العسكر التركي خرج من الشباك

ونظيره العربي دخل من الباب

عبد الكريم ابراهيم

معظم ثورات العالم العربي ابطالها من العسكريين الذين حاولوا تحويل بلادهم الى قطعة من اللون الخاكي، حيث وزعت اغلب المناصب على كبار ضباط الجيش، ما حدا بالكثير من العقول الاكاديمية والاقتصادية الى الهجرة الى مكان اكثر امنا لاسيما بعد عمليات التأمين التي طالت المشاريع الخاصة الكبرى ومصادرة الاملاك.

الحكم العسكري العربي ماذا حقق للبلاد ؟ وهل الحروب التي يجب ان يدمن جواءها الانسان العربي، ويفكر فيها؟ اين هو الرخاء والازدهار الاقتصادي والثقافي؟ اذا كانت حياتنا العربية عبارة عن اوامر عسكرية وقوانين طوارئ طويلة الامد.

 من اهم اسباب الثورات العربية التي نعيش ربيعها الذي يبدو تحول الى خريف، هو طغيان العسكر والسيطرة على مقاليد البلاد والعباد بحجة حمايتها من الخطر الخارجي لاسيما اسرائيل ذاك البعبع الذي صنعه العرب كي يخوفوا به الذين يفكرون في التحول المدني.

نجحت هذه الثورات في بلدان الانظمة العسكرية وشبيهتا على امل التغيير السياسي والانفتاح على المدنية الديمقراطية، ولكن ربما نجحت هذه الثورات الشابة في ازالة العسكر القديم من الحكم، ليأتي بعسكر جديد يحمل افكار صديق للعقلية العربية ولكن يردد النغمة السابقة " الجيش حامي مكاسب الشعب " وهو " القوي الامين " وغيرها من الشعارات المؤطرة برائحة النفس القديم.

وهكذا سرق ربيع الثورات العربية ووأدت معه احلام الشباب في مهدها، وعاد العسكر الى واجهة من جديد وتحت غطاء اكثر وطنية من ذي قبل لاسيما ان الجيش كسب بعض التعاطف اذ انه لم يوجه نيران بنادقه الى صدور المطالبين بالاصلاح.

موقف درس بدقة متناهية من قبل قادة الجيش في عدم الدفاع عن نظام يتهاوى داخليا وخارجيا، والاجدى البحث عن مكاسب شعبية لائحة بالافق من خلال ادعاء الحيادية في الصراع على السلطة والمحافظة على سير النظام في ظل الفوضى العارمة التي اعقبت سقوط الانظمة الديكتاتورية وسد الفراغ الذي يخلفه غياب الاجهزة الامنية.

في الجانب الاخرى من محيطنا الشرق الاوسطي استطاعت تركيا تقويض سلطة الجيش الذي يحكم البلاد من عهد جمال اتاتورك. رئيس الوزراء اردوغان استوعب الحقيقة: ان الجيش يحول دون تحقيق احلامه في بناء دولة تركية وعادة مجد العثمانيين بطريقة معاصرة لاتقوم على قاعدة مسك الارض. وضع اردوغان قادة الجيش تحت طائلة القانون برغم تذرع المؤسسة العسكرية بانها القوة المحافظة على علمانية الدستور وجمهورية اتاتورك. استطاع رئيس الوزراء الاسلامي من سحب البساط من تحت اقدام الجيش العلماني وكسب تأييد الشعب في هذا التحول لاسيما انه حقق مكاسب كبيرة جعلت من تركيا لاعب قوي ومؤثر في عملية صنع القرار الدولي فضلا عن النمو الاقتصادي وارتفاع الدخل القومي ثلاثة اضعاف عما في السابق.

كل هذه المكاسب جعلت من اردوغان بطل قومي، بل باني تركيا المعاصرة، واسقط حجة الجيش في حماية الدستور ونصرة مبادئ اتاتورك. العمل المنتظم لرئيس الوزراء التركي والمكاسب المتحققة على ارض الواقع جعلت الجيش ينزوي في معسكراته بانتظار الفرصة للانقضاض على رجل ذي ميول اسلامية وغير معارض للعلمانية الدستورية، لكن الوضع العالمي الآن لايسمح بدولة انقلابات، ولعل الخوف من العقوبات الدولية التي قد تفرض على تركيا في حالة الاقدام على مثل هذه الخطوة جمد الجيش عن اي تحرك في هذا الاتجاه.

اردوغان حول البوصلة الاتجاه التركية من اروبا الى العالم العربي والاسلامي، جاء هذا التحول بنتائج مذهلة على جميع الصعد وما غزز حظوظ اردوغان في عدم الاكتراث بهالة الجيش ونفوذ المؤسسة العسكرية، لانه فهم اللعب السياسية وطبقها بشكل دقيق.

من خلال ما مضى يمكن القول ان دول العربية عاد العسكر فيها للسيطرة على مقاليد الحكم ولكن باسلوب جديد. في المقابل وجهت ضربات مميتة شلت حركة الجيش في تركيا ونزعت الشرعية التي كان يتحجج بها.

بعبارة ملخصة: ان الجيش في تركيا خرج من شباك الحكم وفي حين دخل نظيره العربي من الباب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الأول/2011 - 19/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م