث؟ ما الذي تسبّب في هذا الذي حدث؟ وهل يمكن أن يحدث ثانية؟ ما هي نسبة حدوث الحدث ثانية؟ وهكذا هناك أسئلة كثيرة يمكن بل من حقّ المرء أن يطرحها بهذا الشكل أو بغيره. لكنّ المزعج حين يطرح مثل هذا السؤال حول خلق الكون ثمّ الإسترسال في عملية الخلق(والعياذ بالله تعإلى).

 من الأمور التي ينبغي الإشارة لها هو أنّ البعض ممّن إبتلى نفسه بإخفاء الحقيقة هي المراوغة في القول والإدّعاء بأن لا بداية لهذا الكون، وأنه موجود منذ الأزل. وينبغي أن نقول: للأسف، هناك أسباب علمية كثيرة وراء هذه الفكرة الواضحة وغير السليمة. غير أنّ هناك أيضاً قول علميّ ينصّ على أنّ هناك أثاراً مازالت موجودة منذ الإنفجار العظيم الذي تنصّ عليه النظريّة المذكورة حيث تؤكّد كذلك العديد من الأدلّة العلمية على أنّ هذا الكون مازال يتمدّد ويترك في تمدّده حرارة إشعاعيّة تظهر هذا السلوك وفق هذه النظريّة. ومنذ سنوات طويلة تذكر العديد من كتبنا التأريخيّة عن العديد من أرباب العلم الدينيّ والديني التأريخي إلى أنّ الكون دائم التمدّد على الاقل إلى حدّ الزمن الحاليّ! ولكن للاسف لم تكن القدرات أو قل العقول لتستوعب الولوج في سبب أو أسباب أو طرق تمدد هذا الكون العظيم! والسؤال هو هو: إن كنتم بهذا القدر من الاستنباط والتصوّر والنظريّة على إدراك هذا الخلق وهذا التمدد بل والانكماش الذي سيحصل!! فلم لم يذكر ذلك عبر هذه السنين؟! أم أنّ الامر (عنتريّات) لا أكثر؟!

لا بالطبع. المشكلة عميقة وعويصة وسنشير في سلسلة مقالات إلى أجوبة للعديد من الاسئلة التي تخطر في ذهن الحصيف والمدرك!

علماء تمدد الكون وجائزة نوبل!

 لقد عاشت مع العلم والإنسان روح النكتة! يقال في يوم من الايام سئل أحد اللاهوتيين المسيحيين(لقد عاش في القرن الخامس الميلاديّ أي قبل ظهور العلم أو حركة العلم بالسرعة التي نسمعها ولا نكاد نلاحقها! إسمه أوغسطينوس وهو قدّيس مسيحيّ) من قبل أحد الوثنيين: ماذا كان يفعل الاله قبل صنعه الكون؟! فأجابه اللاهوتيّ: كان مشغولاً بخلق الجحيم لامثالك!

ربّما يضحك القارئ من ذلك ولكنّ الحقيقة تكمن في العلاقة بين أهل العلم وأهل المماراة والجدل في كلّ شيء! فما الذي يجعل هذه الثلّة من العلماء تصرف الملايين على أبحاث من نوع هل الكون ثابت أم متمدد؟!

في كلّ مرّة نقول أنّ العلم يسير في إتّجاه يقترب كثيرا من النظريّة الدينية في عمليّة الخلق ويأتيك المجادل بشيء من التصارع أو الرغبة في القول لا أكثر!

لقد جمعتني يوما مع أحد الادباء المعروفين على الساحة! فطرح السؤال متهكماً وقد كنت آنذاك منشغلا في متابعة عمل المركبة التي أرسلت إلى كوكب المريخ لمعرفة أو محاولة معرفة ما إذا كانت هناك حياة على الكوكب أم لا؟ فقال لم هذا العبث بالأموال وشغل الناس بأشياء لا تسوى شيئاً؟!

أما كان لهم أن يعملوا لخدمة الناس وإشباع الفقراء أجود من ذلك؟!

وأنت ماذا تقول؟!!

لكم المحبّة ولي عودة بإذن المولى الكريم للإجابة عن الأسئلة التي وردت..

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الأول/2011 - 25/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م