السياسة العربية بين الحداثة والجاهلية

غريبي مراد

لا جدال ولا غرابة في أن الحال السياسية العربية بكل ديكوراتها وشطحاتها ومشاكلها وشخوصها ومشاريعها، بدأت تبحث عن الخلاص وفق المنطق الرياضي لدينا كعرب...فمنذ زمن غير بعيد، دأبنا على استقدام واستقبال المدربين والفنيين لتدريب الفرق المحلية والمنتخبات الوطنية في غالبية أنواع الرياضة التي تعرف رواجا جماهيريا، حيث تأتي كرة القدم في الوجاهة، طبعا غاية القائمين على الرياضة إرضاء الجماهير بأداء مشرف ومنعش للنفوس العليلة بأزمات السياسة والاقتصاد والاجتماع...

بصراحة: في واقعنا العربي بين كرة القدم والسياسة، تقارب كبير لدرجة أنك تشمئز من انتكاسات الفرق والمنتخبات، كما تفضل عدم تضييع الوقت في متابعة أخبار الساسة عندنا، ولعل محنة الرياضة عندنا من مآزق السياسة، مما جعل شعوبنا تعشق برشلونة أكثر من منتخباتها الوطنية، أمام هذا الاغتراب ووفق هذا الأساس وكما نستنجد في وضع دراسات الحالة والبرامج الفنية والتقنية للمشاريع القاعدية الضخمة بالمهندسين والبراءات الغربية، هناك سؤال ملح في حياتنا العربية المسجونة في عنق زجاجة السياسة: هل التغيير والإصلاح والتنمية في أوطاننا أيضا بحاجة لاستعارة نواب ووزراء بالإضافة للخبراء والمستشارين لتفعيل الحداثة السياسية؟!

طبعا الاستنجاد السياسي ليس بالغريب في أبجديات التاريخ السياسي سواء علنيا أو سريا ومنذ بروز مفهوم الدولة، واستيضاحا للتساؤل: هل يمكننا الاستفادة من الحداثة السياسية الغربية متمثلة في طاقتها البشرية لتدريب وتثقيف خاماتنا البشرية السياسية بمفهوم فن السياسة الخلاق للتنمية؟!

بكلمة: لقد بلغ الانسداد السياسي عندنا مستوى من الخطورة لا مثيل له، مما جعل إنساننا العربي متبرما من كل ما يوسم بالسياسة، حيث لا بأس أن نعطل مستقبل أمة لتصور أو حاجة في نفس سياسي عندنا، حتى أصبحنا نختلق المشاكل لتعجن كعكة التنمية والإصلاح وفق أمزجتنا، وبدلا من التنافس في فقه التمدن السياسي واستثماره للنهوض بأدائنا النيابي أو الوزاري وواقعنا السياسي ككل، نعشق إدمان صراع الإرادات على حساب مصلحة أمتنا وشعوبنا على شاكلة عشق نسوتنا لمسلسل العشق الممنوع...

لامناص أن معضلة الحداثة السياسية في عالمنا العربي، تتحدد في اصطدامها بجاهلية سياسية أرادت أن تتخذها وسيلة مناعة لاستكمال مسيرة التعطيل والتأزيم لكل تجديد أو تغيير أو إصلاح، بينما جوهر السياسة عندنا لم يتمدن بعد أو يساير ما يجري من حوله من تطورات وإرهاصات إستراتيجية في التمثيل والتنفيذ السياسيين، حيث نجد ثلاث صيغ للسياسة عندنا: إما التمثيل النيابي يعرقل التنفيذ التنموي الحكومي أو العكس الحكومة تشاكس النواب وإما كلا السلطتين ضد حق الشعب في الحياة الكريمة...

ببساطة: حتى تتنفس الحداثة السياسية في أوطاننا بما لا يناقض مقومات هويتنا وتطلعنا الحضاري، لابد من رجال يملكون موضوعية التقوى في الأداء السياسي، لأن السياسة ليست لعبة كرة قدم، لتسجيل الأهداف واستقطاب الجماهير بفنون الصد والهجوم، أو الاتفاق على نتيجة مفادها تضليل الشعب...أبدا، السياسة الحقيقية هي التقوى في تدبير أمور الناس بما يناسب كرامة الإنسان وعزته...

فبدلا من استعارة النواب والوزراء من الغرب كما نستورد كل شيء، فليصلح رواد السياسة عندنا وعيهم للحداثة السياسية حتى يصلحوا ما أفسدت الجاهلية السياسية من حال شعوبنا، بحيث يصبح التمدن السياسي ثقافة تنمية وليس ديكورا.. والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/أيلول/2011 - 23/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م