تأملات في مرايا الربيع العربي

غريبي مراد

لقد أفرز لنا ما سمي بالربيع العربي، العديد من المتبارين الغربيين حول الكعكة العربية تلبية لمتطلبات المرحلة القادمة من عصر ما بعد الحداثة، حيث القلق الغربي المعاصر لا يتعلق فقط بالطاقة السوداء والطاقة الحية المتمثلة في الماء أو الجغرافيا الاقتصادية والقوة البشرية، بل هناك تخوف كبير ومتعاظم خاص بالوزن الثقافي الديني للأمة العربية الإسلامية، خاصة مع ارتفاع نسبة الفرار من الجور المادي نحو العدالة والرحابة الإسلامية في أوساط المثقفين والعلماء بالغرب (أميركا وأوروبا) ناهيك عن التحدي الإيراني كجمهورية إسلامية منافسة للقوى الغربية في العديد من مجالات العلم والمعرفة وفنون الحياة والتحرر السياسي والاقتصادي والعسكري.

بصراحة: هناك حراك غربي متمثل في مرايا الاستدمار السياسي للعرب والمسلمين (أميركا والغدة الصهيونية في فلسطين المحتلة وفرنسا وبريطانيا)، حيث كل الأحداث منذ احتلال أفغانستان والعراق إلى تقسيم السودان وصولا إلى ما سمي تمويهاً بالربيع العربي، بالإضافة إلى التوقيت الغريب الذي صاحب تفشي أسرار الدبلوماسية العالمية عبر الشبكة العنكبوتية من خلال موقع ويكيليكس (تسريبات ويكي)، أسقطت أحجارا عتيدة وعنيدة في الشطرنج السياسي الخاص بالشرق الأوسط الكبير وأصعدت نكرات إلى سدة التقرير السياسي للشعوب، القراءة الحصيفة والدقيقة لتلاحق هذه الأحداث ومحاولة لملمة الوقائع الصغيرة والكبيرة والمبادرات الدولية سواء عبر الاتحاد الاوروبي أو الأمم المتحدة وحتى الجامعة العربية.

 ناهيك عن اختلاق الأزمات السياسية بدلا من التوافق السياسي من أجل تفعيل الإصلاح بأساليب حضارية ومغنية للوعي السياسي والاجتماعي للمجتمع، وبغض النظر عن الرهانات الغربية بخصوص التيارات السياسية الفاعلة في اللعبة السياسية العربية العامة وبالتحديد التيار الاسلاموي الذي أقل ما يقال عنه- طبعا عدا البحرين وإحدى أقطابه بمصر- أنه ركب الموجة الافتراضية للثورات العربية، كل مقاصد وأهداف الغرب بخصوص الإنسانية جمعاء والإنسان العربي على وجه الخصوص واضحة للعيان، فهيهات أن يتصور العربي والمسلم للحظة واحدة أن الأنظمة الغربية تهتم لاستقراره السياسي والاجتماعي وتوازنه الاقتصادي وفعاليته الثقافية، ففرنسا مثلا: راهنت على ليبيا لأن التعثر السياسي الداخلي لساركوزي مع وصول آثار الأزمة الاقتصادية باليونان واسبانيا وايطاليا من جهة ومن جهة أخرى فضائحه الشخصية وفقدان فرنسا لوزنها السياسي المؤثر بالجزائر وكذا المغرب الأقصى بسبب المنافس الأميركي والأدهى والأمر تأييدها ودعمها التاريخي للطاغية التونسي وتغطيتها لجرائمه وسياساته القمعية والاحتكارية لثروات الشعب التونسي، كل هذا بالإضافة للعقلية الاستعمارية المتعشعشة في النظرية السياسية الفرنسية حتى بعد الجمهورية الخامسة، دفعت بها كنظام غربي إلى المجازفة بورقة ليبيا حتى لا تفقد حضورها التاريخي بالمنطقة، وهي ذاتها قبل سنوات قليلة استقبلت العقيد معمر القذافي بالايليزي استقبالا رسميا نهاية سنة 2007، ولم تهتم وقتها لمأساة الشعب الليبي، وبلحاظ اندفاعاتها بخصوص الواقع السوري من جهة كذكرى استعمارية مؤلمة وأيضا كنظام مزعج للمدللة إسرائيل، دون أن ننسى اللامبالاة بمصير الشعب البحريني لحاجة في نفس الغرب ككل!!

إن الرهان الصهيو- غربي بقدر ما هو خطير إلا أنه انكشاف مهم بالنسبة لرواد الممانعة والمقاومة على طول خط طنجة -جاكرتا، لأن المرحلة القادمة هي مرحلة تصفية الحسابات القديمة والراهنة وخلق القلاقل دون الالتفات للأمن الإنساني أو السلام العالمي، حيث القوى الامبريالية والصهيونية وبالتحديد اسرائيل الكيان الصهيوني العسكري فلسفته الوجودية قائمة على القتل والحرب، وعليه الاعتراف بدولة فلسطين عاصمتها القدس بالأمم المتحدة أو كعضو مراقب كما اقترحت حكومة ساركوزي، ماهي سوى مسرحية جديدة للضحك على الأذقان العربية، وبدلا عن التصفيق السياسي المغلوب يجب العمل على تجسيد حقيقة أن ما أخذ بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية...

بكلمة: سواء كان هنري ليفي هو مهندس الثورات الموهومة أو مستشار للنخب العاطلة عن الوطنية والكرامة، هناك هنري آخر مر بالخليج ذات يوم اسمه لورانس، وغيره كثير جاءوا قبيل احتلال الجزائر باسم البحث الانتروبولوجي والقصة الاستخباراتية تطول وتحبك باستمرار في مخابر النظام العالمي الجديد، هذه الأمور وغيرها من تفاصيل خاصة بالاستثمارات ومراكز الدراسات الشرق أوسطية والمغاربية والعربية والشراكات الإقليمية والاتفاقيات التكتيكية والاستراتيجية والمؤسسات الحقوقية، معرفتها أو التغافل عنها ليس بالشيء المهم، لأن الأهم إعلاميا وثقافيا وسياسيا الاشتغال بغرس مبادئ التحرر والتعاون والتسامح والنباهة والتعايش والإصلاح والتجديد ممارسة لا شعرا وغناء وخطابات رنانة ومؤتمرات شكلية، لأن نصف الحقيقة المنسي هو تلك المشاريع الوحدوية والنهضوية والإصلاحية المسجونة في سراديب الطائفية والمحاصصة والمخاصمة والتجريح السياسي والتأزيم والمعارضة لأجل الشهرة والتنابز والتكفير والإرهاب السياسي والأصولي، ورغم كل هذا التخلف الذي نعيشه بإرادة جاهلية منا إلا أن الغرب الامبريالي الصهيوني يخشى حتى سماع كلمة «الإسلام» وما حدث في فرنسا من سن لقانون تجريم الحجاب وأنه ضد الحرية الساركوزية، خير دليل على أن الإسلام قوة حقيقية لأنه رائد السلام الحقيقي والعدل الشامل والسياسة الصادقة والاجتماع الصالح والدين الأمثل للإنسانية وخلاق الأمة الواحدة المؤمنة بالله الواحد والنبي الأعظم (ص)...وهو النهج القويم للنظام العالمي العادل... فإلى متى الرضوخ يا عرب سايس بيكو؟؟...و الله من وراء القصد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الأول/2011 - 3/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م