كيف ماتت فيدرالية ما وراء السدة؟

عبد الكريم ابراهيم

استهوت مفردة الفيدرالية زاير حنتوش وهو يستمع بالصدفة لاحد المحللين السياسيين – وما اكثرهم هذه الايام – عن الفوائد الجمة المتحققة من هذا النظام الديمقراطي المعاصر، لاسيما المناطق التي تعاني الحرمان والفقر سابقا وحاليا وان اختلفت نوعية الحكم. وبدأت الفكرة تنخر في رأسه كالوسواس، من اجل الشروع في اعلان مناطق ما وراء السدة فيدرالية قائمة بنفسها، حيث لايختلف اثنان ان هذه المناطق هي الاكثر فقرا في كل شيء برغم انها من احياء العاصمة بغداد.

 العقبة التي واجهة زاير حنتوش في سبيل هذا المسعى هو جمع اصوات اهالي هذه المناطق من اجل هذه الغاية، فكان عليه ان يشرح لهم الآثار الايجابية وحالة الرخاء المنتظرة عند حصول مناطقهم على حق تكون فيدرالية خاصة بهم كما جاز الدستور العراقي. الرجل اقتصر الطريق وابتعد عن اللف والدوران واستخدام المصطلحات السياسية المعقدة من اجل تقريب هذا المفهوم الى اذهان بعض الناس ولاسيما كبار السن منهم.جملة واحدة اختزلت طريق الفيدرالية الوعر حينما خاطب الاهالي الذين تجمعوا امام داره في منطقة المعامل قائلا(الفيدرالية تعني: مركتنه على سياكنه) هذه الجملة القصيرة التي يفهمها الجميع سرت في العروق كأنها (رجفة جويريد) وجعلت هؤلاء الناس ينقسمون بين مؤيد ومعارض ولكل طرف اسبابه ودوافعه.

وبعد ان كثر وطال الجدل، بدأ المجتمعون في طرح اسئلتهم على صاحب المشروع وكيفية تطبيق الفيدرالية على ارض الواقع، ولعل اطرف سؤال الذي طرحه (حجية كاشية): زاير بلله عليك، الواحد العندة بنات لازم ما يزوجهن بس لاولاد المنطقة. لاسيما عندما سمعت جملة (مركتنه على سياكنه) فاجابها زاير حنتوش بكل هدوء وروية: حجية كاشية السالفة ما اليه علاقة بالزواج، السالفة بالفلوس. الفكرة اخذت حيزها في مناطق (المعامل، حي طارق، حي التنك، الحميدية، سبع قصور، شاعورة وجدر)، وبدأت وفود هذه المناطق تتقاطر على بيت مولد الفكرة، لتعلن تأييدها لمشروعه الذي قد ينقذ الاهالي من البحث عن ماء الشرب وشراءه (من تناكر) امانة بغداد! والاستغناء عن سيارات (الواز) التي اكلت ظهورهم فضلا عن اعتاق (ابو صابر) لوجه الله بعد ان مل من حمل براميل الماء على ظهره، واخذت الاحلام تكبر وتتسع من دخول الطاقة الشمسية وبناء وحدات سكنية على طراز عال، وربما اشاء مترو على غرار مترو بغداد. اللافت للنظر ان دعوة زاير حنتوش لقيت صدى واسع حتى في المناطق المجاورة لدرجة ان وفدا من (سوك العورة) عرض عليه الانضمام الى مشروع الفيدرالية المرتقب، ولكن زاير حنتوش رجل ملتزم بمبادئ الدستور الذي لايجيز دخول مناطق متنازع عليها تحت لواء فيدراليته.

نصح زاير حنتوش الوفد تقديم طلب الى لجنة المناطق المتنازع عليها من اجل النظر في انضمامهم الى مناطق ما وراء السدة، ووعد شخصيا بدعم هذا التوجه الفيدرالي، حتى ذلك الوقت يمكن توقيع اتفاقية توأمة بين فيدرالية ماوراء السدة و(سوك العورة) من اجل تبادل الخبرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

قاد زاير حنتوش حملة لجمع التواقيع للشروع بالفكرة ولكنه اصطدم بمعارضة البعض الذين يرون ان الفيدرالية (تطشير للشمل)، بل هددوه باستخدام القوة في حالة عدم تراجعه عن فكرته الانفصالية. من جابنه عد زاير حنتوش هذه التهديدات محاولة لسرقة الحلم في تحسين اوضاع هذه المناطق، واتهم المعطلين لمشروعه بالمتآمرين والمنتفعين، وان اجندة خارجية هي التي تحركهم.

المهم ان زاير حنتوش استطاع ان يحصل على ما مجموعه خمسين زائد واحد من اصوات اهالي مناطق ماوراء السدة، وهذا تفويض لاجل تقديم المشروع الى الجهات المختصة لاعطاء الضوء الاخضر لبدء حلمه. النقطة التي غابت عن عقلية زاير حنتوش الفذة ان اغلب مناطق ماوراء السدة لاتملك ثروات طبيعية كالنفط والغاز ولامعامل صناعية برغم من وجود منطقة ضمن فيدرالية حنتوش بهذا الاسم، ما جعل مناطق ما وراء السدة تعقد اتفاقية طويلة الامد مع الفقر والحرمان بعد وقبل الفيدرالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/أيلول/2011 - 16/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م