الديمقراطية العوراء

رسول الحجامي

هل نحتاج الى تعريف للديمقراطية في عصر الديمقراطيات الكبرى؟ في عصر أصبحت الديمقراطية فكرنا وغذائنا ومصيرنا في الحياة والوطن.

هل نحتاج الى تعريف للديمقراطية ونحن نعيش في أيام الربيع العربي الذي طوى معه عصور من لهيب الدكتاتوريات السلطانية ومعاركها الساخنة ضد الأمة وحريتها وشعوبها،

الربيع العربي الذي أطاح بعروش شتائية ظلامية قهرية امتصت كل دفء حياتنا، لتمد في عمر السلطان وأبناء السلطان وخدم السلطان وخيول السلطان وبعران، وحاشيته المتعفنة على مدى الدهور والعصور،

الربيع العربي الذي جاملتنا أحداثه وهي تقول : ليخسأ كل من يقول إن ليس في بلاد العرب كرامة. ولتعلن إن الحرية العربية والتي تغتصب على مدى القرون وهي تلد كل عتاة التاريخ وكل خوان أثيم، انتفضت اليوم لتلد لنا مولود الديمقراطية لينفخ في كل مثقفينا وشعراؤنا ومفكرينا روح الحياة من الجديد، ولتلبسهم سماعات يتنصتون بها على الشعب العربي وهو يصرخ : أنا أثور إذن أنا موجود.

الربيع العربي وما أدراك ما الربيع العربي؟ يوم خرج الإنسان العربي من عصر دكتاتورياته الجليدية ليغني: ( الدنيا ربيع، والجو بديع ) على مسرح حسني الزعيم، وزين الهاربين، والعقيد السباب.

بالطبع أنا ابحث عن تعريف آخر للديمقراطية غير ( حكم الشعب).

تعريف ربما فاتني وأنا في غفلة بسبب متابعة الأعمال الخيرية والجهود الجبارة التي تقوم بها الحكومة الفرنسية رمز التحرر، والإدارة الأمريكية رمز الليبرالية والديمقراطية، ولا أنسى شيوخ بريطانيا العظمى وهم يقودون شعبنا من ظلمات الجور الى نور الحرية فجزآهم شعبنا مليون مليون برميل من النفط من ارض القحط.

لا ادري هل هذه الديمقراطيات العالمية التي وظفت كل ثقلها الدبلوماسي والعسكري والمخابراتي والفني في دعم الثورات العربية هي بدافع من إيمانها بفكر الديمقراطية وضرورياتها لحياة الشعوب وقيادتها، ومن إيماننا نحن بالفكر الديمقراطي لاحترام حقوق الإنسان ومشاركة الجميع في حق تقرير المصير وتحمل مسؤولية لاتخاذ القرارات والحقوق والواجبات أم انه نتيجة لتواطؤ في المصالح؟

دعونا لا نعترض على من يرى انه مستعد للتحالف مع – أيا كان وكائنا من كان – في سبيل إسقاط الحكام الدكتاتوريين، وبالرغم من بعض التحفظات عن أثمان هذا التعاون، إلا إننا لا نرى باسا من ذلك، حسب مبدأ الغاية تبرر الوسيلة الذي استعان به بعض مخضرمي السياسة العربية لحل تعقيدات الواقع العربي وإرهاصات المرحلة... الخ الخ من الكلام الفارغ.

مشكلتنا مع الديمقراطية لا تكمن في ضرورة حكم الشعب، أو قبول مساعدة الآخرين، أو الاستنجاد بقوى خارجية، مشكلتنا تبرز حينما يعد المثقف والمفكر – العلماني – اليساري – الليبرالي – الديمقراطي – إن ما يحدث في تونس ثورة شعبية، وما يحدث في مصر ثورة شعبية، وما يحدث في اليمن كان ثورة شعبية ولكنها اليوم هي منزلة بين منزلتين بين الجنة والنار لا هي ثورة شعبية لاعتراض مجلس التعاون الخليجي ولا هي ليست ثورة شعبية لخروج كل الشعب اليماني ضد صالح !!لذا خفت بريقها وانقلبت أحولها من متصدرة الأخبار الى ذكرها ضمن التوابع وقبل الأنواء الجوية.

لماذا يصفق ويهلل مثقفونا وكتابنا ومقدمو البرامج باسم الديمقراطية لثوار ليبيا ومصر وسوريا ويتكتمون حتى على ذكر ثوار الشعب العربي في البحرين والسعودية؟ أليس الدم واحد، بل أنظمة الحكم في البحرين اشد ظلامية وتخلف ودكتاتورية..؟!!

إننا لنخجل نرى إن مؤذني الديمقراطية لدينا بليبرالييهم وعلمانيينهم ما يزالون حبيسين طائفياتهم ومذاهبهم الدينية، بل والأغرب أن يكون ذلك حال اليساريين وتلك طامة كبرى.

بل والأغرب من ذلك حال اللادينيين العرب الذين يصفقون وينشدون لنزول الشباب الى شوارع القاهرة وبنغازي وصنعاء، لكنهم يشككون بنوايا خروج الشعب البحريني، وليس من سبب سوى لان الطائفية البغيضة ما تزل تفعل فعلها فيهم بالرغم من لادينيتهم !!

إذن هي ديمقراطية عوراء..

من حق العربي المسيحي أن يثور وتبارك له ثورته في الحصول على حقوقه المشروعة..

من حق العربي المسلم ( بكل طوائفه ومذاهبه ما عدا ما يسمونهم بالروافض أو الشيعة ) وتبارك له ثورته في الحصول على حقوقه المشروعة..

من حق الأقليات غير العربية ان تثور وتبارك له ثورته في الحصول على حقوقه المشروعة..

لكن أن تثور وأنت شيعي حتى وان كنت تطالب بحقوق الإنسان، وان كنت تطالب بمطالب لا يختلف عليها اثنان في العالم سواء في نيويورك أو أعماق افريقيا، فأنت مشكوك في نواياك..

لكن أن تثور وأنت عربي شيعي، وان كنت وطنيا، وان كنت علمانيا، وان كنت لا دينيا، وان كنت يساريا، فثورتك مشكوك فيها.. بل لربما هناك جهات خارجية حفزتك بصورة سرية المطالبة بحقوقك، بالطبع جهات خارجية ليست كحلف الناتو وأمريكا وفرنسا ودرع الجزيرة والخبراء الاسرائيليين و..و..

هل من المعقول أن نرى وجوه من المثقفين العلمانيين واللادينيين واليساريين تتحكم فيهم جذور الطائفية؟ مضافا إليها القليل من نكهة النفط الخليجي الممزوج بدماء أهلنا في القطيف والمنامة والكويت والمدينة المنورة والدوحة..

إذا كان العذر عما يجري من مجازر في البحرين بحجة الطائفية، فالتاريخ وحده سوف يحكم على المثقفين العرب وأصحاب الأقلام الذهبية...

وإذا كان العذر كابونات النفط الخليجي فانتم والتاريخ، وما أنا عليكم برقيب.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/تشرين الأول/2011 - 8/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م