(ناوتو كان).. خلي عينك بعين الله يمعود

لطيف القصاب

هناك أكثر من سبب يجعلني حالي من حال الملايين من العراقيين معجبا للغاية بشخصية الفرد الياباني. وابرز تلك الاسباب المثيرة للاعجاب يتجلى في القيمة الأخلاقية التي يوليها اليابانيون للعمل عادة ؛ إلى حد أن بعض اليابانيين يفضلون مواصلة أعمالهم حتى في أوقات الاستراحة الاجبارية !

وهناك من بين اليابانيين من يقدم على الانتحار بنفس راضية اذا ما اتُهم باهمال عمله او طعنه احدهم في جودة ما يقدمه من انتاج.

 وعلى الرغم من كون هذه الصفة اي الانتحار تعد سمة نفسية مغرقة في التطرف لكن ما يهون الامر ان الياباني عندما يقوم بعملية الانتحار فانه لا يأخذ بطريقه عشرات الابرياء كما يفعله المنتحرون العراقيون.

ومن الاشياء التي تعجبني بالمجتمع الياباني هو التطور العلمي الهائل الذي حققه اليابان على اعتاب خروجه منهزما من الحرب العالمية الثانية، وعدم تقاطع هذه القفزة العلمية العملاقة كثيرا مع النسق الثقافي العام للمجتمع الياباني المحافظ على القيم التقليدية، فبين الحين والاخر تطالعنا الاخبار بنبأ سحب امهات الشركات اليابانية من الاسواق لاعداد هائلة مما تنتجه لاكتشافها ان التطبيق العملي للبضاعة المنتجة لم يكن موافقا مائة بالمائة للنظرية التصميمية المستهدفة.

وما يثير الاعجاب حقا في الشخصية اليابانية على المستوى الاجتماعي هو محافظة الفرد الياباني على تماسك كيانه الاسري، لاسيما العناية البالغة بالابوين والزوجات والاطفال. اما على الصعيد السياسي فاكثر ما يبهر النفوس في معاشر اليابانيين هو هذا الاعتزاز الكبير منهم بالامة اليابانية والاهتمام الرائع بالشعب من قبل السلطات الحاكمة.

نشرت وكالات الانباء مؤخرا خبرا مفاده ان رئيس الوزراء الياباني (ناوتو كان) المتهم بالتقصير في ادارة كارثة تسونامي قدم استقالته الطوعية من منصبه بعد موافقة البرلمان أخيرا على طلبين رئيسيين جعل منهما ناوتو شرطين اساسيين للاستقالة الطوعية.

طبعا لم اتخيل على الاطلاق ان يكون هذان الشرطان من قبيل ما يشترطه المسؤول العراقي عادة قبل ان يوقع طلب الاستقالة مرغما او مختارا، ولهذا فلم اُصدم كثيرا وانا اقرأ في ذات الخبر ان شرط ناوتو الاول كان يقضي بالزام الشركات اليابانية الكبرى على استخدام الطاقة البديلة للحد من مخاطر الطاقة التقليدية على البيئة والانسان، وقد جوبه هذا الطلب برفض من قبل بعض كبار الرأسمالين اليابانيين الجشعين، فاليابانيون في النهاية ليسوا مجتمع ملائكة بكل تاكيد. اما الشرط الثاني فيقضي بالتزام الحكومة التي سيُعهد لها ادارة البلاد باصدار سندات خزانة، وهذه عبارة عن قروض طويلة الاجل يعود ريعها على المواطن الياباني، وقد كانت تجابه بمعارضة قوية من بعض الجهات الاقتصادية والسياسية على خلفية أن هذا الأمر قد يوسع من دائرة مديونية الوطن للمواطن !

كل ما اطلبه ان لا يفكر ناوتو بالانتحار لاتهامه بالتقصير في كارثة تسونامي، ويخلي عينه بعين الله ويدير باله على مرته وجهاله.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/أيلول/2011 - 13/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م