الاقتصاد العراقي وتعثر التنمية... استشراء للفساد وغياب للتخطيط

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يتفاخر اغلب العراقيين بكون بلدهم يعد من بين أكثر دول المنطقة احتواءا على الثروات الطبيعية، خصوصا فيما يتعلق بالثروة النفطية وبعض المعادن الأخرى، الا أن مشاعر الفخر والكبرياء غاليا ما تمتزج في نفوس العراقيين مع الإحساس بالإحباط والحزن لحرمانهم من التمتع بها على أكمل وجه، سيما مع النقص الفادح في الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، ووضع الاقتصاد العام في تلك الدولة وما يعانيه من تعثر مستمر انعكس بشكل مباشر على الوضع المعيشي للأفراد.

ويعزو معظم المتابعين للشأن العراقي لتفشي الفساد في مرافق الدولة ومراكز القرار الحكومي السبب الرئيسي أجهض اغلب مشاريع التنمية والإصلاح الهادفة إلى الارتقاء بواقع الاقتصاد المتعثر.

حيث أظهرت البيانات الرسمية التي تصدرها المنظمات المعنية بقضايا الشفافية أن العراق لا يزال يحتل المرتبة الرابعة دوليا في سلم الدول التي تعاني الفساد المالي والإداري لعام 2010، على الرغم من سعي الأجهزة الرقابية المحلية للحد من تلك الظاهرة، التي لم تسفر جهودها عن نتائج تنعكس بشكل ملحوظ على ما هو قائم.

وعن صعوبة الأمر يرى القاضي رحيم العكيلي رئيس ارفع جهاز رقابي في الدولة انه لا يمكن التحدث نتائج ملموسة على صعيد معالجة هذا الملف الشائك خلال فترة قصيرة.

وأشار العكيلي خلال تصريح ادلى به لوسائل الإعلام "نحتاج الى تبني منظومة من القوانين التي تنص عليها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد، من اهمها حق الاطلاع على المعلومات، وقانون حماية الشهود والمخبرين، وقانون الشفافية في تمويل الاحزاب السياسية، وقانون الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية".

وتابع "اذا كنا جديين في العمل لإصدار تلك القوانين نستطيع ان نكملها خلال السنوات الاربع القادمة".

واختتم بلهجة تشاؤمية "لا أتوقع ان تنجز تلك القوانين في السنوات الأربع القادمة في ظل هذا الصراع السياسي المركب في العراق".

الحيتان السياسية

الى ذلك بات ما يعرف بالحيتان السياسية مصطلح جديد ظهر مؤخرا على المشهد الاقتصادي العراقي، بعد ان كشفت التحقيقات القضائية عن تورط مسئولين كبار في الدولة بعمليات فساد بالغة الخطورة، خصوصا في عقود إعمار البنى التحتية، حيث طالت الشبهات بعض الوزراء في الحكومة الحالية، ولم يستثنى من الاتهام والاعتقال بعض وزراء الحكومات السابقة.

في الوقت الذي تثار الاتهامات حول عدد كبير من أعضاء مجلس النواب، بين تورط مباشر في عمليات الفساد، وتقصير متعمد عبر غض النظر لأسباب حزبية وسياسية عمن يقوم بذلك. ويتمتع أعضاء البرلمان العراقي بحصانة قانونية تقيهم من امتداد يد عدالة من أي إجراء قد تتخذه بحقهم.

حيث أكد عضو مجلس النواب عن التحالف الوطني جواد الحسناوي، إن الفساد مستشر في كل مفاصل الدولة وهناك قوانين تحمي المفسدين، متهما قيادات في الدولة بالفساد، وكان الحسناوي قد اعلن في وقت سابق خلال ندوة للتعريف بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أقيمت في مدينة كربلاء المقدسة جنوب غرب العاصمة العراقية، "الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة من أعلى سلم الهرم حتى اصغر موظف، والسبب هو قانون بريمر الذي يحمي السراق والفاسدين"، مشيرا الى ان "هناك قوانين تحمي كبار المفسدين وهم التجار والموردون".

غياب التخطيط والمتابعة

من جهته يشير بعض المختصين الى غياب إستراتجية واضحة للدولة العراقية على مختلف الأصعدة، مما تسبب بتخبط وإرباك في مختلف مرافقها الحيوية.

يقول علي حسين عبيد وهو المحلل الاستراتيجي في مركز المستقبل للدراسات والبحوث، "ليس من الصعب على المراقب أن يلحظ بوضوح، غياب التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، في المجالات والاقتصادية وسواها".

ويتابع، "معظم المشاريع العملاقة التي أعلن عنها لم ترى النور، وقد أصابها الفشل وان لم يعلن ذلك".

ويلفت، "لا اقتصاد ناجح دون سياسة تخطيط واضحة، تشمل في طياتها المراحل الثلاث، القريبة والمتوسطة والبعيدة الأجل".

ويضيف عبيد متسائلا، "هل يملك العراق أدوات التخطيط المطلوبة؟" ويجيب، "لا اعتقد ذلك، الجميع منهمك في إدارة الصراع السياسي، وقد أهمل ما سواه".

في حين يجد الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للبحوث والتنمية ان الدولة العراقية تركز جهودها على قطاع الطاقة والنفط لتحسين الموارد النقدية والاقتصاد بشكل عام في الوقت الذي تهمل دون سبب قطاعات اقتصادية أخرى لا تقل أهمية عن مكاسب تصدير النفط والغاز.

فيقول العرداوي، "الزراعة والصناعة والسياحة بمختلف أنواعها دعائم أساسية للاقتصاد العراقي".

ويتابع، "تلك المرافق لم تلقى الرعاية الكافية من الحكومات العراقية التي اعقبت التغيير وطوال السنوات الثمان المنصرمة، على الرغم ما توفره من مداخيل نقدية ضخمة نسبيا".

ويضيف، "مع المعوقات الموجودة على الارض لا يستطيع القطاع الخاص تفعيلها بالشكل الانسب مع غياب الدور الحكومي، سيما مع شحة الخدمات الاساسية التي تعذر على الدولة توفيرها، مثل الطاقة الكهربائية والوقود الكافي، فضلا عن تدهور البنى التحتية لكل قطاع منها بسبب الحروب التي شهدتها المدن خلال الفترة الماضية".

ويشير، "على الدولة العراقية اعمار البنى التحتية وتحفيز السياسات النقدية، بلاضافة الى تفعيل القطاع التجاري والاستثمار عبر تعزيز أسواق العمل.

ويختتم، يجب تسهيل عمل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص العمل في الريف وتأسيس صندوق وطني لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

يذكر ان البرلمان العراقي أقر ميزانية قيمتها 82.6 مليار دولار لعام 2011 وذلك بناء على سعر متوسط قدره 76.50 دولار لبرميل النفط وصادرات ستبلغ 2.2 مليون برميل يومي، ويبلغ العجز المتوقع 13.4 مليار دولار. وتسهم إيرادات النفط بنحو 95 بالمائة من ميزانية الحكومة العراقية، وخصصت الميزانية 25.7 مليار دولار للاستثمارات و2.05 مليار دولار لتكاليف استثمارات الشركات النفطية.

أرث خطير لابد من تجاوزه

في سياق متصل الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان ان الاقتصاد العراقي يشكو إرثا خطيرا تناقلته الحكومات العراقية منذ تاريخ تأسيس الدولة عام 1920، كان ولا يزال سببا مباشر خلق حاله من عدم الاستقرار وفقدان الثقة لدى المستثمرين الاجانب.

حيث يقول انطوان، لا يوجد فصل بين القرار السياسي و القرار الاقتصادي، مما خلق على الدوام إرباك واضح على السوق العراقية محليا ودوليا.

ويضيف، تسبب ذلك في اختلالات بنيوية وهيكلية عانى من اقتصاد الدولة على مدى عقود طويلة.

ويتابع، على المعنيين بهذا القطاع إدارته بشكل ذكي وشفاف يضمن حالة من الاستقرار والاطمئنان النسبي من خلال إجراءات مهنية وحزم قانونية بعيدة عن التأثير السياسي المرحلي، لتكون استراتيجيات بعيدة المدى.

يذكر أن وفودا تجارية دوليا قد زارت العراق مؤخرا وشكت غياب البيئة التنظيمية الملائمة لعمل الشركات الأجنبية حتى الان على الرغم من إقرار البرلمان العراقي قانونا الاستثمار الذي أشكل عليه الكثير من الخبراء الاقتصاديين، الأمر الذي جعل الاستثمار في السوق العراقية تحديا مكلفا للمستثمرين الأجانب.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/ايلول/2011 - 11/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م