مبدأ الشورى وثورة الأفكار الكبرى

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: ثمة علاقة وطيدة تربط بين الفكر والشورى، فالحياة مع ديمومتها وتنوعها وسعتها، تحتاج الى الفكر المتجدد على الدوام، لأنه يتميز بمواكبة توسّع وتنوع ميادين الحياة كافة، لهذا إذا اضمحلّ الفكر تضمحل الحياة نفسها، والشورى هي فكر ومبدأ سياسي تحرري، يضمن للانسان حياة حرة، تحافظ على قيمته وكرامته الانسانية، وهي تقابل في العصر الحديث مفهوم الديمقراطية.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (الشورى في الاسلام): (إنّ أوّل سؤال يسأله الناس هو: أين هي الشورى؟).

وليس عبثا أن تكون الشورى والديمقراطية هي مطمح الانسان، لدرجة أنها تتقدم على جميع الاسئلة، وهكذا غالبا ما يكون الربط قويا بين تجدد الفكر وبين الشورى، ولكن ينبغي أن يأتي هذا التجدد في المسار الصحيح الذي يخدم الانسان، لا أن يصبح عائقا في وجهه، فيلحق به شتى أنواع الانحرافات، حين تكون الافكار هدامة ومنحرفة.

لهذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي نفسه أن: (الماركسية ـ مثلاً ـ التي وُلدَت أواسط القرن الماضي، غزت العالم أواسط القرن الحالي، لكنها لم تجلب للبشرية سوى الفقر والفاقة، فتحولت مجتمعات غنية إلى مجتمعات فقيرة بالكامل).

فالافكار حين تتجدد ينبغي أن يكون مسارها صحيحا، أما إذا حدث العكس فإنها ستكون وبالا على الانسان، ثم تندثر بعد أن تعيث فسادا في حياته، في حين تبقى الافكار الانسانية الصحيحة، خالدة ومقبولة على مر العصور، كما يشير الى ذلك الامام الشيرازي قائلا في هذا الصدد:

إننا (نلاحظ في ثورة الأفكار التي تسود العالم، أنّ الأفكار الإيجابية هي الأفكار التي يُسجل لها الخلود، بينما الأفكار السلبية تتآكل ثم تندثر).

لذا فإن الفكر الصحيح هو الذي يدعم مبدأ الشورى، حيث تسود العدالة والمساواة، وتنتشر قيم الخير، طالما كان الحاكم او الجهات التنفيذية ملتزمة بمبدأ الحريات، الذي لايسمح بدوره بحدوث الظلم او الغبن، ويدعم الكفاءات ويجعلها قادرة على القيام بدورها الامثل في بناء الحياة، لهذا يؤكد الامام الشيرازي في كتابه هذا قائلا:

(لا يكفي للحاكم الإسلامي ان يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام، ذلك لأنّ الناس عندما يرون أنهُ لم يُطبَّق قانون الإسلام الذي هو الشورى ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه).

فالانسان غالبا ما يتطلع الى تلبية حاجات الروح ايضا، أي أنه لا يكتفي بملء البطون وتلبية حاجات الجسد فقط، بل لابد أن تكون هناك مساواة وموازنة في تلبية حاجات الروح والجسد في آن واحد، ولعل إفقار الروح وتجويعها، يأتي من عدم إهتمام الحكومات بتجديد الافكار وتوصيلها الى عامة الناس، لهذا السبب يثور الناس في حالتين:

الحالة الاولى: تجويع الجسد وحرمان الانسان من الحياة المتوازنة.

الحالة الثانية: حرمان الانسان من الغذاء الروحي متمثلا بالفكر السليم.

لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا المجال: (إنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما انّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: "عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ" كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكرهُ، مهما فُرضَ نزاهة الحاكم، وكونه مطبّقاً لقوانين البلاد، سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام أو غير الإسلامية كما في البلاد الديمقراطية).

والغريب حقا أن معظم الحكام الطغاة لا يتعضون من بعضهم البعض، او من تجارب التأريخ المماثلة، فليس هناك قائد حرم شعبه من حرية الفكر، إلا وكان مصيره مزبلة التأريخ، تماما مثل الحكام او الحكومات التي تجوّع شعوبها، حين تسرق ثرواتهم وتعطيهم الفتات، وكأنها تهبهم من ثرواتها هي، في حين أن أصل الثروات للشعب دائما، وغالبا ما يؤدي غياب تطبيق مبدأ الشورى، الى الثورات التي تقلع الحكام والمسؤولين الفاسدين من جذورهم، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه:

(إنّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الـذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين ويقذفهم بمختلف أنحـاء التهم ، ابتداءاً مـن ضد الثورة أو ضد الحاكم أو عملاء للاستعمار والأجنبي وانتهاءاً بأنهم رجعيون خرافيون، وانهم كسالى عاطلون ، إلى غير ذلك من التُهم والافتراءات).

وهكذا يبدو واضحا الترابط بين تجديد الفكر، ومنهج الشورى كاسلوب حياة، فحين يضمحل الفكر، تضمحل الشورى، والعكس يصح بطبيعة الحال، فإذا كان الحاكم او الحكومة من النوع الذي يحترم العلاقة بين الفكر والشورى ويطورها، فإن النجاح سيكون حليفهما من دون أدنى شك، وهذا تحديدا ما يحتاجه إنسان العصر الراهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تموز/2011 - 23/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م