جدلية التنمية: بين ثقافتي التخلف والمواطنة

غريبي مراد

لا يخفى مدى التأثير الذي تلعبه التمثلات أو التصورات الثقافية في تحديد مسارات الأشخاص والجماعات والمجتمعات في مقابل شتى المشاريع الفاعلة في الحياة الإنسانية عامة، حيث نلحظ الاهتمام الكبير الذي يحظى به مبحث التصورات أو التمثلات الثقافية في الغرب، خاصة فيما يتعلق بالمشاريع السياسية الكبرى والمخططات التنموية الاقتصادية والانتقالات الاجتماعية، لأن التصور الثقافي هو القاعدة الأساسية في التفاعل بين الفرد أو المجتمع مع التحديات أو التطلعات والطموحات والمشاريع التنموية.

 وعلى هذا الأساس لا يمكننا التعامل مع ما نراه من انشطارات سياسية وانفعالات جماهيرية في أحد أصغر المجتمعات العربية –المجتمع الكويتي- ببساطة، حيث البعد الثقافي حاضر بقوة في أي رأي سياسي جماهيري، ومما أشار إليه غوستاف لبون حول سيكولوجية الجماهير، يلتقي في جزئية ما مع حقيقة تأثير الخلفية الثقافية للجمهور وقياداته في وعيهم لقيمة المواطنة وكذا تطلعات التنمية بأي مجتمع مدني.

بصراحة: ما تشهده الكويت منذ تفتح ورود الربيع العربي، يوحي بثقافة خطيرة تفرض تصوراتها بأساليب تتنافى والشبكة السوسيوثقافية الكويتية وكذا الغاية التنموية ولا تتفاعل مع رؤى القيادة العاقلة التي تحاول أن ترشد الشارع السياسي إلى سواء السبيل الجامع المانع من كل عبثية بمستقبل البلد، والذي يجعل الكويت في منأى عن الاختلالات الاقليمية بدرجة أكبر، بدلا عما قد ينتج في حال بقي الواقع السياسي تحكمه قوانين صراع الطرشان، ولعل التصور الثقافي الغالب والمشترك لدى الكونتونات السياسية بالكويت «أنا ومن بعدي الطوفان».

بينما الأساس في بناء الدولة المدنية هو شيوع وحيوية قيمة المواطنة بين مكونات الوطن بشتى تنوعاتها، لكن للأسف لا نزال نلحظ على طول السنة ومنذ عقد من الزمن، واقع قيمة المواطنة يتراوح في مكانه من جراء التشنجات والحسابات السياسية والمحاصصة المتعددة المجالات، مما جعل انطلاقة مشروع التنمية وثباتها على السكة العادلة المرسومة لها قاب قوسين من التخلف أو أدنى.

بكلمة: في الكويت تصوران ثقافيان للاختيار، الأول: تنمية التخلف وتخلف التنمية، الثاني: تنمية المواطنة ومواطنة التنمية، لأن كل تخلف يعني رجعية في الوعي المواطني، وكل تجسيد للمواطنة هو طرد للتخلف من الواقع الكويتي، وعليه تكون المعادلة الأساسية ليست التراشق والتشكيك في مواطنة أحد وإنما في التجسيد الأجمل للمواطنة من أجل انطلاقة التنمية كحقيقة بعيدا عن المهاترات المقرفة التي تخدش يوما بعد يوم جمال لوحة الديمقراطية في الكويت... هكذا الكويت لا يمكنها أن تتجاوز التخلف وتفرض خيار التنمية إلا عبر المواطنة كقيمة حضارية بإرادة جماهيرية واسعة، ولعل المدخل يكون في تطهير الواقع الكويتي من تمثلات تنمية التخلف وتخلف التنمية، التي تهدد التوافق الاجتماعي والتقدم الاقتصادي والأمن السياسي في ظل التطورات الاقليمية والدولية...

 ويبقى السؤال: أي ثقافة تنجب التنمية: التخلف أم المواطنة؟! والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 7/تموز/2011 - 5/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م