الوحدة الإسلامية أساس عزة هذه الأمة

غريبي مراد

من المستهجن أن تكون أمة عملاقة مثل أمتنا الإسلامية بكل ثرواتها وتاريخها وقوتها الديمغرافية وثقلها الحضاري وعظمة ثقافتها، أمة في الهامش العالمي، وعلى حد قول الفقيه الدستوري والمفكر الاسلامي المصري د.كمال أبو المجد إنها «أمة تُرى ولا تَرى» وكل مسلم مهتم بأمور المسلمين يستشعر الاستقالة العالمية لخير أمة أخرجت للناس، ولعل الأسباب معروفة عند القاصي والداني من المسلمين وغيرهم.

 لكن النكسة المركزية التي تنحدر منها كل الإخفاقات هي التمزق والتشرذم والنزاع التاريخي، الذي جعلنا أمة ميتة في التاريخ، تابعة في الحاضر، مستقيلة عن المستقبل، لقد فقدت أمتنا عبر التذبذبات التاريخية صعودا ونزولا أهم معامل في عالمية الأمم، إنها الوحدة على أساس المشترك، هذا العنوان الذي يعتبر إدارة لسنة الاختلاف بما يغني الأمم بألوان الطيف فيها، ولا جدال حول الغنى التنوعي الذي تتميز به أمتنا ولا ريب أنه كان سر الوجاهة والعظمة للحضارة الإسلامية، إلا أن هذا كله لا يزال محل جدال وخلاف بين المسلمين بكل تنوعاتهم، رغم كل الاجتهادات العالمية للأمم الأخرى التي ترى في الإسلام مهددا لكل أطماعها الواضحة في إعادة احياء الاستعمار والاستدمار وما هنالك من أشكال السيطرة والاضطهاد والاستعباد للشعوب الاسلامية حتى تبقى تابعة وليست قائدة كما يريد منها كتابها المقدس القرآن العظيم...

بصراحة: أمتنا لا ينقصها شيء سوى انطلاق الروحية الوحدوية من جديد، لتستعيد نظامها وتألقها بين الأمم وتسترد دورها الحضاري في نزع الأغلال الفرعونية عن الإنسانية جمعاء، هذه الأمة علة استقالتها بيد علمائها الأحرار، لأنها أمة تستمد قوتها من روح التقوى التي يجسدها العلماء العظام بجمع الكلمة ورص الصفوف وحقن الدماء وترشيد الناس لسبل السلام، ومهما حاول أي عضو في جسم هذه الأمة تبرير فردانيته فإن الحقيقة الوحيدة أن هذه الأمة في حاجة لكل أبنائها وأطيافها وعقولها.

 لقد مرت علينا الويلات عبر التاريخ كله، ولدينا موروث رصين نابع من الكتاب والسنة يؤكد أن الوحدة قلب نهضة هذه الأمة، ذلك الموروث الذي تركه العلماء والمفكرون للأجيال القادمة بعدها وحتى وقتنا هذا لا يزال العلماء المخلصون للحق والنبي الأكرم (ص) يرفعون أقلامهم وأصواتهم للحث على جمع الكلمة ومواجهة العدو المتربص بحاضر ومستقبل الأمة الاسلامية، حيث كان آخر بيان لشيخ الأزهر العلامة الدكتور أحمد الطيب (حفظه الله ورعاه) واسمه كله تيمنا باسم نبي الإسلام سيدنا محمد (ص)، حيث وضع النقاط على الحروف بلغة علمائية مسؤولة عارفة بزمانها مدركة للخطر المحدق بالأمة، خصوصا في هذا الوقت الذي بدأت فيه الشعوب الإسلامية تثور على الظلم والظلام لتشعل شموع الوحدة والنهضة والكرامة والعزة، وما أحوجنا لمثل هذه المواقف من قبل جل القامات العلمائية في أمتنا الإسلامية لتقي شعوبنا الفتن والتخلف والتشرذم والشتات من جديد وتعبر بها نحو شاطئ الوعي والنباهة والتعارف والتسامح والتعايش والتعاون أساسا على تحمل بعض من أجل بناء المستقبل الاسلامي المشرق بالحق...

بكلمة: إن دور إحياء الوحدة الاسلامية في مجتمعاتنا، متوقف على تحمل النخب الدينية والإعلامية والثقافية والسياسية النزيهة منها، مسؤوليتها غرس قيم الإسلام الأصيلة ومواجهة الخطط الفتنوية الطائفية وسد الثغرات التي يستغلها الكفر العالمي لإضعاف الأمة بصب الزيت على مواقع الخلاف وتوجيه الناس نحو الاستغراق في الصراعات، بينما الغرب من حولنا يزداد تعاونا من أجل الحفاظ على مصالحه عندنا وإذلالنا أكثر...

إن الغرب ما سنحت له الفرصة لذلك إلا عندما تأكد من أن هناك إمكانية جديدة لتشتيتنا أكثر بعد سايس - بيكو، والمشكلة ليست في أننا شعوب وقبائل ومذاهب وأحزاب ولكن مأزق وحدتنا أننا لا نريد أن نفهم الإسلام مع بعضنا البعض لنعيشه برحابة كما جسده النبي الأكرم (ص) وكل العظماء عبر التاريخ الاسلامي، وعليه تنوعنا ضمن عنوان وحدة الإسلام هو أساس عزة أمتنا، ومن المنبهات القرآنية أن آيتي الوحدة وردتا في سورتين هما «الأنبياء/92» و«المؤمنون/52» حيث الآية الأولى ختمت بالأمر لعبادة ربنا عزوجل والأخرى بالأمر بتقوى الله، ببساطة من لم يتحرك للوحدة الإسلامية الكريمة للأسف لم يفهم بعد رسالة الأنبياء وحقيقة العبادة في الإسلام وأيضا هو تائه عن منهاج المؤمنين الزاهر بالتقوى... و الله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تموز/2011 - 16/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م