في رحاب الإمام المجدد الثاني

غريبي مراد

لقد كان الأخ الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي - أعلى الله درجاته - يؤكد تأكيداً كبيراً - ضمن ما يؤكد عليه - على التعبئة الشاملة المتواصلة والمعمقة لاستيعاب ونشر ثقافة القرآن الحكيم وعلوم أهل البيت الطاهرين عليهم السلام. وكان (رضوان الله عليه) يركز على الاهتمام الأكثر بالتطبيق العملي للآيات القرآنية المنسيّات (عملاً) في معظم المجتمعات مثل آية الأخوة على صعيد الإيمان (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) الحجرات/10، وآية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...) آل عمران/104، وآية الحريات المشروعة: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ...) البقرة/256، وآية نبذ التكلّف في المعيشة والتزام التعايش: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ...) الأعراف/157، وآية الأمة الواحدة: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً...) الأنبياء/92، وآية بسط العدل والإحسان في شتى مرافق الحياة: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) النحل/90، وغيرها... وغيرها.

هذه الكلمة لسماحة المرجع الكبير السيد صادق الحسيني الشيرازي دام عزه، ولعلها من الكلمات المعبرة بدقة عن رحاب الإمام الشيرازي المجدد الثاني(رض)، هناك من عرفه سلطان المؤلفين والبعض عرفه من سيماء الصالحين التي ملأت كل أجواء مسيرته وللأسف البعض الكثير لا يزال يجهل هذا العالم النحرير والعارف الكبير والمجاهد الصالح المصلح (رض)، وهذا الجهل أو الغفلة أو النسيان للريادة العلمية والرسالية لهذا العالم الجليل جعلت الكثير من الناس يظلموه من حيث يعلمون ولا يعلمون...

بصراحة: من عرف هذا العالم المجاهد ولم يستقم في علاقته بأمته وفي وعي مسؤولياته الإسلامية العامة والخاصة، فإنه كمن شهد على نفسه بالتيه، لأن العلامة الإمام المجدد (رض) كان أمة بين الناس أخلاقه سبقته في الآفاق لتسكن القلوب وتمهد العقول للنهل من روائع علومه وفكره وفقهه، فكانت اسمه لوحده قبل إطلالته مدرسة للراغبين في الطريق إلى الله، ومهما حاول الباحثون سبر أغوار شخصية هذا العالم العامل المجاهد(رض) لا يمكنهم إلا الإفصاح بكل تواضع : إنها شخصية علمائية إسلامية التزمت الحق والصدق والعدل والإخلاص، حتى أصبحت نبراسا لطلاب الوعي الإسلامي الأصيل في رحاب الثقلين...

ببساطة: بعد مرور عقد من الزمن على رحيل هذا الفقيه المثقف والمثقف الفقيه (رض)، ومن خلال متابعتي لعلاقات المسلمين العامة والخاصة بشخصيته (رض)، في أغلبها بحاجة لتدقيق ومسؤولية، لأن السيد(رض) كان منارة في فقه السلم والسلام واللاعنف والتسامح والحوار والتعايش والإحسان، ناهيك عن صدقاته الجارية التي مازالت معالم حية للعلم والأخلاق والإنسانية والتكافل وصناعة الوعي والاستقامة.

عرفان لذكرى رحيل هذا المصلح الهمام (رض) والتي سطرتها لأختم بالقول: لنكن زينا للإمام المجدد (رض) بتجديد علاقتنا به حتى ننفتح على الثقلين والآخرة كما انفتح (رض) ونهتم بالأمة كما اهتم (رض) ونحيي الآيات المنسيات في واقعنا الإسلامي كما أراد (رض)، لأن الإمام الشيرازي(رض) كان مجتهدا في الحركة بالإسلام الأصيل بين الناس كل الناس سواء المسلمين أو غيرهم، حتى استطاع أن يثبت للبعيد قبل القريب أن الإسلام ليس فيه ظلم إنما هو دين الحق والعدل والسلام...

هكذا عاش الإمام السيد محمد الشيرازي(رض) كأجداده (ع) وآبائه (رض) للإسلام الأصيل وبه ومعه حتى رحل عن دنيا الناس وبقيت مسيرته الرسالية عنوانا رائدا لفقه دين العدل والمحبة والسلام:الإسلام... والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 13/أيلول/2011 - 14/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م