عمر مديد صديقنا مانديلا

عبد الكريم ابراهيم

اغلب حكام العالم الثالث (الدول النامية) جاؤوا الى السلطة بطرق ثلاثة: الاول مقارعة الاستعمار والنضال الطويل في سبيل التخلص من سيطرته، والنتيجة ان هؤلاء المناضلين بعد ان ذاقوا طعم وحلاوة كراسي الحكم، تحولوا الى طغاة متسلطين لدرجة لايمكن اقتلاعهم من مناصبهم الا بقدرة الله سبحانه وتعالى وهي نتيجة حتمية فرضها الجليل القدير على بني البشر، او يغامر احدهم بقيادة انقلاب والمحصلة نفسها مع اختلاف فقط في الاسماء والوجوه.

اما الطريق الثاني كما اغلب ثورات منطقة الشرق الاوسط، حيث تقوم مجموعة من الضباط بثورة وطنية على رتل من الدبابات واحتلال القصر الملكي (الجمهوري) واذاعة البيان الاول للثورة مع استمرار سيطرة الحزب الواحد على النظام ولتظهر بعد ذلك بوادر توريث الحكم داخل الاسرة الواحدة.

ولعل الطريق الاخير وهو الاكثر ضمانا والاسلم لبعض الحكام: شراء رضى الدول المهيمنة ومسح الاكتاف في سبيل الحصول على حكم هذا او ذاك البلد، وعملية المسح مازالت مستمرة حتى الآن.

في ظل كل هذه الطرق، القلة من الثوار الحقيقيين تصالحوا من انفسهم واثبتوا انهم خلال فترة النضال من اجل التحرير هي نفسها لو قدر لهم الوصول الى الحكم، وبعبارة اخرى ان الكراسي لاتغير المبادئ.

وهنا يبرز الزعيم الافريقي نيلسون مانديلا من هؤلاء الذين ضربوا اروع الامثلة في انهم فوق الرغبات الشخصية، وما عليهم سوى وضع اللبنة الاولى وترك البقية للأجيال القادمة تأخذ طريقها في قيادة البلد ؛ لان هناك ايمانا بان العقليات والمدارك تختلف من جيل لآخر، وقد تكون افكار الماضي غير صالحة لعصر الانترنيت والفضائيات والموبايل. هذه الحقيقة ادركها الرجل العجوز مانديلا، فقرر ترك المجال السياسي للشباب الافريقي الجديد وفضل ان يكون مراقبا يرى بعينه ثمرة نضاله مع رفاقه، تنمو وتزدهر، ولاسيما انها وجدت الارض الصالحة للنمو.

وفاة المناضلة الافريقية البرتينا سيسولو او كما يحب ان يطلق عليها ابناء شعبها بـ(ماما سيسولو) التي ناضلت من اجل حرية بلدها جنوب افريقيا، ذكرتني هذه المرأة بصديقي مانديلا وان سنة الحياة لابد لها ان تسري عليه كبقية البشر، ولكن كيف سيتذكر الافريقيون والعالم هذا الرجل الذى قضى ربع عمره داخل السجن.

اعتقد انهم سيجمعون لاول مرة رغم اختلافهم في اشياء كثيرة: بان مانديلا عاش مناضلا ومات زعيما – بعد عمر طويل – لم يجلس على كرسي الحكم سوى اربع سنوات ليتقاعد اثرها بمحض ارادته، ليجلس على كرسي اخر لايتزحزح عنه ابدا هو حب الاخرين في جميع المعمورة.

 ما احوجنا الى شخصية مثل مانديلا تعزف عن مباهج الحكم وزخرفه لتعيش في ضمائر الشرفاء.

 ما عساي ان اقول لك غير عمر مديد صديقنا مانديلا والف عام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/حزيران/2011 - 18/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م