قتل ارادة الشعب ورسالة اغتيال اللامي

نجاح العطيه

بعد مرور اكثر من ثمانية اعوام على اسقاط الصنم الصدامي ونظامه البعثي البائد سعت هيئة المسائلة والعدالة المستقلة والتي كان اسمها هيئة اجتثاث البعث الى منع ازلام النظام البعثي البائد الذين تلطخت اياديهم القذرة بدماء العراقيين الابرياء من الرجوع او المشاركة في الحياة السياسية او تسلم المناصب الحكومية المهمة وذلك تطبيقا لاحد مباديء العدالة الانتقالية وفق القوانين الدولية والذي ينص على ضرورة انصاف الشعوب المظلومة والتي خرجت من نير تسلط الحكومات الاستبدادية او الانظمة الشمولية التوتاليتارية عليها ومحاكمة تلك الانظمة على جرائمها البشعة التي ارتكبتها بحق شعوبها ومنع رجالاتها واحزابها من الرجوع لسدة الحكم كحق طبيعي من حقوق الشعوب المظلومة في التخلص من السياسيين المجرمين الذين تسببوا في الحاق الكوارث والنكبات والويلات بشعوبهم.

 ويقف على راس قائمة هذه الانظمة البشعة النظام الصدامي البائد وازلام حزبه الشوفيني الشمولي الذين بلغت جرائمهم بحق الشعب العراقي عنان السماء ولنا في تجارب الشعوب في جنوب افريقيا وراوندا ويوغسلافيا واسبانيا والمانيا وليس اخرا ما نراه اليوم في تونس ومصر وبقية الشعوب العربية الناهضة والمنادية بضرورة منع ازلام انظمتها الاستبدادية من العودة الى ممارسة دورها الاجرامي من جديد بل ومحاكمتهم على جميع جرائمهم التي ارتكبوها بحق شعوبهم فليس هنالك صوت او ارادة تعلو على صوت وارادة الشعوب المظلومة اذا انتفضت بوجه انظمتها المتسلطة غير الشرعية وغير الدستورية من اجل تطبيق مبدا الاقتصاص من الحاكم غير الشرعي الظالم واذرعه الضاربة.

وعلى الرغم من ان اغلبية البعثيين يتواجدون اليوم في مرافق الدولة بعد ان اعيدوا الى وظائفهم بقدرة المساومات والضغط الامريكي السعودي الخليجي المتواصل وان غير المتواجد في دوائر الدولة منهم اليوم من قادة الفرق والشعب الحزبية فقد احيل الى التقاعد برواتب عالية لم تكن تحلم بها في زمن النظام البائد في الوقت الذي ما زالت اعدادا كبيرة جدا من عوائل الشهداء الذين اعدمهم النظام الصدامي لم تنل حقوقها المستحقة وفق الدستور العراقي.

 ليس هذا فحسب بل ان الامر وصل الى عقد صفقة بين القائمة العراقية وكتلة دولة القانون التي يتراسها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي وهو المسؤول الاول مع قائمته وكتلته السياسية عن اقرار هذه الصفقة والتي تم بموجبها رفع المسائلة والاجتثاث عن خادم صدام وزوجته ساجدة المدعو صالح المطلك واعطائه منصب رئاسي عال جدا وهو نائب رئيس الوزراء في صفقة سياسية كارثية لازالت تتحدث بها جميع الاوساط الوطنية العراقية وتعتبر هذه الصفقة غير الدستورية وغير القانونية والتي تتقاطع كليا مع توجهات هيئة المسائلة والعدالة من بين التداعيات الخطيرة التي ادت الى تكالب ازلام النظام البائد على ارتكاب المزيد من الجرائم واخرها عملية اغتيال الشهيد علي اللامي رحمه الله من اجل وصولهم مرة اخرى الى الحكم والعودة الى الحياة السياسية من جديد في العراق.

وعلى الرغم من جميع المحاولات الخبيثة من قبل ازلام النظام البائد لعرقلة عمل هذه الهيئة المستقلة او ثنيها عن ممارسة دورها القانوني والدستوري المشرف والذي يحظى بمقبولية ورضى جميع المنظمات الانسانية والدولية ومنظمات حقوق الانسان في العالم وما نصت عليه جميع المواثيق والعهود الدولية والاعراف السماوية والانسانية لمعاقبة اذرع وبقايا كوادر الانظمة الشمولية والدكتاتورية المجرمة بحق شعوبها لاسيما ازلام النظام الوحشي الاستبدادي الدكتاتوري البائد من الرجوع الى ممارسة دورهم القذر في الحياة السياسية الجديدة في العراق استحقاقا عقابيا لما جنته اياديهم بحق المظلومين من ابناء الشعب.

نقول على الرغم من كل هذه المحاولات المحمومة والتي تشترك فيها جهات عديدة تسعى الى ارجاع عقارب الساعة الى الوراء وادخال البعثيين من الشباك بعد طردهم من الباب راينا كيف كان يعمل الشهيد الشجاع علي اللامي بكل اصراره الوطني وبكل ما يحمله من معاني الشرف والغيرة الوطنية وجهده الاصيل وصيانته للامانة الوطنية التي حملها ممثلا لضمير الشعب العراقي وجميع الشهداء والمظلومين والمعذبين في زنازين ومعتقلات البعث الصدامي الرهيبة الذين قضوا على ايدي المجرم المقبور صدام وعصابات حزبه العفن حيث لم يتوان ولم ينكص على عقبيه ولم يخف او يتهاون في ملاحقة هذه الثلل الصدامية التي اهلكت الحرث والنسل والعباد والبلاد واوصلت العراق وشعبه الى ما نراه اليوم حيث ان افرازات عقود الظلم الصدامي لازالت متفشية في ارض العراق وهي بحاجة الى توحد الجهود الوطنية الشعبية والسياسية من اجل التخلص من تبعاتها واثارها البشعة وعلى كافة الصعد والمستويات ولسنوات طويلة.

ان عملية اغتيال هذا الوطني الشريف والمناضل الباسل هي رسالة موجهة الى جميع العراقيين والسياسيين الشرفاء بان كل وطني مخلص لشعبه ووطنه هو رقم يدخل في قائمة الاغتيالات الخسيسة والتي تقع ضمن خانة الجرائم اللا انسانية والارهاب الجبان القذر وهي رسالة بائسة في راي جميع الشرفاء حيث ان هذه الرسالة تؤكد مدى خسة وقذارة الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة من اجل تحقيق غايتها في ارجاع البعثيين الملطخة ايديهم بدماء العراقيين والاسراع في تحقيق وهم (المصالحة الوطنية) وهو يعني مصالحة البعثيين الصداميين واشراكهم في العملية السياسية من جديد وكان شيئا لم يكن وعفا الله عما سلف من جرائم البعث الصدامي التي اهتز لها عرش الجبار القهار وهذا هو الخطأ الفادح الذي طالما نبهنا الى خطورته البالغة والذي سعت بعض الاطراف والكتل السياسية الى العمل به نتيجة الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على تلك الاطراف من اجل تحقيق اهداف تتمحور ضمن فضاءات نظرية الفوضى الخلاقة التي سبق وان اشار اليها الرئيس الامريكي السابق جورج بوش في حديثه عن تداعيات المشهد السياسي الامريكي في العراق قبل اربعة اعوام.

 ويدخل من بين سمات تطبيق هذه النظرية الامريكية ملف فتح الحدود العراقية والسماح لدول الجوار العراقي لاسيما المملكة السعودية بادخال الاف الارهابيين الى العراق من اجل تصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والارهاب القاعدي كما زعم بوش لكي يبقى الشعب العراقي تحت خيمة الازمات الخانقة والمستمرة من اجل تحقيق هذه الاجندة التي تدخل ضمن اكبر الاخطاء الستراتيجية الامريكية في العراق والتي كشفتها واكدتها وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كونزاليسا رايس حين تحدثت في تصريح لها قبل عام امام وكالات الانباء والفضائيات ان الولايات المتحدة تحركت لاسقاط النظام الحاكم في العراق ونجحت في ذلك ولكنها حقيقة لم تكن تنوي اقامة نموذج ديمقراطي حقيقي في العراق.

 وهنالك دلائل وشواهد كثيرة تؤكد سعي ومحاولات الولايات المتحدة الامريكية لفرض عودة البعثيين من اجل تطبيق نظريتها الفوضوية الخلاقة تلك والتي يجب ان تسمى نظرية الفوضى الهدامة وهذا لعمري قمة التعدي والحاق الجرائم الارهابية بحق الشعب العراقي الممتحن وجعل العراق ساحة لكل ماهو شاذ ونادر في عالم الجريمة والارهاب حيث ان الولايات المتحدة الامريكية تتحمل وزر هذه الجرائم الارهابية الثلاثية الابعاد (جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم ابادة جماعية) وفق القانون الدولي والقانون الدولي الانساني وبنود اتفاقيات جنيف الرابعة والتي تنظم العلاقة بين الدولة الاحتلالية والسكان المدنيين في البلد المحتل والتي سبق وان اشرنا اليها في العديد من المقالات والدراسات السابقة.

وعود على بدء فان عملية اغتيال الشهيد علي اللامي على ضوء هذه التجليات هي رسالة مهمة ايضا الى الحكومة العراقية ممثلة بالاخ نوري المالكي ونخبة النواب الوطنيين فقط في مجلس النواب وجميع العراقيين الشرفاء بكافة اطيافهم والى جميع قادة الكتل السياسية الوطنيين والاعلام العراقي الحر الشريف الى الانتباه والحذر من المخططات المشبوهة لايقاع الفتنة بين شرائح المجتمع العراقي وبين الكتل السياسية وضرورة العمل الجاد لراب الصدع وترك الخلافات الفئوية والحزبية والشخصية والنرجسية والمنافع الانانية جانبا والتمحور حول الاهداف التي ترجع الحقوق للشعب العراقي الممتحن وانصاف جميع ضحايا البعث الصدامي الملعون وفق تطبيق مبدأ العدالة الانتقالية الانساني والذي استشهد من اجل بلوغ اهدافه شهيدنا الحي الاستاذ علي اللامي الذي لم يمت على الرغم من ان الجبناء الحقراء ظنوا انهم اغتالوه غدرا فهو حي عند الله وحي في ضمير الانسانية وحي في قلوب العراقيين الوطنيين الشرفاء وفي قلوب جميع الاحرار في عالمنا المبتلى بطواغيت قتل الشعوب ونهب حقوقها والذين بدأ العد التنازلي لزوال حكمهم من الارض في بدء مرحلة انتصار الشعوب على جلاديها المجرمين.

 فالسلام عليك يا ابا حسين يوم ولدت ويوم انتقلت الى عليين حيا شهيدا على ظلم البعث الصدامي الغادر ويوم تبعث شاهدا على جرائم البعث القذرة.

* كاتب وباحث في الشؤون الدولية

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آيار/2011 - 25/جمادى الآخرة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م