العرب... سؤال النظام والحكم الراشد؟!

أ. غريبي مراد

بداية نقطة نظام: ماذا يعني لنا كعرب النظام؟

هل للنظام مساحة في حياتنا العربية ؟ وكيف نستقبل هذه الكلمة لما نسمعها؟ أسئلة جوهرية تلح على تفاصيل حياة العربي المسؤول، وتنفض أغبرة الفوضى التي تربك عقولنا وتملأ أنفسنا وتعكر صفو يومياتنا وتسرق البسمة من على وجوه شوارعنا العربية...

أين النظام في حياة العرب؟ وإن وجد كم نحترمه ونحافظ على صحته وفعاليته؟ ثمة علاقة وثيقة بين قيمة النظام كإرادة والحكم الراشد، لأن ممارسة السياسة لديها مقتضيات فكرية ونفسية وسلوكية أو عملية، فالإنسان الذي يملك قوة الفكر السياسي ويفتقر للنفسية المنفتحة على التضاريس السياسية، لا مناص أن مواقفه وسلوكياته ستكون مناقضة تماما للوزن السياسي النظري الذي يملأ مخيلته!!!

حيث كل المهتمين بالشأن السياسي العام في البلدان العربية، سواء من العرب أو العجم، انتبهوا لهذه المفارقة الحساسة والخطيرة في آن واحد، والتي يعاني منها رجل السياسة والحزب السياسي وما يسمى-اعتباطا- بالنظام السياسي على طول عرض طنجة -مسقط... ومهما حاولنا تحليل وتوصيف واقع الحراك السياسي في مجتمعاتنا العربية، فإننا نصطدم بحقائق تتضمن هذه المفارقة ومشتقاتها، التي ابتليت بها الأنظمة كما المعارضات في عالمنا العربي...

بصراحة: سؤال التوازن المطلوب في التعامل مع عالم السياسة-عربيا-لميلاد رجل السياسة المسؤول والسلطة الراشدة والمعارضة الموضوعية الخلاقة للنظام، يدفعنا -هذا السؤال- لإعادة التفكير في عناوين: الديمقراطية، الدولة، المواطنة، الحكم الراشد والشرعية السياسية، الإصلاح، المعارضة، وما ينبثق عنها من آفاق نقدية وأبعاد تغييرية لرؤيتنا حول مفهوم "النظام" كهيكل أجوف أو كمسؤولية ثقافية اجتماعية متكاملة من أعلى الهرم إلى أسفله...؟!

بكلمة: العرب في السياسة لم يحددوا بعد أي اتجاه يريدون، هل هم مع أمير ميكيافيلي أو روح قوانين مونتيسيكيو أو أحكام الماوردي، هذا الخبال استوحيت مستنداته من خلال عدة كتب بحثت إشكالية العرب سياسيا عبر التاريخ والراهن، حيث مؤخرا اطلعت على ثلاث كتب أثارت عدة أسئلة وأنتجت في المقابل جزءا من مشاريع إجابات، كتاب: "رجل السياسة-دليل الحكم الراشد" للمفكر السعودي المبجل الدكتور توفيق السيف، الذي جمع بين تجديد الفكر الديني والتعايش مع الفكر الحداثي، أما ثاني كتاب للأستاذ الياباني نوبوأكي نوتوهارا "العرب..وجهة نظر يابانية" الذي عايش العرب طيلة 40 سنة واكتشف مأزق الآنا العربي مع الآخر، أما الثالث فأحد رجال الفكر والفلسفة الدكتور فهمي جدعان "المقدس والحرية"، الذي فاضل عبر مشروعه الفكري بين الثقافة العربية والروح الحداثية الغربية، محاولا إيجاد صورة لوعي فلسفي عربي للحياة بكافة آفاقها الوجودية...

هذه الكتابات تناقش التخلف الفكري والترهل الحضاري ونوعا ما الاستقالة الفلسفية والرجعية الفقهية للعرب بخصوص فن السياسة، وما نتج من عقد نفسية أرهقت مشروع الاجتماع السياسي الراشد، فكانت الانتخابات والثورات والانقلابات والاستجوابات والجدالات، سوى توترات لأزمات نفسية أقالت العقل العربي من وظيفة النقد البناء والتقويم الأمثل والتخطيط الاستراتيجي، وبالتالي ضاع التحول الديمقراطي في وسط ركام من ازدواجيات حرجة (القبيلة/الوطن)، (المذهب/الدين)، (العرب والعالم)، (الملك، الديمقراطية)،(المقدس والمدنس) وهلم جرًا ثنائيات لا نهائية...

بينما يبقى منطلق التغيير في العرب، ثقافي بإمتياز، وللصفوة أو النخبة دور مركزي في إعادة صياغة الحالة السياسية العربية الراشدة في ظل تجاذبات التاريخ والحرية والمقدس والدين والسلطة والآنا والآخر...ودور النخبة يتحدد في بلورة النظام الثقافي الحقيقي للأمة...والله من وراء القصد.

* كاتب وباحث إسلامي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/حزيران/2011 - 6/رجب/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م