بين الأمن الإستراتيجي والثورة!

غريبي مراد

من العناوين اللافتة للانتباه في الانتقالات والتحولات التي فرضها وركزها الربيع العربي في الفكر السياسي العربي المعاصر، عنوان: الأمن الاستراتيجي، حيث استطاعت الثورات أن تثير هذا العنوان لدى صناع القرار العربي وثلة من مستشاريهم، على الرغم من أن عنوان الثورة ذاته لايزال مثار جدل لدى النخب العربية بخصوص: هل الثورة معناها الجديد الفوضى الخلاقة؟!

بصراحة: وبغض النظر عن مدى وعي حاملي لواء الثورات العربية الملهوفة -كما أسماها الدكتور محمد النابلسي- الأدوار الجديدة للاستخبارات العالمية في العالم العربي المتمثلة عموما في التركيع الجديد للساحة العربية زنقة زنقة، بعدما فلتت من الخطة مصر وتونس والبحرين بنباهة نخبها التي نأمل أن تصمد أمام ما يحبك لها في عمق الأحداث، كما حدث بالشام...لقد أصبح ملحا سؤال الأمن الاستراتيجي في إثارة محددات دراسة حقيقة الثورة، وبعيدا عن الجدالات العقيمة المؤسسة على هشاشات في التفكير السياسي والتصور لمعاني الثورة والتغيير والإصلاح والبناء والحرية وما هنالك من عبارات حق يراد بها باطل، لا يمكننا الحديث عن الثورة دون استحضار واقع تفكيرنا بمدى فعالية أمننا الاستراتيجي في حال اندلعت ثورة مصداقها فوضى، يعني هل من الاستراتيجي إطلاق ثورة دون التخطيط لتجديد الأمن وسلامة المصير؟

هذه المقاربات وغيرها كثير، بين الأمن الاستراتيجي والثورة، للأسف تكاد تنعدم أو لا تؤخذ بعين الاعتبار في غالبية مشاريع التغيير ونظرياته لدى نخبنا كلها قبل شعوبنا، لأن الشعوب مهما بادرت باحتضان شعارات الثورات والتضحية من أجل المقدس، لكنها عمقا تنتظر اللمسات السحرية للنخبة والقادة أو الزعماء لصناعة الاستقرار على المدى القريب، لأن الشعوب لا ترضى أن تخرج من زنزانة لتدخل في جحيم اسمه الاستعمار الجديد.

• بكلمة: الأمن كمفهوم شامل في العالم العربي لايزال حبيس النرجسيات السياسية والصفقات التجارية والأجندات المصلحية وليس الاستراتيجيات الوطنية أو الأممية التي تأخذ في الحسبان معاملات التاريخ والإقليم والنظام العالمي الدولي والتطورات التي تشهدها كل تلك المفاهيم عبر الزمن الإنساني كله، بالإضافة لأسس الاستقرار السياسي والاجتماعي وأيضا التحديات الإستراتيجية الزاحفة نحونا.

 ومشكلتنا كعرب اننا لانزال نتصور الأمن كله، أطنان السلاح المستورد ومعسكرات التعذيب وبيانات الترهيب والإعلام المنافق والتفتيش الإنتمائي والاستغراق في الصراعات الطفولية بين الساسة والمتعالمين دينيا واتفاقيات ظاهرها الصداقة والشراكة وباطنها التطبيع، الأمن عندنا أبعد ما يكون عن تشاور العقول وتعاون الشركاء في الوطن والمصير، عبر تنمية الفرد والمجتمع ليشارك بإرادة في تأهيل أمته لاستيعاب قيمة التفكير الاستراتيجي في بناء الأمن الحقيقي العادل والمستديم ..

إننا نفهم الأمن بتخلف اسمه تسجيل النقاط على بعض في حين اللصوص يمرحون بين الغرف والبهو في عقر ديارنا.. بينما الثورة التي لا تقوم على إستراتيجية أمنية دقيقة ومستقبلية، هي كمن أشعل عود الكبريت في الظلام لينير ما حوله، ناسيا أو متناسيا ما يحيط به من مواد سريعة الالتهاب، فأهلك الحرث والنسل من حيث أراد أن ينجيه،لأن الثورة التاركة وراءها الأمن الاستراتيجي للوطن والأمة والإنسانية هي ثورة بلا عقل يعني فوضى وفتنة..

لقد آن الأوان أن نفكر في الثورة بالتوازي مع الأمن الاستراتيجي حتى لا ندعي طاعة الله من حيث نحن نعصيه، لأن مؤسسات الفساد تتحرك وفق إستراتيجيات متشابكة ومعمقة، أما أفكار ونظريات التغيير والإصلاح لدينا فتولد مطعمة بالأحقاد والضغائن لتشب فوضى وفتنة وفسادا واستدمارا جديدا...

• ببساطة: بين الأمن الاستراتيجي والثورة جسر اسمه حسن التدبير، إذا ضاع حلت غِيَرُ الزمان...ولقد قالها النبي الأكرم (ص): «إنّي ما أخاف على أُمتي الفقر، ولكن أخاف عليهم سوء التدبير»، ويا ويل شعوب أساءت تدبير ثوراتها من الخطر القادم من الشمال، حيث فلسفة الثورة تقول: لابد أن يكون موجها عالياً حتى لا يركبه الخبثاء والأعداء... والله من وراء القصد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/أيلول/2011 - 18/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م