كيف باع (سموكي) حريته في بلاد العم سام

عبد الكريم ابراهيم

بعد ان حصل الحمار (سموكي) على اللجوء الحيواني في امريكا، وصلت اخباره الى ابناء عمومته من بني(ابو صابر)، عن حالة الرفاهية التي يتمتع بها في ظل اجواء الديمقراطية والحرية الحيوانية ولاسيما بوجود منظمات جندت نفسها لهذه الغاية.

الاخبار هذه دفعت بني (ابو صابر) بكل انواعهم من (الكدش) الى (الاخيضر) الى تقصي حقيقة ما يعيشه ابن عمهم (سموكي) من ترف اجتماعي، حيث تؤكد المصادر الخبرية بأنه يعيش (ملك زمانه) بعدما ابتعد عن جميع الاعمال الشاقة والعمل في (كور الطابوق) وجر عربات الغاز والنفط، فضلا عن عدم اعتراف اصحاب العمل بحقوقه الحيوانية من تحديد ساعات العمل وتحسين نوعية العلف بعدما انتفخت بطون الحمير بـ(النخالة) والبحث عن قشور الرقي والبطيخ وكسرات الخبر اليابس في اكوام المزابل.

اولاد عمومة (سموكي) لم يصدقوا معظم الاخبار حتى يقفوا على (الطين الحري)، لذا شكلوا وفدا حميريا رفيع المستوى ضم جميع الانواع من مختلف المناطق ابتداءا من (كور الطابوق) في النهروان حتى (حي التنك). كان الحصول على تأشيرة دخول بلاد (العم سام) تحتاج الى اجراءات طويلة ومعقدة منها : التأكيد من الخلفيات الحميرية لاعضاء الوفد المشارك وانهم غير مشمولين بقائمة الممنوعين من دخول امريكا، وايضا لم يسبق لحمار منهم زيارة افغانستان حتى على سبيل العمل.

 المهم استطاع بنو عمومة (سموكي) الحصول على اذن الدخول بعد تدخل جمعيات خيرية مناصرة لحق التعبير الحيواني. بعد رحلة طويلة استغرقت اياما وصل الوفد، لان قوانين شركات الطيران تمنع ركوب الحمير والسفر جوا لأسباب عديدة، قد يكون منها : النهيق الذي ليس له ساعات محددة، فضلا عن عدم وجود حفاظات حميرية (اكس لارج) وغيرها من الاسباب الوجيهة التي في حالة ذوبانها في المستقبل يمكن عندها يكون هناك حق للحمير السفر جوا او صناعة طائرات خاصة لهذه الغاية.

وصل الوفد الى مطار جورج كنيدي وكان ابن العم (سموكي) اول المستقبلين، لم يصدق اولاد العمومة في البداية ما وصلت اليه حال ابن عمهم، حيث لبس(سموكي) اجمل البدلات، عززها بربطة عنق من نوع (فيونكا) كأنه في زقة عرس.

 بعد ان تبادل الاقارب القبلات الحارة ركبوا في سيارة (لموزين) فاخرة اخذتهم في جولة سياحية للتعرف على بعض المدن الامريكية، وبدأ (سموكي) يشرح لهم ما يشاهدونه من اشياء كانوا يرونها في الافلام الامريكية، لتتوجه السيارة بهم الى فندق راق بعدما كان يظن الوفد بانهم سيقضون مدة بقائهم حيث يسكن ابن عمهم (سموكي)كما جرت العادة عند استقبال الضيوف.

بدأ الغمز واللمز يسود اعضاء الوفد لماذا لم يستقبلنا ابن عمنا في بيته ؟ وتصورا كما هي عقلية الحمير العربية بان (سموكي) استنكف من ابناء جنسه وانهم اصبحوا دون المستوى المطلوب وغيرها من الوسواس الحميرية، ولاسيما انهم لاحظوا كيف بدأ يتكلم الانكليزية على الطريق الامريكية وهو يدور فهمه عندما يخرج الكلام منه. لاحظ (سموكي) هذا الامر وتدارك الموقف بسرعة (شارلوك هولمز) و(جمس بوند) وقال لابناء عمومته: ان شقته صغيرة وهي تقع في الدور الثلاثين ومن الافضل ان يأخذوا راحتهم في فندق خمس نجوم وعلى حساب بعض منظمات حماية حقوق الحيوان.

 بعد ان هدأت النفوس المتأزمة وعد (سموكي) الوفد في الحضور باكرا لمعرفة سر هذه الزيارة الغريبة والمفاجئة. فعلا كان (سموكي) انكليزيا في موعده والحضور في الساعة والدقيقة. الوفد الحميري كان يحمل جملة من الشكوى والمقترحات قد تحظى بقبول منظمات رعاية الحيوان وهم يرون ثمرة هذه المنظمات بادية على ابن عمهم (سموكي) الذي انقلبت حاله من حمار يبحث عن باقة (الجت) او (سطل شعير) وحتى قشور (الركي) الى شخصية ذات وزن مهم في عالم الحيوان وناشط ومدافع عن ابناء جنسه، ولعل ثمرة هذا التحول تعود الى راجحة العقلية الغربية.

اهم المشاكل التي تواجهها الحمير في العراق – حسب رأي الوفد – هو تعسف اصحاب العربات وتحميل الحمير اكثر من طاقاتها، فضلا عن اساليب التعامل غير الحضارية معهم واختصار الطعام على نوع واحد فقط ما جعل الحمير تعاني من مرض (ابو صفار) والهزال، عكس (سموكي) بعد دخول الاراضي الامريكية حيث اصيب بداء اللضاضة المفرطة لدرجة ان بعض المنظمات هددته في حالة عدم خفض وزنه، فانها ستقطع عنه الدعم المالي والمعنوي ولكنه فضل تعويض سنوات الحرمان التي عاشها هو يجر العربات وفي النهاية لايحصل على ما يريد من رعاية واهتمام.

اما المقترحات التي قدمها الوفد الزائر، فهي تشكيل لجنة لتقصي الحقائق برعاية دولية للوقوف على معاناة الحمير في العراق واعداد مسودة قانون لحقوق الحيوان، ولاسيما ان الحمير تعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري مقارنة بالخيل والبغال وحتى (الصخول). وعد مستر (سموكي) بالتدخل شخصيا بعدما اصبح ذا نفوذ في الاوساط الدولية لايجاد حل للمشكلة.بعد انتهاء المباحثات الرسمية دخل الاحبة الحمير في الخصوصيات الشخصية لاسيما بعد ان لعبت الشمول من (شمبانيا) و(فودكا) بعقولهم وتكشفت السرائر لاولاد عمومة (سموكي) حيث قرأوا في عيونه نظرة الحزن، ما دفعهم من جانب الاخوة الحميرية التي تجمعهم معرفة سر هذا الحزن، وبدأت اسرار (سموكي) تتفتح واحدة بعد الاخرى، ولعل طبيعة الحياة الجديدة التي يعيشها كانت اهم الاسباب في تذمره من ما هو فيه حيث كل الامور بالمسطرة والسنت وهو امر لم يألفه في عالم الحمير الذي يحب الحرية، لاسيما في الاكل والنهيق حسب المزاج وحتى التغوط على الراحة.

عندها قطع الوفد الحميري زيارته بصورة مفاجئة ليعاود ادراجه الى بلده مفضلا اسواط اصحاب العربات وقشور (الركي) و(النخالة) على مصادرة الحرية الشخصية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/ايلول/2011 - 11/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م