مأزق التكفير والبحث عن التسامح؟!

غريبي مراد

بين الفينة والأخرى تطلع علينا بعض النكرات العلمية والفكرية والسياسية عبر الإعلام لتنفث سموم التعصب والتكفير واللاتسامح بين أطياف الأمة الإسلامية، متوسلة بأرقى تقنيات ومنظومات الحداثة وأبهى نتاجات التراث الديمقراطي الليبيرالي، لكن كل ذلك في شقه السلبي واللاأخلاقي، حيث تبنيها للديمقراطية ليس مبدئيا ولكنه برغماتي لأجل التعطيل والتأزيم والنفعية.

بصراحة: أعجب ما نراه في راهن بعض وسائل الإعلام المسماة إسلامية أو العربية المتطوعة للدفاع عن عقائد الإسلام وأشخاصه وتراثه، نراها أبعد ما تكون عما تدعيه من غيرة هي في العمق تدمير، شأنها شأن ذلك المفسد التي قيل له لا تفسد فأجاب أنه مصلح!!

للأسف وسائل إعلام دينية مرئية هدفها الأساسي هو التهييج الطائفي والتهريج السياسي، وبرامجها مصنعة وفق منطق التعصب والتكفير والإقصاء والتجريح للآخر، ناهيك عن التمويه الإعلامي للرأي العام العربي والإسلامي عبر الاجتهاد في التشكيك بمؤتمرات الوحدة والصحوة الإسلاميتين والسعي بخبث وحقد لتشويه شخصيات إسلامية رسالية تهتم بأمور الأمة ككل وليس مذاهبها وطوائفها فقط...

بكلمة: إلى متى تبقى وزارات الإعلام العربية والإسلامية تتفرج على هكذا جرائم اجتماعية ووطنية وثقافية عبر الإعلام باسم الإسلام والدفاع عنه، وأين عقلاء الأمة ليقولوا للشاذ والمتعالم أصمت، وهل المواطنة قيمة جوفاء بحيث لا بأس أن يكفر مواطن من الطائفة الفلانية مواطنا من الطائفة العلانية؟

 إن الربيع الإسلامي لا يؤسس على أيدي أمثال هؤلاء المتنطعين الذين لا يفقهون الإسلام الشريعة السمحة والأخلاق الفاضلة والعقيدة المنفتحة على الوجود كله...أبدا ما هكذا تجدد أمة الإسلام... ليس بالتكفير والسباب والتعصب والتهريج... الأمم تبنى بالأخلاق التي تؤنسن خطاب الحوار وتركز ثقافة التسامح وتشيد روح التعايش...

ببساطة: التكفير كمفهوم هو مأزق خطير إذا حل بأي مجتمع فيعني أن ثقافة الجاهلية لاحقة به، وهذا يعني أن الاستقرار السياسي والاجتماعي مهدد، والأخطر من هذا كله أن يلج التكفير تحت غطاء الديمقراطية ليغدر بها في الطريق ويعلن ملكيته الحقيقة المطلقة ثم يصبح المجتمع تحت رحمة الديكتاتورية الطائفية التي تحتمي بين السياسة والدين...

أما بعد: إننا بحاجة لإعادة النظر في مدى نجاعة قوانين التجريم الخاصة بالإعلام، لأن التكفير لا يمكن إدراك خطورته إلا عبر آفاق الأمن الثلاثة التي يستهدف ضربها: الثقافي والاجتماعي والأخلاقي للمجتمعات الدينية، حيث يستثمر أصحابه ثلاثة أبعاد للسيطرة على الواقع وتكريسه لهم: التعالم الديني والخداع الإعلامي والنفعية السياسية، كل هذه الأبعاد بأشخاصها ومؤسساتها وأموالها وفكرها وتاريخها، تتم تعبئتها لضرب وحدة المجتمعات وافشال مشاريع النهضة والتنمية فيها...

إلى هنا نطرح السؤال الجدلي التالي: هل الأصل في الإسلام التسامح أم التكفير؟؟ ونترك الجواب لرواد التعالم الديني...و الله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/أيلول/2011 - 27/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م