إفلاس الإعلام الأمريكي وسفير مملكة الكاكيكي!

خليل الفائزي

عندما يتم وصف مسئولي الإدارة الأمريكية انهم أغبى الناس على وجه الأرض فانه وصف ليس فيه شك ولا مبالغة ولا ترديد لان الإدارة الأمريكية ومنذ احتلالها للعراق وعدم الجلاء منه والتدخل في شئون كافة دول المنطقة والعالم أثبتت مدى غباؤها وشدة حماقتها لانها جعلت نفسها في مواجهة إرادة الشعوب مباشرة في حين ان الكثير من الدول الغربية لاسيما الأوروبية أدركت خطورة الاستمرار التدخل المباشر في شئون دول العالم او الاستمرار باحتلال الدول واستعمار الشعوب وقررت الحفاظ على مصالحها من بعيد او بواسطة الكثير من الأنظمة التابعة لها.

والأكثر غباءً بين مسئولي الإدارة الأمريكية انهم حاولوا مصادرة نتائج الانتفاضات العربية وقطف ثمار ربيع حرية شعوب المنطقة فأساء الأمريكيون لكثير من هذه الانتفاضات بل وساهموا بغبائهم وعمالة اتباعهم وعبيدهم بتأخر نجاح حركات التحرر العربية والتعامل بانتقائية سافرة مع انتفاضات الجماهير واعتبار بعضها إنها ضد إرادة ومصالح حكام المنطقة الذين هم غالباً عملاء وعبيد الإدارة الأمريكية ويتفاخرون بذلك.

غباء هذه الإدارة لم يتوقف الى هذا الحد ويتصور مسئولو البيت الأبيض انهم قادرون من خلال إثارة المزيد من الخلافات بين الدول الإسلامية حصد الكثير من المصالح السياسية والمادية والإعلامية على حساب الإعلام التافه لمعظم الأنظمة العربية التي ليس لا تعير اي اهتمام لوحدة ومصالح الدول الإسلامية وتكاتف شعوب المنطقة فحسب بل وانها أصبحت كالببغاوات تردد ما تردده أبواق الإدارة الأمريكية لإيقاع الوقيعة واستغباء الرأي العام وبث التفرقة بين الدول الإسلامية تحت ذريعة الطاعة العمياء لإرادة المجتمع الدولي الديمقراطي والمنفتح!.

 الإعلان عن كشف خلية إيرانية مزعومة لاغتيال سفير المملكة العربية السعودية في واشنطن أثار عدة تساؤلات بالرغم من سفاهة هذا الادعاء وعدم وجود اي أدلة وإثباتات تؤكد تورط إيران اواي دولة ملموسة في مثل هذه العمليات التي تخلت عنها حتى الجماعات المتطرفة منذ عدة عقود نظراً لانها كانت بالأساس من تخطيط الدول الاستعمارية بهدف تشويه حركات التحرر والجماعات الثورية في حقبة السبعينات من القرن الماضي.

 وعليه نشير الى النقاط التالية:

- أعلن في واشنطن وعلى لسان كبار المسئولين ومنهم طويل اللسان باراك اوباما ان الاستخبارات الأمريكية اعتقلت شخصاً اسمه منصور سيار وهي تلاحق شخصاً آخراً اسمه غلام شكوري.

قطعاً اننا لا نعرف هذين الشخصين ولا هويتهما ولا اي شيء عنهما ولكن أمريكا أكدت انهما يحملان الجنسية المزدوجة (الإيرانية والأمريكية) وانهما من كبار عصابات مافيا المخدرات في كولومبيا والمكسيك وانهما استلما مئات آلاف دولار لاغتيال السفير السعودي من خلال عملية تفجير مطعم يرتاده هذا السفير، واعلن ان تكلفة العملية كانت مليون و500 الف دولار (يا بلاش!). اعتقد ان حياة السفير السعودي الكاكيكي (المدلل) وحياة الآخرين الذين سيموتون وتتطاير أشلاؤهم وفقا للفيلم الأمريكي ورواية باراك اوباما المضحكة كانوا أغلى بكثير من هذا المبلغ!. كل هذه الادعاءات من الناحية القانونية والحقوقية لا قيمة لها وعلى أمريكا ان تبل ورقة اتهاما هذه وتدسها في فمها اوفي اي مكان آخر تراه واسعا ومناسبا لها!

- كما وصفنا في السابق الإدارة الأمريكية بالغباء السياسي، حقاً إنها كذلك، لماذا؟ لانها لو كانت تملك ذرة من الخبرة الإعلامية والذكاء السياسي لادعت مثلاً كما ظلت تدعي أجهزة الكيان الصهيوني في السابق، ان أعضاء هذه الخلية ينتمون لحزب الله او لجماعة شيعية انتحارية متطرفة او حتى لأعضاء الاستخبارات الإيرانية، وليس ان تدعي وتصر وتعلن أمريكا ان المتهمين هم من مروجي المخدرات وبائعي الحشيش في المكسيك وان الذي خطط لاغتيال السفير السعودي كان سجينا محترفا سابقا في أمريكا بتهمة السرقة وبيع المخدرات!.

- لنفرض جدلاً ان جميع مزاعم الإدارة الأمريكية في السياق صحيحة وموثقة ودامغة يا ترى ما الذي تجنيه طهران وتحققه من وراء ذلك؟ هل ان الاغتيالات تعد نصراً كبيرا وساحقا لأي نظام او حكومة؟، وهل ستقدم طهران على اغتيال السفراء السعوديين في لندن وباريس وبيروت وجاكارتا وأديس آبابا لتحقق نصراً ساحقاً على غريمها في الرياض ام ان المملكة سترد هي ايضاً باغتيال وتصفية سفراء إيران في العديد من دول العالم، وماذا ستكون النتيجة، من وجهة نظر أمريكا؟، اندلاع حرب اغتيال السفراء وتصفيات جسدية بين الإيرانيين والسعوديين، وماذا بعد والى أين المطاف؟!.

حقاً ان الغباء الأمريكي لا حدود له وان مثل هذه الاتهامات كانت واشنطن طرحتها في السابق وباءت بالفشل، واقصد هنا بالتحديد انفجار مدينة " الخبر" في المملكة السعودية وبعد ذلك اتهام الحجاج الإيرانيين بحمل متفجرات لتدمير الحرمين الشريفين في مكة والمدينة!. واغتيالات وهجمات تعرض لها أمريكيون وسعوديون في باكستان ودول أخرى، ثم بعد ذلك ثبت عكس هذه الاتهامات تماما واتضح للعالم كله ان التيار السلفي المتطرف والمنشق عن الوهابية السعودية واقصد هنا قادة تنظيم "القاعدة" الإرهابي هم من قاموا بمثل هذه العمليات الإجرامية والأفعال الإرهابية بعد خلافات مصطنعة أوجدها السلفيون والوهابيون بينهم لابعاد العناصر المتطرفة والمسلحة من دول شبه الجزيرة العربية وإرسال هذه العناصر بتنسيق خفي وأكيد مع الإدارة الأمريكية الى أفغانستان والعراق وباكستان وسائر الدول العربية والإسلامية لنشر الفساد الفكري الوهابي وارتكاب الجرائم وتنفيذ العمليات الإرهابية لإرعاب أمة "لا الله الا الله" وتشويه سمعة المسلمين على يد الفئات الضالة والمنحرفة والتكفيرية وبالتالي تبرير الوجود العسكري الأمريكي المحتل لدول المنطقة ونهب خيرات شعوبها بشكل أوسع وعلني دون اعتراضات.

- ان الإدارة الأمريكية التي أساءت لنفسها ولسياستها وسمعتها كثيراً من خلال الإصرار على احتلال العراق والبقاء مستعمرة للعديد من الدول العربية بذريعة تواجد قواتها في قواعد عسكرية في تلك الدول، ووقوف أمريكا المخزي ضد إرادة وتطلعات الانتفاضات العربية والحيلولة دون تحول هذه الانتفاضات الى ثورات جماهيرية واسعة النطاق تطيح بكافة الرموز الأساسية للأنظمة الحاكمة (الرموز السياسية والعسكرية المتبقية)، هذه الإدارة فقدت الكثير من الأوراق التي كانت تتلاعب بها لتبرير احتلالها وبقاؤها في الدول العربية والإسلامية، فقد أحرقت واشنطن ورقة طالبان الأفغانية الهمجية ثم أحرقت ورقة قائد تنظيم القاعدة الإرهابي (بقتل اسامة بن لادن) وبعدها أحرقت الكثير من أوراقها في العراق ولبنان واليمن (من خلال سقوط رموزها او مقتل المبررين لوجودها كان آخرهم المدعو أنور العولقي في اليمن).

 وعليه راحت أمريكا تبحث في الملفات العتيقة والمكدسة في عتمة مستودعاتها لإيجاد مبرر جديد لإثارة المزيد من الخلافات بين الدول الإسلامية والزعم انها راعي حقوق ومصالح الأنظمة العربية وبالتحديد المتخمة بالنفط والغاز، ولم تجد هذه المرة سوى ملف اغتيال السفير السعودي المدلل (الكاكيكي) لديها فزعمت انها حمته من يد الغدر والقتل وأنقذت أرواح الكثير من انفجار مزعوم لمطعم وهمي في واشنطن، لكي توجه اتهاماً آخراً الى طهران بدعمها للإرهاب المنظم المزعوم والادعاء انها راعية للإرهاب وتهدد الأمن القومي الأمريكي والعربي معاً من جهة، ومن جهة أخرى تثبت لحكام المنطقة انها المدافع الأساسي عن هؤلاء في المنطقة وفي داخل أمريكا ايضاً ولولاها لكانت إيران قد اغتالت سفراء البحرين وسريلانكا وجزر القمر وملاوي وسفراء دول العالم في واشنطن وأعضاء منظمة الأمم المتحدة في نيويورك لان لا عمل ولا شغل لها سوى اغتنام الفرص والتآمر والتخطيط ليلا ونهارا لاغتيال الدبلوماسيين والسياسيين التابعين لدول ربما لها خلافات سياسية فقط مع طهران!.

* صحفي وإعلامي-السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الأول/2011 - 17/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م